تفسير آية (قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أَو أن يطْغى)
تفسير آية (قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أَو أن يطْغى)
التفسير الإجمالي للآية ومناسبتها
حين أمر الله النبيين: موسى و هارون بالذهاب إلى فرعون بأن قال لهما: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)، فكانت استجابتهما فوراً: (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى).
أي: إننا سنستجيب لأمرك وسنتلطف معه بالقول الليِّن كما أمرتنا، لكن المشكلة في فرعون، فقد يعاجلنا بالإهلاك أو الأذى قبل أن نرشده إلى رسالتك، والأسوأ من ذلك قد يقول في شأنك -تباركت وتعاليت- ما لا ينبغي أن يقال؛ فيتجاوز كل حد ينبغي للتأدب مع مقامك، فطغيانه لا حد له.
التفسير التحليلي للآية
فيما يأتي بيان التفسير التحليلي للآية الكريمة:
- (قَالَا رَبَّنَا)
نسبت الآية القول إلى النبيَّيْن معاً، مع أن القائل حقيقة هو النبي موسى، إما للتغليب -أي: للإيذان بأصالته في كل قول وفعل-، أو قد يكون هارون قد قاله بعد ملاقاتهما؛ فحكى بالضبط ما حكاه موسى عند نزول الأمر إليه.
فكان هذا القول من موسى حين خاطبه ربه، ثم صدر نفس الكلام من هارون حين رجع موسى إلى مصر والتقى بهارون، وقيل: قد قال الله ذلك لموسى عند طور سيناء ؛ فأجابه موسى عن نفسه وعن هارون، فأضاف القول إليهما جميعاً.
- (إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا)
قد يكون معنى (يَفْرُطَ) من الإفراط في الأذية، أو من الاستعجال وعدم التروي، فالفارط هو السابق، وفرسٌ فرطٌ: يسبق الخيل، وكلا المعنيين يصلحان لتعليل سبب الخوف من المبادرة للبطش بهما قبل أن يرى فرعون المعجزات ، وقبل أن يستمع إليهما.
وجاء في الحديث: (إنِّي فَرَطُكُمْ علَى الحَوْضِ، مَن مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، ومَن شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أبَدًا)، والفرط -بفتح الفاء والراء- هو الفارط الذي يتقدم الوُرَّاد؛ ليصلح لهم الحياض والدلاء والأرشية وغيرها من أمور الاستسقاء، فمعناه: إني سابقكم إلى الحوض كالمُهَيِّئ لكم.
- (أَوْ أَنْ يَطْغَى)
أي: نخاف أيضاً أن يتجاوز فرعون الحد في التخطِّي على مقام جلالك إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي، بسبب تجرُّئه عليك ولقسوة قلبه، وفي المجيء بهذا التعبير هكذا عاماً على سبيل الإطلاق والكناية الرمزية نوع من حسن الأدب مع مقام الله -سبحانه وتعالى-.
هل يخاف النبي؟
الخوف هنا خوفٌ على الرسالة: فإنه إن عاجَلَ بمعاقبتنا فلن نتمكن من إقامة وظائف الأداء كما طلبتَ منا، ولا توجد منافاة بين الخوف الطبيعي من شيء والصبر عليه إذا حلَّ مع عدم التضجر من الابتلاء إذا وقع به، والقصة القرآنية قصة واقعية، نجد فيها كثيراً من النبيين والصديقين يخافون مِن المرض والبلاء خوفاً جِبلِّياً طبيعياً.
فلا يطلبون لقاء العدو، ويسألون الله العافية من كل شر، ويدعون الله -تعالى- أن يحفظهم من كل سوء، ولكن إذا نزل بهم الابتلاء تجدهم قد استقبلوه بصدر واسع، وصبروا عليه ولم يضجروا منه.