تفسير سماع الاذان في المنام
تفسير رؤية سماع الأذان في المنام بشكل عام
لقد تميّزت رؤيا سماع الأذان في المنام بميّزة رُجِّحت فيها جوانب البشارة والخير التي تلحق صاحبها؛ فقد ورد في السيرة النبوية في حادثة تشريع الأذان، أنَّ الصحابيَّ عبدَ الله بن زيد -رضي الله عنه- كان مُهتمَّاً بكيفية دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس للاجتماع للصلاة، فأُرُي في المنام رجلاً أتاه فعلَّمه الأذان.
ولمّا قصّ الرؤيا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: (إنَّها لَرؤيا حَقٍّ إن شاء الله، فقُم مع بلالٍ فألقِ عليه ما رأيتَ فليؤَذِّنْ به، فإنّه أندى صوتاً منك).
ويأخذ ابنُ غنّام في كتابه "تعبير الرؤيا" بهذا الرأي مشيراً إلى أن رؤيا الآذان في المنام عِزٌّ ورِفعة من سلطان، لقوله -تعالى-: (ورفعنا لك ذكرك).
رؤية سماع الأذان في المنام حسب المكان
تختلف تعبير الرُّؤى حسب إشارات الزمان والمكان التي تقترن بها؛ فبعض الأمكنة لها فضلُها وشرفها على غيرها من الأماكن، لذا فإنّ تفسير المنام لا ينفكّ عن الظروف والهيئة التي تُصاحب الرؤيا.
من هنا جاء اختلاف المفسرين في تعبيرهم لمشاهد الرؤى حسب نظرتهم لتلك العلاقات والإشارات وارتباط بعضها ببعض، قال جعفر الصادق: "رؤيا الأذان تؤول على اثني عشر وجها: حجٌ، وقولُ حقّ، وأمرٌ، وقدْر ورياسة، وسفر وموت، ودفع وإفلاس، وخيانة وتجسّس، وقلّة دين ونفاق"، ونبين تفسير الرؤى بحسب اختلاف المكان على النحو الآتي:
- سماع الأذان من مكان عال:
يشير إلى رِفعة وشرف؛ لاجتماع شرف المكان مع مقام الذكر، فالأذان من على منارة عند ابن سيرين يدلُّ على أنَّ صاحب الرؤيا يكون داعياً للحقِّ، ويُرجى له الحجّ، وكذا الأذان من على تلٍّ، يشير إلى المنصب والولاية إن كان من أهلِها، وإلى الربح والتوفيق والبركة إن كان من أصحاب الحِرف والتجارات.
وهكذا الرأي أيضاً عند الشيخ عبد الغني النابلسي في فضل هذه الرؤيا؛ حيث قال" "إنَّ من رأى نفسه يخطُب أو يؤذن، فإن كان أهلاً للمُلك ناله، أو القضاء أو الفُتيا أو الأذان أو الخُطبة أو الشهرة أو السمعة؛ لأنّها مقامات أشراف الناس".
- سماع الأذان بين الأزقة:
تعدَّدت الآراء في تفسيره حسب حال الرائي، وحُسن سيرته، فيُروى عن ابن سيرين أنَّ من رأى أنَّه يُؤذّن في شارع، فإن كان من أهلِ الخير، فإنّه يأمرُ بالمعروف، وينهى عن المنكر، وإن كان من أهل الفساد فإنّه يُضرَب.
- سماع الأذان في الأسواق:
ومَن سمع أذاناً في السوق فإنّه قد يدلُّ على موت رجل هناك له عمل ومصلحة، أو قد يدلُّ على جاسوس اللصوص، بينما يرجح ابن غنَام جانب البُشرى في هذه الرؤيا ويُعبَّر الآذانَ في الأسواق والأزقَّةِ عنده على الأخبار الطيبة.
- سماع الأذان من بئر:
استوحى علماءُ تفسير المنام من البئر معاني البُعد والضّربِ في الأرض؛ فيُروى عن ابن سيرين أنَّ الأذان في بئر يُشجِّع الناس على الرحيل أو على سفر بعيد.
ويرى فيه ابنُ غنام معنى الخفاء والاستتار؛ فمن سمع آذاناً من بئر أو جرّة أو خابية أو صندوق أو ظرف، فإنه يُبشّر بولدٍ ذَكر إن كان له امرأة حامل، أو يأتيه خبرٌ من غائب.
- سماع الأذان في المسجد الحرام:
حمله غالب أهل التفسير على معنى الحجّ، مستأنسين بقوله -تعالى-: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).
