تفسير آية ليس كمثله شيء
تفسير آية (ليس كمثله شيء)
قال الله -سبحانه وتعالى- في سورة الشورى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
ذكر ابن عاشور في تفسيره المُسمى بالتحرير والتنوير في معنى قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)،أنَّ الله -سبحانه وتعالى- لا يشابهه شيء ولا يماثله شيء؛ فهو-سبحانه وتعالى- ليس مثله من الموجودات أحد، وكل ما يثبتُ لهذه المخلوقات ننفيه عن الله -عز وجل-، فلا شبيه ولا نظير له -سبحانه وتعالى-، والله -سبحانه وتعالى- أولٌ لا قَبلَ له، وأخرٌ ليسَ بعده شيء، وهو ظاهرٌ ليس فوقه شيء وباطنٌ ليسَ دونه شيء؛ وقد جاءت الآية الكريمة موضحة أيضاً ومثبتةً لله -تعالى- صفتين من صفاته وهما صفتا السمع والبصر، فالله -تعالى- عليمٌ لكنَّ علمه ليسَ كعلمِ أحد من الخَلق، كما أنَّه بصير وبصره لا يماثلُ ولا يشابه بصرَ أحدٍ من خلقه.
دلالات من قوله تعالى: (ليس كمثله شيء)
في قوله تعالى: (ليس كمثله شيء) إشارات ودلالات على كل مؤمن أن يعيها ويفهمها جيداً، وتالياً بيانُها:
- هذه الآية تنفي النفي التام أن يكونَ لله -سبحانه وتعالى- المثيل، وقد جاءت آيات الكتاب العزيز بالتأكيد على ذلك فقد قال الله تعالى: (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ )، وقد جاءت السنة النبوية المطهرة بما يدلُ على ذلك في أكثرَ من موضع؛ فقد حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من أن يجعل العبدُ لله مثلاً ومشابهاً، واعتبر ذلك من أعظم الذنوب ، جاء في الحديث: "يا رَسولَ اللَّهِ، أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ؟ قالَ: أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ".
- أهل السنة والجماعة وأصحابُ العقيدة السليمة يثبتون لله -سبحانه وتعالى- ما أثبته لنفسه من الصفات وينفون عنه ما نفاه هو نفسه والذي جاء مبسوطاً في آيات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وقد قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَلِلَّـهِ المَثَلُ الأَعلى وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ).
- على المؤمن الحقيقي أن ينفي مشابهة الخالق للمخلوق، وبعدها إثبات ما أثبته الله لنفسه وليس النفي وحده فقط، فهذا شأنُ أصحاب العقائد الفاسدة وهو مخالفٌ لمنهج القرآن السليم.
وهو السميع البصير
جاء ختامُ الآية الكريمة بصفتين من صفات الله -سبحانه وتعالى- السمع والبصر، فقال الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)،
وتالياً بيانُ معنى هاتين الصفتين وما فيهما من دلالات وإشارات:
اسم الله السميع
إنَّ سَمْعَ الله -سبحانه وتعالى- ليس كسمع باقي مخلوقاته؛ فسمعه أحاط بالأصوات فلا تختلفُ عليه أصوات المخلوقات، ولا ينشغلُ بسمع أحدٍ عن أحد؛ و اسم الله السميع يجبُ أن يكونَ له الأثرَ في حياة كُلِ مؤمن، كالتالي:
- أن يُثبتَ صفة السمع لله -عز وجل- كما أثبتها هو في كتابه دون أن يشبهها بأحدٍ من خلقه أو يحاولَ تمثيلها أو نفيها تماماً.
- على المؤمن الحقيقي أن يراقب أقواله وأفعاله فالله مطلعٌ عليها جميعها ويسمعُ ما يصدرُ منه.
- على المؤمن أن يلجأ إلى الله تعالى وحده بالدعاء فهو يسمعه ويسمع دعواته ومناجاته له، ولا يلجأ لأحدٍ ضعيف من مخلوقاته ويجعلَ كُلَّ دعائه لله -عز وجل-.
اسم الله البصير
بصرُ الله -سبحانه وتعالى- ليس كبصر خلقه، فهو يرى كُل أفعال المخلوقات وتصرفاتهم وحركاتهم وسكناتهم ولا يخفى عليه أي شيءٍ في الأرض ولا في السماء، وهذا يدفعُ المؤمن لما يلي:
- يُثبتُ المؤمن صفة البصر لله -عز وجل- دونَ أن يشبهها بأحدٍ أو يمثلها أو يعطلها ويؤمنَ بها كما هي.
- على المؤمن أن يداومَ مراقبة الله تعالى؛ ويحرصَ أن يراه الله تعالى وهو في أفضل حال، فيلجأ لدوام الطاعات والبعدِ عن المعاصي والآثام.
- أنَّ معرفة اسم الله البصير تدعو المؤمن إلى دوام التوكل على الله -سبحانه وتعالى- وعدم التواكل وتجعلُ المؤمن حريصاً على الأخذ بالأسباب وعدم القلق والمعرفة أنَّ الله يرى حاله وهو الوحيد القادر على تبديلِ حاله.