تفسير آية (فصبر جميل عَسَى الله أن يأتيني بهم جَمِيعًا)
تفسير آية (فصبر جميل عَسَى الله أن يأتيني بهم جَمِيعًا)
وردت هذه الآية الكريمة في سورة يوسف، والتي جاءت مفصِّلةً ل قصَّة سيدنا يوسف -عليه السلام-، وما فعله بهِ إخوته، وقد جاءت هذه الآية لبيان موقف سيدنا يعقوب -عليه السلام- من أبنائه فيما فعلوه مع يوسف وأخيه، فكان -عليه السلام- صابرًا محتسبًا واثقًا بالله -تعالى- متوكّلًا عليه.
وكان -عليه السلام- دائم الأمل والرجاء بالله -تعالى-، حيث بدأت الآية الكريمة بقول الله -تعالى-: (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)، وفيما يأتي شرح مجمل للآية:
التفسير المجمل للآية
كانت هذه الآية الكريمة ردَّا على أبناء النبي يعقوب -عليه السلام- حينما رجعوا من أرض مصر، وكانوا قد ذهبوا إليها للمرة الثانية ومعهم أخوهم بنيامين، واحتجز يوسف أخاه بنيامين عنده بواسطة الحيلة الخفية التي دبّرها بشأن سرقة صواع الملك، فرجعوا إلى أبيهم دون بنيامين ودون أخيهم الكبير، حيث رفض الرجوع بسبب الميثاق والعهد الذي أعطوه لأبيهم بإرجاع بنيامين معهم.
وقالوا لأبيهم ما جرى بينهم وبين عزيز مصر؛ يوسف -عليه السلام-، وأخبروه أنّ بنيامين سرق صواع الملك، فكانت هذه الآية جواباً لهم على فعلتهم؛ أي ليس الأمر كما تدّعون، فأجابهم بما يدل على عدم تصديقهم، وردّ عليهم كما ردّ عليهم في أمر يوسف من قبل، حيث ذهبوا بيوسف ثم رجعوا إليه بدونه وكان معهم قمصيه ملطّخ بدمٍ كذب، فلم يصدّقهم.
وقال لهم إنّ نفوسكم الأمارة بالسوء قد زيّنت لكم مكيدة دبّرتموها أنتم بإرادتكم كما فعلتم من قبل بيوسف، فصبري على ما قلتم صبراً جميلاً، وهو الصبر الذي لا جزع فيه ولا شكوى، وأرضى بقضاء الله وقدره، وأشكو إليه وحده، فلا أجد سوى الصبر محتسباً أجري عند الله، عسى الله ربي أن يردّ لي أبنائي الثلاثة؛ وهم يوسف وبنيامين والأخ الكبير، ويجمع شملي بهم، ويقرّ عيني برؤيتهم.
وخُتمت الآية الكريمة بما يقوّي رجاءه وأمله بقوله (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)؛ أي العليم بحالي من الكبر والحزن، والذي يعلم كل شيء، فلَا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو الحكيم في تدبيره وتصريفه، فهو الذي يدبّر الأمور بحكمته وبمقتضى علمه الواسع.
ما ترشد إليه الآية
يُستفاد من الآية الكريمة أهمية الصبر، فعلى المسلم إذا مسّه الضر في نفسه أو ماله أو ولده أن يستقبل هذا الأمر بالصبر والاحتساب، وبالرضى والتسليم لقضاء الله وقدره، ويقتدي بنبي الله يعقوب -عليه السلام- ، فلم ييأس ولم يضجر، ولم يقنط من رحمة الله -تعالى-.
كما أن البكاء والحزن لا ينافي الإيمان والتسليم، فالحزن الذي يقترن بالصبر والرضا بقضاء الله وقدره ليس محظوراً وممنوعاً؛ لأن هذا من طبع الإنسان وعاطفته، وإنما المحظور هو السخط على القضاء والقدر، وقول ما لا ينبغي من الكلام.