تعريف شح المياه
مفهوم شح الماء
يعد الماء حاجة أساسية ملحّة لاستمرار الحياة، فهي ضرورية للشرب والزراعة والصناعة ولكل مجالات الحياة، ويُعرّف شح المياه بأنّه نقص الحصول على مياه نظيفة صالحة للشرب، أو نقص في إمدادات المياه عامةً، ويحدث شح المياه بسبب ظروف بشرية أو طبيعية، وهي مشكلة خطيرة للغاية، وتّشكّل تحديًا لدى العديد من دول العالم.
أنواع شح المياه
لا تقتصر مشكلة شح المياه على الدول الفقيرة فحسب، بل تعاني العديد من الدول الغنية من ندرة المياه، وهي مشكلة تتزايد باستمرار، ومرتبطة بحقوق الإنسان الأساسية، لذلك يعد الوصول إلى تأمين مياه صالحة للشرب من الأولويات التي تسعى إليها التنمية العالمية، وهناك عدة أنواع لشح المياه، ومن أبرزها ما يأتي:
شح المياه المادي
شح المياه المادي هو ارتفاع الطلب على المياه بمعدّل يتجاوز الموارد المائية المتوفرة في البلد أو المنطقة، ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة يعاني قرابة 1.2 مليار شخص من شح المياه المادي، إذ يعيشون في مناطق قاحلة أو شبه قاحلة.
يمكن أنْ يكون شح المياه المادي موسمي؛ إذ يعيش حوالي ثلثي سكان العالم في مناطق مهدّدة بندرة المياه الموسمية لشهر واحد سنويًا على أقل تقدير، ومن المحتمل ازدياد نسبة سكان العالم المتضررين من شح المياه المادي، بسبب النمو السكاني المتزايد، وحدوث تقلبات مناخية غير متوقعة.
شح المياه الاقتصادي
شح المياه الاقتصادي هو محدودية الوصول إلى كميات كافية من المياه لسد المتطلبات البشرية والبيئية، ويرجع السبب في شح المياه الاقتصادي إلى سوء شبكة البنية التحتية المائية عامةً، أو إلى فشل إدارة الموارد المائية بالرغم من وجود بنية تحتية، ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة فإنّ أكثر من 1.6 مليار شخص يعانون من شح المياه الاقتصادي.
يمكن أن يعود سبب فشل إدارة الموارد المائية إلى أنّ المياه المتاحة ملوثة أو غير صالحة للاستهلاك البشري، كما يمكن أن تحدث هذه المشكلة نتيجة الاستخدام العشوائي للمياه في الصناعة أو الزراعة، وفي معظم الأحيان يحدث ذلك عند سيطرة فئة من الأشخاص على معظم الموارد المائية للمنطقة، على حساب حق باقي السكان في المياه.
أسباب شح المياه
تحدث مشكلة شح المياه لأسباب بشرية وأسباب طبيعية، وكما هو معروف أنّ المياه لا تتوزّع بالتساوي على سطح الكرة الأرضية، أمّا الأسباب البشرية فيتم من خلالها إهدار المياه أوتلويثها، أو عدم إدارتها بطريقة صحيحة، ومن أبرز أسباب شح المياه ما يأتي:
الإفراط في استخدام المياه
يتزايد هدر المياه يومًا بعد يوم من قِبل الأفراد أو الحيوانات أو الأرض، وأحيانًا تُستخدم المياه في أنشطة ترفيهية غير ضرورية، دون أي اعتبار لمشكلة شح المياه المنتشرة في العالم.
تلوث المياه
يزداد تلوث المياه باستمرار، وهو السبب الرئيسي خلف شح المياه، ومن أبرز ملوثات المياه ؛ الزيوت، والفضلات، والمواد الصناعية والكيميائية التي تُلقى داخل مصادر المياه سواء السطحية أو الجوفية، وتحتاج هذه المشكلة إلى تظافر جميع الجهود للقضاء عليها أو الحد قدر الإمكان منها على الأقل.
الحروب والنزاعات
تؤدي الحروب والنزاعات إلى شح المياه في كثير من الأحيان لتسبّبها في إعاقة إنشاء البُنى التحتية المائية أو لإلحاق الضرر بها، ممّا يمنع وصول الإمدادات المائية لكثير من الناس.
الجفاف
ينتشر شح المياه بسبب الجفاف في المناطق التي لا تهطل فيها كميات كافية من الأمطار، وهذا يُشكّل عائقًا أمام استمرار الحياة الطبيعية، وتعاني بعض المناطق من الجفاف دائمًا، بينما تعاني مناطق أخرى من الجفاف في بعض الأحيان فقط.
