تفسير آية (ألهاكم التكاثر)
تفسير آية (ألهاكم التكاثر)
جاء في تفسير قوله -تعالى-: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}، أي: أشغلتكم الدنيا بتعلقكم بنعيمها وزخرفها، عن تذكر الآخرة والسعي والعمل لنيلها، فتفاخرتم بكثرة الأولاد وكثرة الأموال، حتّى جاءكم الموت وكنتم من أهل المقابر، ويدخل في هذا كل ما يُلهي عن الإيمان والعبادة و التقوى ، وعن طاعته سبحانه وتعالى، فينشغل الإنسان بالتكاثر والتفاخر حتّى يأتيه الموت وهو لم يعبد الله ويؤدي واجباته كما أمره، فيكون في ضلالٍ وخُسران.
ولم يذكر الله -تعالى- المتكَاثَر به، ليشمل ذلك كل ما يتكاثر به الناس، وكل ما يفتخرون به، من الأموال، والأولاد، والخدم، والجاه، والأنصار، وغير ذلك، مما لا يُقصد به إلا التفاخر والتباهي، ولا يُقصدُ به وجه الله -تعالى-، وقد جاء في الحديث عن عبد الله بن الشخير قال: (أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهو يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، قالَ: يقولُ ابنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قالَ: وَهلْ لَكَ، يا ابْنَ آدَمَ مِن مَالِكَ إلَّا ما أَكَلْتَ فأفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فأبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فأمْضَيْتَ؟).
دروس مستفادة من سورة التكاثر
يدلُّ قوله -تعالى-: {حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}، على جواز زيارة القبور للعبرة وتذكر اليوم الآخر، ففي زيارتها ترقيق للقلوب وتليين للنفوس وتذكير بأن عودتها منه وإليه سبحانه وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (نَهيتُكم عن زيارةِ القبورِ فزوروها فإنَّ في زيارتِها تذْكرةً)، وقد أشارت سورة التكاثر إلى أن طلب التكاثر والمنافسة في الدنيا تجعل الإنسان لا يُبالي من أين يَكسب المال وأين ينفقه.
مناسبة سورة التكاثر مع سورة القارعة
تنسجم سورة التكاثر وتتناسب مع السورة التي قبلها في ترتيب المصحف وهي سورة القارعة ، فقد ذَكرَت سورةُ القارعةِ أهوالَ القيامةِ وأحوالها، وذكرت أيضاً مصير من كان الخيرُ عَمَلَهُ، فهو في عيشةٍ رغيدةٍ في الجنة، وأمّا من كان الشرُّ عمله فمآله إلى النار، وذكرت سورة التكاثر مصير من نسي العبادة والتقوى، ونسي الآخرة وانغمس في الدنيا وملذاتها فالنار هي مأواه، وهي حقٌ لا شك فيه، وستكونُ جزاءً ومصيراً للعُصاة والمجرمين، وسيرَونَها رُؤيةً يقينيةً بأُم أَعيُنهم، قال -تعالى-: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}، وهذا أيضاً هو آخر ما ذكرته سورة القارعة، وذلك في قوله -تعالى-: {نَارٌ حَامِيَةٌ}.