تفسير آية (الله الذي خلقكم من ضعف)
تفسير آية (الله الذي خلقكم من ضعف)
التفسير الإجمالي للآية ومناسبتها
حين أخبرَ اللهُ نبيه عن شبهات منكري البعث ، طلبَ منه أن يستدل لهم بقدرته على ذلك من شيء يشاهدونه يومياً، فقال: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ).
و كفار قريش ينكرون أنَّ الله ابتدأ خلق الإنسان من ضعف؛ فلا مانع مِن أنَّ الإنسان الذي خُلِق أطواراً -متغيراً بين الضعف والقوة- سيُعاد خلقُه في أطوارٍ تارةً أخرى، فيا أيها المكذبون للبعث تفكَّروا في خلق أنفسكم: فالله (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) يعني من ماء مهين ضعيف، (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) يعني اشتد عودكم وتمَّ خلقكم.
(ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا)، فجعل من بعد قوة شبابكم هرماً، (وَشَيْبَةً) أي وظهور الشيب، (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ)؛ يعني هكذا يشاء أن يخلق الإنسان كما وصف خلقه، (وَهُوَ): يعني الرب نفسه جل جلاله، (الْعَلِيمُ): يعني العالم بالبعث، (الْقَدِيرُ): يعني القادر عليه.
بيان لطائف الآية الكريمة في تكرار النّكرة
معنى هذه القاعدة: إن النكرة إذا تكررت في جملة واحدة، فإن كل كلمة مكررة تفيد معنى جديداً يختلف عن معنى النكرة السابقة، ولكن تكرار المعرفة يفيد أنَّ المقصود بالكلمة المكررة هو ذاته، فإذا قلت: كتبتُ بقلمٍ ثم رميتُ على قلماً: فالقلم الذي كتبت به غير القلم الذي رميته.
ولكن لو قلت: كتبت بقلمٍ ثمَّ رميتُ القلمَ، فالقلم الذي رميته هو ذات القلم الذي كتبت به، وذلك مثل قوله -تعالى-: (كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً* فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)؛ فالمقصود بـ (الرَّسُولَ) موسى -عليه السلام- ، والألف واللام للعهد.
وتطبيقاً للقاعدة على ما وردَ من نكرات في آية (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)، فقد تكررت كلمة (ضَعْفٍ) ثلاث مرات، وكلمة (قُوَّةً) مرتان، ولكل منها معناها المختلف كما سيأتي بيانه، وبحسب ترتيبها في الآية:
- الضَّعف الأول: الجنين في مراحل خلقه الأولى يكون في غاية الضعف.
- الضَّعف الثاني: الطفل المولود في مراحل ولادته الأولى يحتاج الناس حوله لكل شؤونه.
- القوة الأولى: فترة الصِّبا حتى سن البلوغ تكون مليئة نشاطاً وحيوية وحب استطلاع.
- القوة الثانية: زهرة شباب الإنسان، وقوة إدراك الكهولة وحكمتها.
- الضَّعف الثالث: الهرم والشيخوخة، وما تشتمله من ضعف الحواس والقدرات العقلية.
تفسير قوله: (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)
تنبِّه الآية إلى أنَّ أطوار عمر الإنسان ومراحله ليست شيئاً طبيعياً يجري بلا مسبِّب، بل انتقال الإنسان من مرحلة لأخرى يحدث بمشيئة الله -تعالى-؛ بدليل أنه يختلف من إنسان لآخر، وقدَّم العلم على القدرة في هذه الآية؛ لأنَّ السياق هنا يتحدث عن أطوار خلق الإنسان وأحواله المناسبة لكل طَور؛ فالعلم بالحال الأنسب للإنسان في كل طَور يحتاج عليماً يُدرك الأنسب لكل واحدة منها.