تفسير سورة الضحى
شرح آيات سورة الضحى
سُمّيت سورة الضحى بهذا الاسم نسبة لأول آية فيها، قال -تعالى-: (وَالضُّحَى)، وإنّ محور السورة الذي تتحدث عنه هو مواساة النّبي -صلى الله عليه وسلم-، ولمسة حنان ربّانية خالصة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فجميع آياتها جاءت نجاء من الله له وطمأنينة لقلبه.
وسبب نزول سورة الضّحى هو فتور الوحي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لفترة من الزمن، وجبريل -عليه السلام- أبطأ على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان يقول المشركين: "قد ودّع محمّد"، وفي رواية في الصحيحين أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- مرض، فلم يقم لليلة أو ليلتين، فقالت له امرأة من المشركين: "ما أرى شيطانك إلا قد تركك"، فأنزل الله آية: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى).
وتحتوي السورة على معاني ومقاصد كثيرة، وسيتم تفسير سورة الضّحى للأطفال والكبار كما يأتي:
الآية الأولى (وَالضُّحَى)
أقسم الله -تعالى- بالنّهار كلّه، بوقت الضّحى، وهو وقت ارتفاع الشّمس، والمعنى من قسمه والضّحى: أي وربّ الضحى وخالقها، فأقسم الله -تعالى- في هذه الآية؛ ليكون جواب القسم أنّه ما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- وما تخلّى عنه، ومنذ أحبّه لم يبغضه وفيها إشارة لمطلع شمس النّبوة ولن يقف مطلعها عند الحدّ الذي بلغه.
الآية الثانية (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى)
أقسم الله -تعالى- بوقت الليل الساكن الهادئ؛ أي استقرار الظلام، فكلمة سجى تعني السكن، فالليل عندما يسجو يُغطّي النهار، وقُدّم ذكر الضّحى على الليل بعكس سورة الليل التي تقدم فيها ذكره على ذكر النّهار؛ لأنّ السورة تُخاطب النّبي -صلى الله عليه وسلم- وفيها دلالة على اعتناء الله في الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأنّ فترة انتقطاع الوحي عنه لم تكن إلا فترة هدوء ليستجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه، وأنّ بعد هذا الليل سيأتي النور فهكذا نظام الكون.
الآية الثالثة (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى)
يقول الله -سبحانه وتعالى- للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ويُطمئنه أنه لم يتركه ولم يتخلَّ عنه، ردًّا على ما قالته امرأة بحسب ما رواه جندب بن عبد الله -رضي الله عنه-: (قالتِ امْرَأَةٌ: يا رَسولَ اللَّهِ ما أُرَى صَاحِبَكَ إلَّا أبْطَأَكَ فَنَزَلَتْ: (ما ودَّعَكَ رَبُّكَ وما قَلَى))، فكلمة ودّعك فيها المبالغة في الوداع وتعني الترك، والقلى؛ هو البغض.
الآية الرابعة (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى)
يقول الله -سبحانه وتعالى- مُخاطبًا النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إنّ ما أعده له في الآخرة أعظم وأفضل ممّا في الدنيا، فلا يحزن على ما فاته فيها، فالدار الآخرة خير له من الدّنيا وما فيها، وكلمة الأولى؛ قصد الله فيها الدّنيا.
الآية الخامسة (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)
يُبشّر الله -سبحانه وتعالى- النّبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أنّ عطاءه في الآخرة أفضل بكثير مما في الدّنيا، وسيعطيه من الثواب، والمنزلة، والكرامة حتى يرضى النبي -صلى الله عليه وسلم-، واختلف المفسرون في مناسبة هذه الآية، فقيل إنّ القصد فيها قصور من اللؤلؤ وتُرابها المسك قرابة الألف قصر، وقيل إنه شفيع لأمّته حتى يرضى.
وقيل بحسب ما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- بإسناد ضعيف أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دخَلَ رسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- على فاطمَةَ -رضيَ اللَّهُ تعالى عنهَا- وهي تطحنُ بالرَّحى, وعليها كساءٌ من وبَرِ الإبلِ, فلمَّا نظرَ إليها بكَى وقال: يا فاطمةُ تجرَّعي مرارةَ الدُّنيا لنعيمِ البد فأُنزِلَ عليهِ: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)).
