تفسير آية (وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم)
تفسير آية (وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم)
بدأت الآية الكريمة بالعطف على السؤال الإنكاري الذي سبق ذِكره في آية سابقة، فهل يوجد عاقل يذر الحلال الطيب ويتمسك بالخبيث السيء؟ ويُلاحَظ بداية لوطٍ -عليه السلام- خطابَهم بضمير المخاطب في جملة تحمل اتهاماً مباشراً لهم؛ تعظيماً لقبح فعلهم، وتنبيهاً على أنهم مختصون بذلك الجرم الفاحش، كما تقول لمجرم: أنتَ فعلت كذا، أي لا غيرك قد فعلها.
وفيما يأتي بيان التفسير التحليلي للآية الكريمة:
- (وَتَذَرُونَ)
جاء التعبير بكلمة (تَذَرُونَ) بدلاً من (تتركون) يحمل دلالةً الإهانة والاحتقار وعدم الاعتداد بالشيء الذي يُذر؛ لأنَّ العرب اشتقت الفعل مِن "الوذِر"، وهي قطعة اللحم الحقيرة التي لا يُعتد بها، ويبدو من دلالة كلمة (تَذَرُونَ) أنَّ قوم لوط -عليه السلام- بلغوا النهاية في التفريط بحق أنفسهم وأزواجهم، إلى درجة أنهم قد أهملوهن، فكانوا لا يأتونهن، إما جميعهم البتة أو على الأعم الأغلب منهم.
- (مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ)
مِن حسن كناية التلطف بالتلميح المؤدب من سيدنا لوط -عليه السلام- أنه عبَّر عن المحل الطبيعي المباح منهن لقضاء تلك الشهوة بقوله: (مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ)، وكأن (مَا خَلَقَ) ثم (مِنْ) التبعيضية تقتضي الإشارة إلى ذاك العضو المباح منهن -الذي أكرمكم ربكم برزقكم إياه حلالاً طيباً-، "تعريضاً بأنَّهم كانوا يفعلون ذلك بنسائهم أيضاً".
- (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ)
العادون جمع مفرده عادي، وهو المتعدي المستغرق لجميع المعاصي، أو أنهم قد تعدُّوا متجاوزين حتى عن الحدِّ المُبالغ به للشهوة؛ حيث زادوا على سائر الناس -بل أكثر الحيوانات-، وقيل: العادون هم المتجاوزون للحد في الظلم، فظلمهم واضح: بإتيانهم ما لم يُخلق للإتيان، وتركهم إتيان ما خُلق له.
مناسبة آية (وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ)
من الضروري لتفسير هذه الآية تفسيراً صحيحاً ربطها بما قبلها وما بعدها، وذلك كما يأتي:
مناسبتها لِما قبلها
حين عاتب لوط -عليه السلام- قومه لأنهم كانوا يكتفون بالذكران من أجل قضاء شهوتهم الجنسية بقوله مستفهماً استفهاماً إنكارياً: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ)، اقترح عليهم البديل الحلال بقوله: (وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ)، أي فلتتزوجوا الإناث اللاتي أباحهن لكم ربكم ب زواج شرعي ، لكن ما حيلتي بكم وأنتم تتجاوزون حدَّ جميع المعاصي بإتيانكم لتلك الفاحشة؟
مناسبتها لِما بعدها
يدل السياق البعدي أنَّ لوطاً -عليه السلام- لم يكن مِن أهل البلدة الأصليين، لكنَّه واجه معصيتهم بثبات وبدون الأخذ بحسابات الولاء العنصري للقبيلة؛ لذا هددوه بإخراجه من البلدة: (قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ)، إشارةً إلى أنه غريب عندهم، وأنَّهم سينفونه لاعتراضه عليهم، "وكان قصدهم بذلك أنْ يكونوا هم المتولين لإخراجه؛ إهانة له؛ للاستراحة منه".