تفسير آية (اهبطوا مصرًا فإنّ لكم ما سألتم)
آية (اهبطوا مصراً فإنّ لكم ما سألتم)
قال الله -سبحانه وتعالى- في سورة البقرة : (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّـهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ).
تفسير آية (اهبطوا مصراً فإنّ لكم ما سألتم)
مفردات آية (اهبطوا مصراً فإنّ لكم ما سألتم)
بيان معاني مفردات الآية الكريمة فيما يأتي:
- البقل: كلّ نباتٍ له ساقٌ.
- القثاء: البطيخ والخيار بأنواعهما.
- الفوم: هو ما يختبزه الناس من الحنطة والخبز.
- اهبطوا: انزلوا.
- مِصراً: قيل إنّها من الأمصار، وقيل إنّها بلاد مصر.
- ضُرِبت: وضعت وفُرِضت عليهم.
- الذِلّة: من ذلّ يذلّ ذلّاً؛ أيّ صَغُر.
- المسكنة: الفقر والضعف والحاجة.
شرح آية (اهبطوا مصراً فإنّ لكم ما سألتم)
تبيّن الآية الكريمة قصة بني إسرائيل مع موسى عليه السلام؛ إذ تجبّر بني إسرائيل وعصوا نبيّهم موسى الذي جاءَ بدعوة الحقّ والتوحيد، وقد ابتدأ القوم طلباتهم التي يصرّون عليها دوماً وأساليبهم في محاولة تعجيز نبيّهم، فقالوا إنّهم ملّوا من أكل المَنّ والسلوى وأرادوا من موسى-عليه السلام- أن يطلب من الله أن يغيّر لهم طعامهم إلى البقول عناداً منهم وتكبّراً وتجبّراً، فجاءَ الأمرُ الإلهي من الله -سبحانه وتعالى-: (اهبطوا مصراً) فإنَّ فيها مبتغاكم وستجدون فيها الذي تطلبون، بعد تنّكرهم لنعمة الله، وأنَّهم يريدون الأدنى من البقول والقثاء والبصل ولا يريدون الأعلى من المنَّ والسلوى ، وهذا حالهم هو حال أسلافهم وآبائهم، فكان الكبر والبطر والاستعلاء ديدنهم على الدوام، وتبيّن الآية الكريمة دعم أدبهم مع الله -تعالى-، فخطابهم مع موسى بـ (ادعُ لنا ربك) دليلٌ واضحٌ على تعاليهم وتكبّرهم، فجاءَ جزاؤهم من الله -تعالى- بأن ضربَ عليهم الذلّة والمسكنة وأنزل عليهم غضبه ومقته، وفي الآية الكريمة إشارةٌ إلى إذلالهم نتيجة بطرهم، فقوله -تعالى-: (فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ) أي أطلبوا من الناس في القُرى ما تريدونه بأنْ تنذلّوا وتنزلّوا من أنفسكم وتسألوا الناس ذلك والذي قد يتطلّب منكم القيام بأعمال الأرض من الحراثة وغيرها.
بيان حال اليهود
سل ّ طت الآية الكريمة الضوء على حال اليهود وبسطت تفصيلاً لأحوالهم في كافة الأزمان والأمكنة؛ فاليهود من أشد ّ الناس ذُلاً ومهانةً، وأكثر الناس نقضاً للعهود، وكبراً وبطراً وعدم رضى بالحال التي عليها، كما أنّهم قتلة الأنبياء وأكثرهم تمرداً عليهم، وحالهم في مجادلة الأنبياء مبسوطٌ في القرآن الكريم في أكثرَ من موضعٍ، و الأنبياء جميعم -عليهم السلام- جاؤوا لمصلحة الأمم لا لمعارضتهم أو فرض عليهم ما لا يطيقون، ولكنَّ هؤلاء اليهود لا يعجبهم شيءٌ ولا يحبّون دعوة الحقّ، ويتنكّرون لها في كلّ زمانٍ ومكانٍ، وكُلّ ما حدث لهم نتيجة أفعالهم قال -تعالى-: (ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ)، قال ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (أشدُّ الناسِ عذابًا يومَ القيامةِ رجلٌ قَتَلَ نبيًّا)، وهذا الحديث مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً مع آخر الآية الكريمة: (ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ).