تفسير آية (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت)
تفسير آية (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت)
للوقوف على التفسير العلمي الدقيق للآية المتقدمة يجدر الوقوف على النص الكلي للآية، فقد قال -سبحانه وتعالى-: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)، ويمكن بيان أقوال العلماء المفسرين فيها من خلال التالي:
تفسير ابن كثير للآية
يُعنى النص السابق بخطاب سيدنا شعيب -عليه السلام- لقومه؛ حيث توجه إليهم بالرسالة السماوية الداعية للتوحيد؛ حيث جاءهم بمنظومة متكاملة من الأوامر والنواهي أقرها عليهم الله -عز وجل- لتحقيق السلامة والصلاح الدنيوي والأخروي.
ويخبرهم سيدنا شعيب -عليه السلام- أنه يحاول بكل ما يحمل من طاقة وجهد لإرشادهم إلى طريق الخير، وبعد ذلك يربط التوفيق والهداية وإصابة الحق بالتوفيق الإلهي، وإن الرجوع إلى الله -عز وجل- يوم القيامة يقتضي الإخلاص والإصابة في القول والعمل.
تفسير ابن عاشور للآية
يقدم سيدنا شعيب -عليه السلام- خطابه لقومه بغية إصلاحهم؛ ولكن بصيغة ذكية وحذقة؛ حتى يكسب ود القوم ونيل التأثير بهم، حيث يشرع في الإشارة إلى أنه لم يأتِ لينهاهم على ما هم عليه؛ منتقداً معنفاً لهم، إنما جاء ليدعوهم إلى الخير والصلاح، وعليه فدعواه ليست من باب التحجيم لهم والتحقير من عملهم السابق.
وإنما هي من باب الارتقاء بحالهم للصورة التي ينشدها المولى -عز وجل- وعليه فإن دعوته لهم هي دعوة مليئة بالحقائق والدلائل التي تبطل حالهم السابق، كما أنها دعوة مليئة بالرحمة والرأفة بهم؛ ولعل هذه الدعوة جاءت في حدود الاستطاعة البشرية التي يتمتع بها سيدنا شعيب -عليه السلام- ولمّا تبين فضله عليهم قام بإرجاع الفضل والتوفيق لله -سبحانه وتعالى-، فهو صاحب الإرادة المطلقة في تحقيق الصلاح لهم أو منعه عنهم وبقائهم على الضلال.
تفسير القرطبي للآية
شرع سيدنا شعيب -عليه السلام- في توضيح حقيقة في غاية الأهمية جاءت في بداية دعوة قومه إلى عبادة الله وحده، والتوحيد الخالص له، وتتجسد هذه الحقيقة في أن المصلح والداعية إنما يطبق ما يدعو له؛ حتى تكتسب دعوته الشرعية والمنطقية، فليس من المنطقي أن يدعو القوم بأمر ولا يطبقه، أو يأتي بما يخالفه.
ومن هنا بدأ سيدنا شعيب -عليه السلام- في توضيح هذه الحقيقة؛ ليغدو قدوة لمن يعقبه من المصلحين والدعاة على مر العصور، ثم أكد عليهم أن الإصلاح الذي يريده إنما يقوم على أمرين: أولهما العدل؛ والذي به صلاح الدنيا والآخرة، وثانيهما العبادة؛ والتي بها صلاح الآخرة، ثم يختتم بقوله أن الرشد والتوفيق في إصابة الهدف وهو صلاحهم إنما يرجع لله -سبحانه وتعالى- وحده، فالله -سبحانه وتعالى- صاحب الفضل.