الاحتباس الحراري
يعد الاحتباس الحراري من مشاكل شح المياه الرئيسية، ويحدث الاحتباس الحراري عندما تكون درجة حرارة الهواء أكثر دفئًا من المعدلات الطبيعية، ممّا يتسبّب في تبخّر مياه البحيرات والأنهار بسرعة أكبر، وبالتالي يحدث جفاف في المسطحات المائية، وتعاني المناطق التي تعتمد على المسطحات المائية كثيرًا بسبب شح المياه.
تلوث المياه الجوفية
قد يؤدي الاستخدام المفرط وغير المنظّم للأسمدة والمواد الكيميائية الأخرى إلى تلوث المياه الجوفية، ممّا يتسبّب في نهاية المطاف في ندرة المياه الصالحة للاستخدام البشري، ويمكن الحد من هذه المشكلة من خلال التوجه إلى استخدام السماد العضوي بدلًا من الكيميائي في الأنشطة الزراعية.
الآثار السلبية لشُح المياه
يترتّب على مشكلة شح المياه العديد من الآثار السلبية، سواء كان السبب بشري أو طبيعي، ومن أبرز الآثار السلبية لشح المياه ما يأتي:
مشاكل صحية
يؤدي شح المياه إلى توليد مشاكل صحية من خلال اضطرار الأفراد إلى شرب مياه غير صالحة للشرب، كما يلجأ الناس إلى تخزين المياه في المنازل بطريقة غير صحيحة عند وجود نقص في المياه.
وهذا يزيد من خطر تلوثها ويوفر بيئة مناسبة للبعوض الذي ينقل العديد من الأمراض للبشر مثل الملاريا، كما يؤدي شح المياه إلى الإصابة بأمراض أخرى مثل التفوئيد والطاعون.
النزاعات
أصبح توفير المياه قضية اقتصادية تتصدّر قائمة القضايا العالمية، فهي يمكن أنْ تتسبّب في توتر دولي، بسبب النزاعات المحلية التي قد تندلع بسبب التنافس على موارد المياه النادرة، ومع ازدياد سكان العالم وازدياد الحاجة للمياه من المرجّح أنْ تتضاعف النزاعات المحلية مستقبلًا.
فقدان التنوع البيولوجي
يتسبّب شح المياه بالعديد من المشاكل البيئية، مثل زيادة ملوحة الأنهار والبحيرات ومصادر المياه العذبة الأخرى، والحد من السهول الفيضية والأراضي الرطبة، ممّا يعرّض النظام البيئي والتنوع البيولوجي مثل الأسماك التي تعيش في المياه العذبة للخطر بسبب شح مصادر المياه.
الآثار الإيجابية لُشح المياه
في الوقت الذي تتسبّب مشكلة شح المياه بالعديد من المشكلات، إلّا أنّه يوجد آثار إيجابية لهذه المشكلة، من أبرزها ما يأتي:
زيادة الوعي والتثقيف حول ندرة المياه
من الضروري أنْ يؤدي شح المياه إلى زيادة الوعي بالمشكلة وحث الأفراد والمؤسسات الحكومية والخاصة على اتّخاذ الخطوات اللازمة للحد من هذه الأزمة، مثل التوعية بضرورة توفير المياه والحفاظ عليها، ودعم المنظمات التي تسعى لحصول الأفراد على مياه نظيفة.
استثمار في التقنيات المبتكرة
يؤدي شح المياه إلى اللجوء إلى استخدام التقنيات الحديثة للحد من هذه الأزمة، مثل إنشاء محطات تنقية مياه موفرة للطاقة، وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي، وترشيح المياه باستخدام الطاقة الشمسية والأشعة فوق البنفسجية، واتّباع أنظمة تجميع مياه الأمطار، وجميع هذه التقنيات تعد فعالة وجيدة في الحد من مشكلة شح المياه.
تحسين البنية التحتية للمياه
يمكن لتحسين البنية التحتية الحد من مشكلة شح المياه؛ إذ تفقد الكثير من الدول كميات هائلة من المياه النظيفة سنويًا بسبب سوء البنية التحتية، والتي يمكن تحسينها من خلال استخدام تقنيات حديثة للكشف عن تسرّب المياه، أو وجود أي مشكلة في توزيعها بالتساوي على الأفراد.