ويحكى عن ابن سيرين أنَّ رؤيا المسجد الحرام فيه دلالة على الحجِّ لمن تجرّد أو أذّن فيه، وقد يدلُّ على سوق الصاغة، أو صِرافة المال لكثرة التحرِّي عنها.
- سماع الأذان من مكان مجهول:
أخذ منه بعض أصحاب التفسير مظِنَّة الشبهة والرَّيبة، وحمله ابن شاهين على مَحمَل غير محمود، فإن كان الرائي فاسقاً، فقد تقع منه السرقة، مستأنساً بقوله -تعالى-: (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا العيرُ إِنَّكُم لَسارِقونَ).
تفسير رؤية سماع الأذان حسب حالة الرائي
وكما أنَّ تفسير رؤيا الأذان يختلف باختلاف المكان، فإن حالَ الرائي لا يقل أهميةً عن ارتباط المكان بالرؤيا وتأثيره في تفسيرها، فرغم ما يوحِي به الأذان من معنى الذِّكْر وإعلاء صوت الحقّ، إذ يدلّ عموماً على التبليغ والنداء، إلا أنَّ رؤيا الأذان تختلف باختلافِ جنس الرائي، فهو مشروعٌ ومُحبَّب في حقِّ الرائي الذَكَر، ومُستكره في حقِّ الأنثى، فعند ابن شاهين أنَّ من رأى نفسه يؤذِّن مع أهل بيته؛ فربّما دلَّ على حدوث مصيبة، وكذلك المرأة إذا رأت أنَّها تؤذن، إلّا أن تكون كبيرة في السنِّ، وذاتُ صلاحٍ وتقوى.
وفيما يأتي بيان لتفسير رؤيا الأذان بحسب اختلاف حال الرائي:
- سماع الأذان للعزباء:
مع أنَّ أهل التفسير حملوا رؤيا الأذان بحقِّ المرأة على الأمرِ المُستكره، إلا أنَّ هذه الكراهة قد تتبدَّل في بعض الهيئات، فتُشير إلى الدَّعوة لفرح وعقد قران إن كان في حال الرائي وظروف الرؤيا فيها بُعد عن الوقوع في المنكرات، وهو ما أشار إليه ابنُ نِعمة في رؤيا العجوز أنها تُؤذِّن؛ فإن كانت ذات صلاح ودين، فإنها تستأذن الناس في فرح.
- سماع الأذان للمتزوجة:
ذكرنا سابقاً كراهة أهل تفسير الأحلام لرؤيا الأذان للمرأة، وأنّه غالباً ما يُشير إلى حدوث أمور غريبة تخالف أعراف الناس وما يُحمل عليه حال المرأة من السَّتر والحياء؛ لهذا يرى ابنُ سيرين أنَّ أذان المرأة في المنام في مئذنة الجامع قد يدلُّ على ظهور بِدعة عظيمة في ذلك المكان.
- سماع الأذان للحامل:
أمّا المرأة الحامل؛ فإنّ ابن غنام يرى فيه اجتماع خيرين إذا وقع في وقته وفي هيئة محبَّبة، يقول في شأنها: "وإن كانت حاملاً بُشِّرت بغلام، وربّما كان أذانُ المرأة لزوجها عِزّاً، أو لولدها قد يدلُّ على خرجه مؤذناً إذا أتمّت الأذان بوقته".
- سماع الأذان للمطلقة:
إن عموم الكراهية التي يُحمل عليها تفسيرُ رؤيا الأذان للمرأة، يزيد منها في حال حصوله في ظروف مُستنكرة للمرأة، كحالات النزاع والشِّقاق، وهو ما أشار إليه ابن غنام في "تعبير الرؤيا": أنَّ المرأة إذا أذَّنتْ خاصمت، وافتُضح أمرها.
- سماع الأذان للصبي:
فلم يستحسنه علماءُ تفسير الأحلام لارتباط سنِّ الصبي بالطيش وقِلِّة العلم، فيرى ابنُ شاهين أنَّ من رأى طفلاً صغيراً يؤذن، فإنّه كلامُ زورٍ وبهتان في حقِّ والدَيه.
وهذا رأي الشيخ عبد الغني النابلسي أيضاً، إذ إنَّه يستنبط من بلاغ صوت الأذان ومكانته -إذا حصل من الصبيان الصغار- على أنه إشارة إلى استيلاء الجُّهال أو الخارجين على القانون على السلطة والحكم.
