تفسير آية (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله)
التفسير الخاص للآية
الاستخفاء في اللغة بمعنى الاستتار، مثل استخفيت عن فلان أي تواريت عنه واستترت عنه، وقيل يستخفون أي يستترون، وقيل يستحيون من الناس ولا يستحيون من الله -سبحانه- وتعالى، وهو أنّ الحياء والخجل من الناس هو سبب الاستخفاء منهم والاستتار عنهم.
وقيل معنى يستخفون؛ أي المرتكبين للمعاصي والآثام من الناس، وهم أهل الخيانة والتعصّب والتدبير لخداع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين والتلبيس عليهم، ويحتمل أن يكون توبيخاً وتعزيراً لمن يفعل فعلهم ويعمل عملهم، وقيل هي النفوس التي تقوم بارتكاب المحرمات والمعاصي والآثام.
التفسير العام للآية
قيل في تفسير الآية الكريمة إن هؤلاء المستخفين هم السارقون الذين يضعون سرقتهم في بيت آخر، مخافة العار والذل الذي سوف تلحقهم بسبب السرقة؛ فلذلك يستخفون من الناس ويخافون أن يصفوهم بالسارقين، ولكنهم لا يستخفون من الله -سبحانه- وتعالى، والله أحق أن يُستخفى ويُستحيا منه وأن يُخاف منه، فالناس لا يضرونك ما دام ما بينك وبين الله -سبحانه وتعالى- سليماً.
وقيل أيضاً يستخفي هؤلاء بسبب خيانتهم والمعصية التي يقعون بها والعار من الناس الذي لا يقدرون أن يفعلوا لهم شيئاً إلا الذكر القبيح بسبب فعلهم الشنيع، وبسبب جرمهم، ولا يستخفون من الله الذي هو مطلع عليهم وعلى أعمالهم، وبيده الحساب يوم القيامة، والله -سبحانه وتعالى- أحق أن يُستحيا منه وأولى أن يعظّم.
وقيل إن هؤلاء الخائنين لا تنالهم محبة الله سبحانه وتعالى ولا رحمته، فهم بعيدون عن الناس، ولا يحبون لقاء الآخرين ولا يألفوهم، وإذا لقوهم أظهروا عكس ما يكتمون وغير ما يخفون، فهم يستخفون من الناس ولا يشعرون أن الله -سبحانه وتعالى- يراقبهم على أعمالهم.
والشعور بمراقبة الله -سبحانه وتعالى- على عملهم ينبعث من ضمير قوي ووازع ديني كبير، فالله مطلع عليهم وهو عليم بأحوالهم، وإن كانوا لا يشعرون بذلك حتى وإن ابتعدوا عن الناس، فالاستخفاء هو المبالغة في طلب الخفاء والبعد، وذلك ليستطيعوا تدبير ما يريدون، والله -سبحانه وتعالى- مطلع عليهم حتى وإن دبّروا السوء.
التفسير الإجمالي للآية
بيّنت الآيات أنهم يحتشمون من الناس حتى لا يعلموا بصنيعهم وفعلهم، ولا يحتشمون من الله -سبحانه- وتعالى، وهو أن الله -سبحانه وتعالى- لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فهم يسترون أسرارهم عن الناس، وهم يعلمون بقرارة أنفسهم أن الذي يعملونه هو الباطل ، ولكنهم يتركون مراقبة الله في أمورهم وعلمه بهذه الأمور، ويجتهدون في ذلك على الناس.