تعريف عقد البيع
البيع
يُعتبر عقد البيع من العقود الماليّة التي لا يستغني عنها المسلم ، وتتعلق بشؤونه الحياتيّة، لذا أرشد الإسلام إلى ضرورة أن يتفقه المسلمون جميعاً بما يخصّ البيع والشراء ، وذلك لكي يتجنّبوا الوقوع في الحرام والمحضور، وإن للبيع أنواعاً من العقود منها ما هو محرَّمٌ ومنها ما هو جائزٌ ومنها ما هو مكروه، ويرجع سبب الحرمة والكراهة والإباحة إلى ما ينبني ويقوم عليه العقد من الشروط والأركان وغير ذلك من الجزئيات، وستوضّح هذه المقالة معنى عقد البيع، وبيان بعض أركانه وشروطه .
تعريف عقد البيع
البيع لغةً: ضد الشراء ، وهو أيضاً الشراء، وهو من الأضداد، وبعت الشيء: شريته، والابتياع: الاشتراء.
معنى عقد البيع اصطلاحاً: يرى فقهاء المذاهب الأربعة أن لعقد البيع مجموعةً من التعريفات، فقد عرَّفه بعضهم بتعريفات واسعة، وعرَّفه آخرون بتعريفات مختلفة تماماً، وبيان بعض تعريفاتهم التي ذهبوا إليها فيما يلي:
- عرَّف ابن قدامة الحنبلي البيع بأنه: مبادلة المال بالمال تمليكاً وتملكاً.
- عرَّفه ابن عرفة من فقهاء المالكية بأنّه: عقد معاوضةٍ على غير منفعة ولا متعة ولذة.
- كما عرّفه فقهاء المذهب الشافعي بأنّه: مقابلة مالٍ بمال على وجهٍ مخصوص، وقيل بل هو عندهم أنّه: عقد معاوضةٍ ماليّة تُفيد تملُّك العين أو المنفعة التي جرى عليها عقد البيع ملكاً على التّأبيد لا على وجه القربة، فخرج بقولهم (المعاوضة) الهديّة ونحوها لكونها ليست بيعاً، وخرج بقولهم (الماليّة) النّكاح وما شابهه، حيث إنّ المراد بالنكاح أسمى من كونه مبادلة مالٍ بمال، وخرج بقولهم (تملك العين) الإجارة وما جرى مجراها، حيث إنّ الإجارة لا تكون على ملك المنافع لا ملك الأعيان، كما خرج بالتّأبيد الإجارة أيضاً، وخرج بقولهم (لا على وجه القربة) القرض والهبة، إذ إنّ المراد بهما الأجر المطلق أما عقد البيع فيُقصد منه تبادل السِّلع لا الوصول إلى الأجر أو الثواب.
- وعرّفه فقهاء المذهب الحنبلي بأنّه: مبادلة مال -ولو في الذّمّة- أو منفعة مباحة بمثل أحدهما على التّأبيد غير الربا والقرض.
أركان عقد البيع
لعقد البيع مجموعةٌ من الأركان التي لا ينعقد إلا بها، وقد اختلف الفقهاء في عدد تلك الأركان وكان اختلافهم ناشئاً عن اختلافهم في أركان العقود عموماً، حيث يرى الحنفية أن العقود إجمالاً لها ركنٌ واحدٌ فقط هو الصيغة، وأن باقي الأمور التي عدَّها باقي الفقهاء أركاناً إنما هي شروطٌ عند الحنفية، وبيان ما ذهب إليه الفقهاء في أركان عقد البيع فيما يلي:
الصيغة
ويُقصد بصيغة العقد هنا اللفظ المُعبِّر عن إرادة العاقدين من إتمام العقد، وتَبِيّنُ هذه الإرداة من خلال الإيجاب والقبول، أما الإيجاب فهو ما يُصدره العاقد الأول لإبداء رغبته في شراء سلعةٍ معينة ويُسمى موجباً؛ كأن يقول: بعني سلعتك هذه بكذا، أو في بيع سلعةٍ معينة؛ كأن يقول: أبيعك هذه السلعة بكذا.
أما القبول فهو ما يصدر من العاقد الآخر مُعبّراً عن إرادته في إتمام عقد البيع ويُسمى قابلاً، وإلحاقاً بالمثالين السابقين يقول القابل بعد أن يقول له الموجب: بعني سلعتك بكذا؛ وأنا قبلت بيعها لك بكذا، وفي المثال الثاني يقول: وأنا قبلت شراءها منك بكذا.
ويُشترط في الصيغة أن تكون بألفاظٍ مخصوصة، وهي المشتقة من لفظ باع أو مَلَّك، فإن كانت بغير هذه الألفاظ كالهبة والعطية والجُعل؛
فيُشترط أن تكون مقرونةً بقيمةٍ مالية لنفي شُبهة عدم إرادة البيع، كما يُشترط ألا يطول الفصل بين الإيجاب والقبول، فإن طال الفصل بينهما وجب إعادتهما حتى يتفقا في اللفظ والتوقيت.
ملاحظة: يندرج تحت الصيغة ما تعارف العاقدان عليه بأن يتبايعاه دون تلفُّظ، ويُسمى هذا العقد بعقد المعاطاة، ومثاله أن يتناول المُشتري السلعة التي يرغب بشرائها من البائع ثم يُعطيه ثمنها، أو يقول له أعطني السلعة الفلانية، ثم يُعطيه ثمنها، دون بيانٍ لإرادتهما أو أوصاف السلعة وثمنها، وذلك مما تعارف عليه الناس وتساهلوا فيه فيجوز البيع حينها دون اشتراط صيغةٍ معينة تخفيفاً على الناس ولجريان العرف على ذلك، والحاصل أنّ أغلب البيوع اليوميّة تجري وفق تلك الصورة من البيع، وبالذات فيما يتعلق بالمطعومات والمشروبات والفواكه والخضروات والملبوسات، حيث تعارف الناس على شرائها دون تلفظٍ بصيغةٍ أو ذكر إيجابٍ وقبولٍ لها.
العاقدان البائع والمشتري
أما العاقدان اللذان هما البائع والمشتري فقد عدَّهما جمهور فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة ركنين من أركان عقد البيع، ولا يجوز البيع بدونهما، وخالف الحنفية فقالوا إنهما من شروط عقد البيع، حيث لم يعتبر الحنفيّة من الأركان غير الصيغة، والخلاف في ذلك شكليٌّ بحت، ومن العلماء من قال إنّ العاقدين يعتبران ركناً واحداً، ومنهم من يرى أن كل عاقدٍ ركنٌ بحد ذاته؛ فالبائع ركنٌ والمشتري ركنٌ آخر، وقد اشترط الفقهاء في العاقد شروطاً منها:
- أن يكون بالغاً عاقلاً: فلا يجوز بيع الصبي غير المميّز أو السفيه أو المجنون والمعتوه ومن في حكمهما، وذلك حفظاً لأموالهم من الضياع، ومنعاً من تلاعب التجار بهم لخفّة عقولهم، وأجاز الحنابلة بيع الصبي غير المميّز والسفيه وشراءهما في اليسير من المبيعات؛ تسهيلاً على الناس حتى دون إذن وليه، أما ما كانت له قيمة كبيرةٌ فإنه لا يجوز لهما التصرّف فيه من البيع أو الشراء ولا حتى بإذن وليهما، أما المميز فإنه يجوز له البيع والشراء إطلاقاً في اليسير وفي الثمين بإذن وليه.
- أن يكون العاقد مختاراً: فلا يجوز بيع المُكرَه وشراؤه، لأن ذلك ينفي إرادته في البيع أو الشراء مما يمنع ترتب آثار العقد على البيع من التملُّك والتمليك.
- يُشترط أن يكون العاقد بصيراً: فيعلم ما سيجري العقد عليه، سواء كان بائعاً أم مشترياً، حتى تنتفي الجهالة عن السلعة التي ينوي شراءها أو بيعها، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بالمشاهدة، وهي متعذرةٌ على الأعمى.
المعقود عليه الثَّمن والمُثمَّن
وينقسم المعقود عليه إلى قسيمن كذلك، هما: الثَّمن الذي تم البيع بناءً عليه؛ والأثمان المعتبرة شرعاً هي الذهب والفضة والنقود الرائجة، كما يجوز أن يكون غيرهما ثمناً مما تعارف عليه الناس، والمُثمَّن هو: السلعة التي تم الاتفاق على شرائها، ويُشترط فيهما شروطٌ منها:
- أن يكون المعقود عليه طاهراً: ويصدق ذلك على الثمن والمُثمَّن، فلا يجوز بيع ما كان نجساً أو مُتنجِّساً، كما لا يصحُّ أن يكون الثَّمن نجساً، فإن جرى العقد على نجسٍ كخنزيرٍ أو خمرٍ أو غيرهما فالعقد باطل.
- أن يكون المعقود عليه منتفعاً به: فلا يجوز بيع ما ليس منتفعاً به كالميتة والحشرات وغير ذلك.
- أن يكون المعقود عليه معلوماً للعاقدين: فيجب أن يعلم كل واحدٍ من العاقدين ما جرى عليه العقد من الثَّمن والمثمَّن، فيعلم البائع ما سيأخذه من ثمنٍ لسلعته، ويعلم المُشتري ما سيشتريه بأوصافه علماً تنتفي معه الجهالة، من علم نوعه وكَمِّه وحجمه وجميع تفاصيله.
- أن يكون مقدوراً على تسليمه: فلا يجوز بيع السمك في الماء ، ولا بيع حصانٍ هارب، ولا بيع طيرٍ في الهواء.
- أن يكون مملوكاً لمن يقع العقد له: فلا يجوز لأحدٍ أن يبيع شيئاً خارجاً عن ملكه، لعدم جواز تصرفه فيه.