الآية السادسة (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى)
يُعدّد الله في هذه الآية والآيات التي بعدها ما منّه على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان يتيمًا فجعل له مأوى عند عمّه أبي طالب، فكفله وحفظه، واليتيم في اللغة؛ مَنْ مات والده قبل البلوغ أي لا أب له.
الآية السابعة (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)
يُخاطب الله -سبحانه وتعالى- النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أنّه وجده في ضلال وحبّ للهداية، فأرشده للنبوّة والإسلام، والقصد من الضلال هنا؛ هو غفلته وعدم درايته في القرآن والشريعة فهداه الله لها.
الآية الثامنة (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى)
هذه الآية الأخيرة في تعداد المنن، يقول الله -تعالى- مُخاطبًا النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها، وجدتك عائلًا؛ أي فقيرًا، فأغنيتك بمال زوجتك خديجة وتجارتك معها أو من غنائم الغزوات التي أنعم الله عليك بها، وأشارت الآية الكريمة إلى الفرق بين الغنى والثراء، فالثراء لا يمكن أن يكون إلا بالمال، والغنى قد يكون غنى النفس بدون مال.
الآية التاسعة (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)
أمر الله -سبحانه وتعالى- النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتذكّر كيف آواه في يتمه، فأحسن إلى اليتيم وأكرمه، فإكرام اليتيم مما أمرت به الشريعة الإسلامية، قال -تعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ)، فاليتيم يحتاج إلى من يجبر قلبه ويعوّضه عن غياب والده، ويعلّمه أمور دينه إذا ما بلغ سن السابعة فأكثر، والقصد في كلمة لا تقهر؛ أي لا تذلل ولا تَغلب ولا تظلم.
الآية العاشرة (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ)
أمر الله -سبحانه وتعالى- النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ويُذكره، فكما كنت ضالًا وهديتك، فلا تردّ من استرشدك لأمر من أموره، فالسائل في هذه الآيه إمّا طالب العلم ومسترشده، وإما طالب الصدقة، وفي كلا الحالتين فلا تردّه واقضِ حاجته بحسب قدرتك، والقصد بلا تنهر، أي لا تزجره، والنهي هنا عن الغلط في القول والفعل، فعلى المسلم أن يكتفي بالرد الجميل.
الآية الحادية عشر (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)
أمر الله -سبحانه وتعالى- النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يذكر نعمة الله عليه ويشكره عليها، وكذلك المسلم، فالله يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده، وأن يظهر فضل الله عليه بالنعم، فلا يُنكر ولا يُقتّر، فعلى المسلم أن يشكر الله قولًا ويشكره عملًا، فيُقرّ بما وهبه الله إياه في الدّنيا فلا يكون بمظهر يوحي بعكس ما أعطاه الله له.
سورة الضحى نزلت كمواساة ونجاء من الله إلى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لما قالوه المشركين عن تركه له، وفيها ذكر الله -سبحانه وتعالى- نعمه عليه فهو آواه في اليتم وأغناه في الفقر وهداه من الضلال، ثم أمره بالإحسان إلى اليتيم وعدم رد السائل والحديث عن نعم الله عليه.
أثر سورة الضحى في حياة الفرد المسلم
سورة الضّحى تحمل في ثناياها العديد من المقاصد والأثر الجميل على حياة الفرد المسلم، ومن آثار السورة ما يأتي:
- سورة الضحى تُعزّز موقف المسلمين وذلك بردّها على المشركين الذين زعموا ترك الله -سبحانه وتعالى- للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ولم يعد يبعث له الوحي.
- حملت السورة الكريمة بشارة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ ما في الآخرة خير وأبقى مما في الحياة الدنيا، فلا يجب أن نحزن عليها.
- وكما جاء في تفسير ابن كثير: أن الله أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين بإكرام اليتيم والإحسان لهم، وعدم نهرهم وإذلالهم.
- دعت السورة المسلم إلى التحدّث بما أنعم الله عليه به في الحياة الدنيا، وطلب شكره على هذه النّعم في الأفعال والأقوال.
إن لسورة الضّحى أثر كبير على المسلم ففيها ذكر الله -سبحانه وتعالى- أن عطاءه إذا جاء أدهش وأرضى، وفيها ردّ على من قال أنّ الله ودّع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفيها الحثّ على شكر الله وانعكاس نعمه على حياة المسلم.