تفسير آية ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا
آية: (ربنا لا تزغ قلوبنا)
قال الله -سبحانه وتعالى- في سورة آل عمران : (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)، وآتيًا تفسير هذه الآية الكريم وبيان قول المفسّرين فيها.
تفسير آية: ربنا لا تزغ قلوبنا
يُقصد بقوله تعالى: (ربنا لا تزغ قلوبنا) كما ذكر الإمام الطبريّ؛ أنّ الراسخين في العلم يطلبون من الله تعالى أن يصرف عنهم ما ابتُلي به أهل الزيغ من اتباع متشابه القرآن الذي لا يَعلمُ تأويله إلّا الله سبحانه وتعالى، وغرضهم من تتبّع المتشابه؛ الفتنة، وتأويله وفق هواهم؛ فدعا الراسخون في العلم ربَّهم، وقالوا: (لا تُزغ)؛ أي لا تُمِلْ قلوبنا بعد أن هديتها للإيمان بكتابك محكمه ومتشابهه، فتنصرف قلوبنا لغير هُداك، ويتبع الراسخون دعاءهم لله -عزّ وجلّ- فيقولون: (وهبَ لنا من لدنك رحمة)؛ أي أعطنا من عندك توفيقًا للدوامِ على طريق الإيمان بكتابك العزيز، والإقرار بكلّ ما فيه، فأنت -سبحانك وتعالى- الوهّاب؛ أي: أنت وحدك الذي تُعطي التوفيق والسداد لعبادك؛ كي يثبتوا على دينك وعلى التصديق بأنبيائك ورُسلك وما أُنزل في كتابك.
وذكر ابن كثير في تفسيره للآية ما روته أمّ سلمة -رضي الله عنها- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قوله: "يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّتْ قَلبي على دِينِكَ"، بعدها قرأ قوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)؛ وقد تساءلت أم سلمة عن إكثار النبيّ-صلى الله عليه وسلم- من هذا الدعاء، وتعجّبت من تقلّب القلب؛ فأخبرها أنّ القلوب بين إصبعين من أصابع الله عزّ وجلّ، وهو وحده إن شاء أقامها وثبتها وإن شاءَ أزاغها.
أمراض القلوب
إنّ القلب كسائر أعضاء الجسم؛ يتعرّض للأسقام والأمراض، ولا بُدّ للمسلم أن يحرص على سلامة قلبه، وقد ذكر القرآن الكريم العديد من الأمراض التي تصيب هذه القلوب وحذَّر منها، ومن هذه الأمراض، ما يلي:
- مرض الآثام: فالقلب مُستَقَرٌّ للآثام التي يرتكبها الإنسان؛ كما أخبر الله -سبحانه وتعالى- في قوله: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾؛ فأوّل ما يطرق الإثم باب القلب؛ فإنّه يتوارد إليه كخاطرٍ؛ فإن دفعه وابتعد عنه استراح منه، وإن وقر فيه كَبُرَ ذاك الإثم، وأصبحت وسوسةً في القلب، وأصبح من الصعب بعد ذلك دفعها، وإن تمكّنت أكثر فأكثر؛ أصبحت شهوةً، عليه دفعها؛ كي يسلم قلبه منها، فالآثامُ من الأمراض الخطيرة التي تصيب القلوب.
- زيغ القلب: وهو من الأمراض الخطيرة التي إن أصابت القلب حرفته عن طريق الصواب؛ فعلى المسلم دائمًا أن يدعوَ بثبات قلبه كما أوصى النبيّ صلى الله عليه وسلم.
- غِلّ القلب: وهذا من الأمراض الخطيرة والمنتشرة في دنيا الناس، والغِلّ يحمل المعاني القبيحة من حقدٍ وحسدٍ وضغينةٍ ونفاقٍ، وعلى المسلم أن يتخلّص من هذه الأمراض المتعلّقة بغلّ القلب؛ كي لا يخسر قلبه، ويقع في دوائر المعاصي والآثام .
- غِلظة القلب: وهذا المرض ضدّ الرأفة والرقة، ويعني الشدَّة والقسوة غير المحمودة، والتي تجعل الناس ينفرون من أصحاب هذا المرض؛ قال الله عزّ وجلّ: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ).
- نفاق القلب: وهو من الأمراض التي إن أصابت القلب أودت به إلى دائرة الشرك والبُعدِ عن طريق الحقّ، وبالتالي نقصٍ في الإيمان، ومن يصبه هذا المرض؛ يزدهُ اللهُ مرضًا حتّى يؤدي به إلى الهلاك، قال الله تعالى: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا).