متى كانت معركة اليرموك
معركة اليرموك
بعد أن تُوفّي رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وتولّى الخلافة بعده أبو بكر الصّديق رضي الله عنه، عصفت الأحداث بالأمّة الإسلامّية، فظهرت في عهد أبي بكر -رضي الله عنه- حركات الردّة ؛ بهدف زعزعة ثقة الناس بدينهم، وقد شكّلت تلك الفترة فترةً حاسمةً بالنسبة للأمّة الإسلامّية، كما ظهر في تلك الفترة كذّابون ادّعوا النبُوّة ، وكان من الذين طمعوا في أمّة الإسلام الروم، الذين هدّد الإسلام عرشهم في فترةٍ من الفترات، وقد حصلت حينذاك عدّة معارك كان لها أثر فيما بعد بإمداد الإسلام والمسلمين بالقوة والمنعة طوال فترة حكم الإسلام، وكانت من بين تلك المعارك معركة اليرموك، فمتى كانت تلك الغزوة، وما هي أحداثها وتفاصيلها؟
تاريخ معركة اليرموك
اختلفت الرِّوايات في تاريخ معركة اليرموك، وفيما يأتي بيان رأي كلّ فريق:
- الفريق الأول: يرى هذا الفريق أنّ معركة اليرموك وقعت في السنة الثالثة عشرة للهجرة النبوية ، وكان خليفة المسلمين هو أبو بكر الصّديق رضي الله عنه، ومن أنصار هذا الرأي الإمام الطبري الذي اعتمد في قوله على رواية سيف بن عمر.
- الفريق الثاني: يرى هذا الفريق أنّ معركة اليرموك كانت في السنة الخامسة عشرة من هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعلى ذلك يكون خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد أخذ بهذا القول الجمهور، ومنهم: ابن إسحاق، والواقدي، وخليفة بن خياط، والبلاذري، وابن عساكر.
- الفريق الأصوب: إنّ الرأي الأقرب للصواب هو أنّ معركة اليرموك كانت في السنة الثالثة عشرة للهجرة.
أحداث معركة اليرموك
حصلت معركة اليرموك في منطقة من مناطق بلاد الشام، وتحديداً بالقرب من نهر اليرموك، الذي ينبع من جبال حوران ويصبُّ في غور الأردن، ثمّ في البحر الميت وينتهي في جنوب الحولة، أمّا مكان المعركة تحديداً فكان في وادٍ قرب نهر اليرموك قبل أن يلتقي بنهر الأردن، وكان موضع جيش الروم في الجهة اليسرى من نهر اليرموك، أمّا المسلمون فقد اختاروا الجهة اليُمنى منه، وأقاموا فيها معسكرهم، وقد أغلقوا بذلك الموقع على الروم الذين بلغ عددهم ما يزيد على مئتين وأربعين ألف مقاتل، وهو عدد كبير مقارنةً مع المعارك التي خاضها المسلمون، بينما لم يبلغ عدد جيش المسلمين إلّا ستةً وثلاثين إلى أربعين ألف مقاتل، وهو عدد قليل جداً مقارنةً بعدد جيش الروم.
أحداث ما قبل القتال
لمّا علِم هرقل عظيم الروم أنّ المسلمين خروجوا لقتالهم، جمع أكابر قومه، وقال لهم: (وَيْحَكم، إنّ هؤلاء أهل دين جديد، وإنّهم لا قِبَل لأحد بهم، فأطيعوني وصالحوهم على نصف خَراج الشام، وإن أبيتُم أخذوا منكم الشّام، وضيّقوا عليكم جبالَ الرّوم)، وأمر الجيوش بأن تخرج لقتال المسلمين، وأرسل يومها عدداً هائلاً من الجُند؛ حيث أمر بخروج الجيوش الروميّة بصحبة الأمراء؛ لمقابلة كلّ أمير من أمراء المسلمين بجيش مَهيب، فبعث إلى كلّ سريّة من سرايا المسلمين عدداً كبيراً من المقاتلين، في حين أنّ عدد الجند في سراياهم لم يُجاوز واحداً وعشرين ألف مقاتل، باستثناء سريّة عكرمة التي كانت تُرابط في أطراف الشام، وكان تعدادها ستّة آلاف مقاتل.
أرسل أبو بكر الصّديق خالداً ليُساند جيش المسلمين في اليرموك، فانطلق إليهم وبرفقته ستة آلاف وخمسمئة مقاتل، ولمّا وصل جند الروم إلى موقع المعركة، نزلوا في الوادي فأصبحوا في خندق مُحاصَر، وقد وصلهم مدد من القساوسة والرّهبان لحثّهم على قتال المسلمين، فبلغ عددهم مئتين وأربعين ألف مقاتل، وكان من بينهم ثمانون ألف فارس.
تقسيم جيش المسلمين
تولّى قيادة جيش المسلمين خالد بن الوليد رضي الله عنه، وقد قسّم جيشه إلى كراديس، وكلّ كردوس يتكوّن من ألف مقاتل، وأمّر على كلّ كردوس قائداً، وجعل قائد قلب الجُند أبا عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه، وقائد الميمنة عَمْراً بن العاص، وشرحبيلاً بن حسنة رضي الله عنهما، وجعل قائد جيش الميسرة يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه، حتّى إذا أقبل الروم باتجاه ساحة المعركة مع مقاتليهم، ذهب خالد بن الوليد إلى أبي عبيدة في قلب الجند، وقال له: (إنّي مشيرٌ بأمرٍ، فقال: قُل ما أمرك الله أسمعْ لكَ وأُطيع، فقال خالد: إنّ هؤلاء القوم لا بُدّ لهم من حملة عظيمة لا محيد عنها، وإنّي أخشى على الميمنة والميسرة، وإنّي قد رأيت أن أفرق الجيش فرقتين، وأجعلها وراء الميمنة والميسرة، حتّى إذا صدموهم كانوا لهم ردءاً، فنأتيهم من ورائهم، فقال له: نِعْمَ ما رأيت).
الأحداث أثناء المعركة
فرّق خالد بن الوليد الجيش بخَيْلَيْن، فكان هو على أحدهما خلف الميمنة، وكان على الخيل الأخرى قيس بن هبيرة، وأمر قائد قلب الجند أبا عبيدة أن يتأخر حتى يكون خلف الجيش، فإذا انهزم أحد جند المسلمين ثمّ رآه استحيا منه وعاد للقتال، وأمّر أبو عبيدة مكانه سعيداً بن يزيد رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة ، ثمّ تبارز الجمعان بعد أن خطب بالمسلمين أبو عبيدة، ومعاذ بن جبل ، وعمرو بن العاص ، وأبو سفيان، وأبو هريرة رضي الله عنهم، وأخذ جيش الميسرة موضع جيش الميمنة، وأعملوا سيوفهم في جيش الروم حتّى أثقلوا فيهم، وأخذ جيش الميمنة مكان الميسرة، وحينها جاء خبر وفاة أبي بكر الصّديق رضي الله عنه، واستخلاف عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على المسلمين، وأنّ عمر بن الخطاب جعل قائد الجند أبا عبيدة مكانه، وقد أخذ خالد بعدها مكان قلب الجيش، وأعمل سيفه ومن معه من المسلمين في الروم، حتى كان النصر حليفاً لهم.