تفسير آية (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم..)
تفسير آية (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم..)
قال -تعالى- في سورة آل عمران : (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ).
ورد في سبب نزول هذه الآية الكريمة أنّ أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: "يا رسول الله لا أسمع الله يذكر النساء في الهجرة بشيء"، فنزلت هذه الآية، ومعناها أنّ الله -تعالى- أجاب عباده بأنّه لا يُضيع عمل أحد سواءٌ كان رجلاً أم امرأة، وقال السعدي إنّه أجاب جميع دعائهم من دعاء عبادة ودعاء مسألة، وأخبرهم بأنّه لن يضيع على أحد عمله، والجميع سيلقى ثوابه وافرا.
وذكر ابن الجوزي ثلاثة أقوال في تفسير قوله: (بعضكم من بعض)، وهي بعضكم من بعض في الدين والموالاة والمناصرة، أو إنّ جميعكم في الحكم والثواب سواء، أو جميعكم من أبناء آدم وحوّاء، وقال السعدي إنّ المعنى هو أنّ كلكم سواء في الجزاء العادل من ثواب وعقاب، فالذين جمعوا بين الإيمان والهجرة بحيث فارقوا ديارهم وتركوا أموالهم امتثالًا لأمر ربهم وطلبا لمرضاته، وجاهدوا في سبيله.
وسيكفّر الله -تعالى- عنهم سيّئاتهم وسيدخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، ثوابا من عنده فهو الذي يعطي الثواب العظيم على العمل القليل، (والله عنده حسن الثواب) ثواب الله وجنّاته ممّا لا عينٌ رأت ولا أذنُ سمعت ولا خطر على قلب بشر، ومن أراد تحصيل هذا الثواب فعليه طاعة ربّه والعمل برضاه والتقرّب إليه وفقًا لاستطاعته وبذل وسعه وجهده في ذلك.
مناسبة آية (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم..) لما قبلها
إنّ الآيات السابقة لآية (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم..) تحدّثت عن صفات أولي الألباب فهم مكثرون من ذكر الله ومن التفكّر في خلقه، ويثنون على ربّهم -سبحانه- وتلهج ألسنتهم بدعائه -عزّ وجلّ- ليقيهم العذاب في الآخرة.
وجاءت هذه الآية لتبيّن أنّ الله -تعالى- قد أجاب واستجاب لدعاء عباده هؤلاء، فأعمالهم جميعها محفوظة ومكتوبة مهما كانت قليلة، وسواءٌ صدرت تلك الأعمال من ذكر أو أنثى فلا فرق بينهما في الثواب وإجابة الدعاء، مثلما أنّه ليس هناك فرق في دخولهم للإسلام وهجرتهم وجهادهم.
الفوائد المستخلصة من آية (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم..)
احتوت آية (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم..) على الكثير من الفوائد، وفيما يأتي بعضٌ منها:
- إنّ الإيمان هو أفضل عمل يأتي به العبد ثمّ الهجرة ثمّ الجهاد.
- إنّ للنساء نصيب من ثواب الجهاد بحسب مشاركتهن فيه، وهنّ مساويات للرجال في ثواب الإيمان والهجرة.
- إنّ كون الثواب من عند الله يقتضي عظمته.
- إنّ تكرار الدعاء ودعاء الله -تعالى- بقول "ربّنا" من أسباب الإجابة -بإذن الله-.