تفسير سورة الفرقان لابن كثير
تفسير سورة الفرقان لابن كثير
سورة الفرقان من السور المكية ، ويبلغ عدد آياتها 77 آية، ويشتمل المقصد الأساسي لسورة الفرقان على تنزيه الله -تعالى- عن الولد والشريك، وبيان فضل إنزال القرآن الكريم، كما تشتمل سورة الفرقان على الشكاية من المشركين الذين كذبوا بالمرسلين، ثم بيان مصيرهم وذلّهم في العذاب، وبيان عزّ المؤمنين في ثوابهم العظيم في الجنة، وفيما يأتي بيان تفسير السورة:
تفسير الآيات من (1-3)
يحمد الله -تعالى- نفسه الكريمة على ما أنزله على رسوله من القرآن العظيم، وفي قوله: (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا): نزّه الله -تعالى- نفسه عن الولد وعن الشريك، ثم أخبر -تعالى- عن جهل المشركين في اتّخاذهم آلهة من دون الله، فهم لا يقدرون على خلق جناح بعوضة لكونهم مخلوقين، فكيف لا يؤمنوا بالله -عز وجل- وقدرته؟!
تفسير الآيات من (4 -31)
يخبر الله -تعالى- عن سخافة عقول الكفار في قولهم عن القرآن: (إِنْ هَـذَا إِلَّا إِفْكٌ)؛ أي يقولون عن القرآن: كذب جاء به النبي واستعان على جمعه بقوم آخرين، ونسخه من كتب الأولين، فردّ الله عليهم أنه هو من أنزل القرآن في قوله: (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ).
وهو الذي يعلم بالسرائر كعلمه بالظواهر، ثم يخبر الله عن تعنت الكفار وتكذيبهم للرسول في قوله: (مَالِ هَـذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ)، ويقصدون بذلك أن الرسول يحتاج للطعام كما يحتاجون إليه، ويتردّد للأسواق طلباً للتكسب والتجارة.
وقد ردّ الله -تعالى- عليهم بأن جميع من أرسلهم من الرسل كانوا يأكلون الطعام، ويحتاجون إلى التغذّي به، كما (وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ) للتكسب، وهذا لا يقلّل من حالهم أو منصبهم، وقد بيّن -تعالى- طلب المشركين المستمر للمعجزات من الأنبياء ، كما في قولهم: (لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ)، فنراهم ويخبرونا عن صدق نبوة محمد.
ثم يبيّن -تعالى- الفارق بين المؤمنين والمشركين يوم القيامة، فالمؤمنون يصيرون إلى الدرجات العاليات (وَأَحْسَنُ مَقِيلًا)، فهم في مقامٍ أمين، والمشركون يوم القيامة يندمون حين لا ينفعهم الندم.
تفسير الآيات من (33-77)
يُخبر -تعالى- عن المشركين: (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ)، أي لا يأتونك بحجةٍ إلا وأجبناهم بالحق في ذات الأمر، ثم يخبر -تعالى- عن الأمم السابقة وما حدث لها نتيجة تكذيبهم بالرسل، فذكر موسى ونوح -عليهما السلام-، وما حدث لمن كذبهم من أقوامهم، ثم ضرب الله الأمثلة التي تبيّن قدرته وعظمته من مدّ الظلّ بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فجعله ممدوداً لأنه ظلٌّ لا شمس معه، ثم يقبض -تعالى- الظل (قَبْضًا يَسِيرًا)، بالشمس التي تأتي عليه.
ومن عظمته أن جَعَل الليل ستراً يتستّر به الإنسان، وجعل (النَّهَارَ نُشُورًا)؛ أي يقظة لينتشر به الناس إلى أشغالهم، و من مظاهر قدرته كذلك إنزال المطر الطاهر في ذاته والمطهّر لغيره، (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ)؛ أي خلطهما وأفاض أحدهما في الآخر، وجعل بقدرته حاجزاً حتى لا يختلط العذب بالمالح.
وهو الذي خلق من النطفة (بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا)، ومن آياته خلق النجوم الكبار في السماء، (وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا)، والمقصود بالسراج أي الشمس.
وختم الله -تعالى- السورة القرآنية ببيان صفات عباد الرحمن كأنموذجٍ يقابل الرافضين للسجود له، فوصفهم بقوله: (وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، وعباد الرحمن هم أفاضل العباد الذين يمشون بوقارٍ وسكينةٍ، متواضعين غير متكبرين، وإذا سمعوا اللغو من السفهاء أعرضوا عنه.