- سماع الأذان للأعزب:
يأخذ منه النابلسي دلالةً على الزواج؛ من خلال إشارةِ الأذان لاجتماع الناس، فيرى في الأذان إشاراتٍ على علوِّ الدَّرجة وتغيير الحال، والكلمة المسموعة، والزوجة للأعزب.
- سماع الأذان للرجل:
يُشير ابن غنام إلى بعض حالات رؤيا الأذان للرَّجل المفارقِ لزوجته إن رآه في هيئات تشيرُ لاجتماع الزوجين؛ فإنّه علامة على عودتهما في الواقع واجتماعهما، يقول: "ومن أذَّن في الحمّام راجع امرأتَه".
- سماع الأذان لطالب العلم:
إنَّ رؤيا طالب العلم لسماع الأذان تُفسَّر على أحسن الوجوه والتفاسير بحسب رأي ابن شاهين، خاصة في حال كانت رؤيا النداءِ بما يناسب تعاليم الشريعة، حيث تفسر رؤيا المنادي إلى وجهين، فإذا نادى بما يناسب الشريعة فيكون عندها أمراً محموداً.
- سماع الأذان للتاجر:
يرى النابلسي في رؤيا الأذان للتاجر إشارةً إلى اجتماع الناس حول التاجر، والبركةٍ في تجارته ورزقه وربحه، وذلك لما يدلُّ عليه الأذان من الذكر الدعاء، والبرِّ والطاعات، وفعل الخيرات، والأمن والنجاه من المكائد.
حالات أخرى لرؤية سماع الأذان في المنام
نورد فيما يأتي تفاسير أخرى لرؤية سماع الأذان في المنام:
- سماع الأذان بغير اللغة العربية:
في هذه الحالة هناك شيء مخالف لما هو مشروع في الأذان؛ لذا يحمِله أهل التفسير على التحريف والتزييف، وهو ما يراه النابلسي أن من أذَّن إلى غير القبلة، أو أذن بغير العربية، أو صاحبته هيئة مستقبحة؛ مثل أن يكون أسود الوجه، فربما دلَّ على أنَّه يُخبر بالكذب والبهتان، وقد يدلُّ على ظهور البدع في ذلك المكان.
- سماع أذان الفجر:
لا شكّ في أنّها رؤيا خير؛ لاجتماع علامات البركة والنور، مع ألفاظ الذِّكر والأذان، الداعية للاجتماع في أفضل الأوقات وأبر الطاعات، ويرى النابلسي أنَّ من رأى الفجر قد طَلَعَ، فإنه ينال فرحاً وسروراً متتابعاً دهراً؛ لأنّ الفجرَ نور بعد الظلام.
- سماع الإقامة:
يعد إشارة إلى تعلُّق القلب بالصلاة والمبادرة لفعل الطاعات والقيام عليها، وهو ما يؤكدُّه ابنُ شاهين؛ فمن رأى أنّه يسمع صوتَ الإقامة، فإنّه يدلُّ على التوفيق لفعل الخير.
- سماع الرائي للأذان وشعوره بالراحة:
هي رؤيا حسنة؛ لأنّها علامة على اطمئنان قلبِ الرائي بذكر الله، قال -تعالى-: ( أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ).
- سماع الرائي للأذان في غير وقته:
فيه إشارة إلى مخالفة السُّنة، خاصة إذا وقع من الصبيان أو النساء، أو كان في هيئاتٍ كريهة مستنكرة، ويشيرُ النابلسي إلى اجتماع تلك المنهيات في تفسير رؤيا أذان الصبيان الصغار، إذ إنها علامة على استيلاء الجهَّال على السلطة، خصوصاً إن كان الأذان في غير وقته.
- رؤية المؤذن:
هذه الرؤيا في الأعمِّ الغالب تدلُّ على خير؛ لا سيما إذا احتفت بقرائنَ حسنةٍ تناسب حال الذكر والنداء للصلاة، ويُستأنس لهذا بثناء الله على المؤذنين في قوله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
في هذا المقال تم التحدث عن رؤيا الأذان وما يتعلق بها من تفاسير متعددة ومتنوعة تختلف باختلاف حال الرائي والمكان المؤذن فيه، كما تم ذكر حالات أخرى لرؤية الأذان وتفسيرها، وتجدر الإشارة إلى أن الرؤيا يختلف تفسيرها باختلاف حال الرائي، كما ليس من المشترط أن يكون لكل رؤيا دلالة وتفسير؛ فبعض الرؤى مجرد أضغاث أحلام ولا معنى لها.