تقليل تلوث المياه
من الواجب أنْ تؤدي مشكلة شح المياه إلى إلزام الأفراد والمؤسسات الصناعية والطبية وغيرها بعدم إلقاء النفايات والمواد السامة في مصادر المياه، إضافةً إلى التزام الجهات المختصة بمراقبة جودة المياه بدقة وانتظام، لتعزيز الحصول على مياه نظيفة.
جعل الري الزراعي أكثر كفاءة
من الإيجابيات الأخرى لمشكلة شح المياه أنّها تزيد التوعية بضرورة جعل الري الزراعي أكثر كفاءة، من خلال استخدام أجهزة استشعار رطوبة التربة، وأجهزة محطات الطقس، وتفعيل أنظمة مراقبة استهلاك المياه لمنع هدرها، والتوجّه لزراعة المحاصيل التي تستهلك مياه اقل.
تحسين معالجة مياه الصرف الصحي
تعزز مشكلة شح المياه الجهود المبذولة لتحسين معالجة مياه الصرف الصحي وتدويرها لتصبح صالحة للاستخدام، إلى جانب تحسين أنظمة الصرف الصحي ومراقبتها بدقة، لمنع تسربها لمصادر المياه النظيفة.
شُح المياه في الوطن العربي
وفقًا لبيانات حديثة صادرة عن معهد الموارد العالمية، فإنّ 18 دولة عربية من أصل 22 تعاني شحًا حادًا في المياه، وتعاني 10 دول منها من إجهاد مائي مرتفع جدًا، بسبب تنامي الطلب على المياه، نتيجة ارتفاع معدلات النمو السكاني وزيادة التحضر والنمو الاقتصادي.
تعد قطر، ولبنان، وفلسطين، والأردن، والكويت، وليبيا، والسعودية، والإمارات، وعُمان، والبحرين، هي الدول العشر الأكثر عرضة لشح المياه، إذ تقوم هذه الدول بسحب أكثر من 80% من احتياطات مياهها العذبة للاحتياجات الفردية، والزراعية والصناعية، ممّا يجعلها تتصدّر أعلى المراتب في الإجهاد المائي.
تأتي المغرب، واليمن، وسوريا، والجزائر، والعراق، وجيبوتي، ومصر، في المرتبة الثانية في الإجهاد المائي؛ إذ تستهلك هذه الدول من 80-40% من مياهها العذبة المتجددة كل عام في الاحتياجات الفردية، والزراعية والصناعية.
تقع موريتانيا والسودان في المرتبة الثالثة في الإجهاد المائي، ويوصف إجهادهما المائي من متوسط إلى مرتفع، وتستخدم هاتان الدولتين حوالي 40-20% من احتياطات مياهها العذبة كل عام كما تعد الصومال من أكثر الدول انخفاضًا في نسبة الإجهاد المائي؛ إذ تستخدم الصومال قرابة 10% فقط من احتياطات مياهها العذبة كل عام لكافة الاحتياجات الفردية والزراعية والصناعية.
أبرز حلول مشكلة شح المياه في الوطن العربي
من أبرز الحلول الموضوعة للحد من مشكلة شح المياه في الوطن العربي؛ العثور على المزيد من مصادر المياه الجوفية، وزيادة استخدام تقنية تحلية المياه، واستغلال التكنولوجيا الحديثة في إدارة الموارد المائية، وزيادة نشر الوعي المجتمعي الذي يعد منخفض للغاية بأهمية ترشيد استهلاك المياه .
تعاني بعض الدول العربية مثل؛ فلسطين ولبنان والعراق وسوريا من الحروب والنزاعات المستمرة، ممّا انعكس سلبًا على الأمن المائي في هذه البلاد، ومن أبرز وأفضل الحلول لإنهاء هذه الصراعات تدخّل المجتمع الدولي للوصول إلى حلول تضع حد للنزاعات الداخلية والحروب الموجودة في هذه الدول، لإيجاد استراتيجيات تحد من مشكلة شح المياه فيها بعد ذلك.
إنّ شح المياه مشكلة تؤرق المجتمع الدولي بأكمله، نظرًا لأهمية المياه الأساسية في استدامة الحياة، لهذا وُضعت العديد من الحلول التي يجب على الدول اتباعها، للحد من هذه المشكلة العالمية، ولا يقتصر واجب مواجهة مشكلة شح المياه على المؤسسات الحكومية فقط، بل يتحمّل الأفراد والمؤسسات الخاصة أيضًا جزءًا كبيرًا من المسؤولية.
وذلك من خلال رفع حس المسؤولية لديهم بأهمية اتباع طرق التقليل من شح المياه كلًّا في موقعه.