تعريف بأنس بن مالك
نسب أنس بن مالك وكُنيَتُه
هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جُندب بن عامر بن غنم بن مالك بن النجَّار الأنصاريّ النضريِّ، وأُمُّه أمُّ سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد من بني النَّجَّار، ويُكنّى أبو حمزة، وجدّهُ النَّجَّار اسمهُ تيمُ الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، وينتهي نسبه إلى قحطان، وأُمّهُ هي أُمُّ أخيه البراء بن مالك، وقد ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: "لَئِنْ لَمْ نَكُنْ مِنَ الأَزْدِ مَا نَحْنُ مِنَ الْعَرَبِ"، أي أنَّه من الأزد.
إسلام أنس بن مالك
وُلِد أنس بن مالك -رضي الله عنه- في الجاهليَّة قبل انتشار الإسلام، وقد كان محصوراً في مكَّة قبل هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومات أبوه بعد الهجرة بقليلٍ بعد أن كان غاضباً من زوجته لإسلامها، فتولّت تربية ابنها أنس بعد موتِ أبيه، وكانت تُعلّمهُ الشهادتين، فعَقِلَها مُنذُ صِغره، وآمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون رؤيته، حتَّى جاء -صلى الله عليه وسلم- مهاجراً إلى المدينة،وكان إسلامهُ في صغره.
ملازمة أنس وخدمته للرَّسول
بعد هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقُدومهِ إلى المدينة ، جاءت أُمُّ أنس -رضي الله عنهما- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهدته ابنها أنس؛ ليقومَ على خدمته -عليه الصلاة والسلام-، فكان له الشَّرف في خدمة رسول الله -صلى الله عليه-، والتَّعلُّمِ منه، والتَّربية على يديه، فقد قام بخدمته عشر سنواتٍ، ولم تُفارقهُ هذه السنوات التي خدم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طوال حياته، وبقي يتذكّرها؛ فقد كان يُعامله النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلام- مُعاملة الوالِد لوَلَده، ويُناديه يا بُنيَّ ويا أُنَيس من باب التحبُّب، ويُؤدِّبُه، ويُعلِّمه الأحكام والآداب، ويُعاملهُ مُعاملةً لطيفةً، فلم يتذمَّر عليه أو يأمُرُهُ بشيءٍ، لِقول أنس -رضي الله عنه-: (خَدَمْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَما قالَ لِي: أُفٍّ، ولَا: لِمَ صَنَعْتَ؟ ولَا: ألَّا صَنَعْتَ).
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى أهل بيته عن عِتابِ أنس -رضي الله عنه- أو لومه إذا قصَّر معهم في شيءٍ، ويُمازحهُ ويُلاعبهُ، ويمسحُ بيده على رأسه، ويدعو له بخيريِّ الدُنيا والآخرة، فدعا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات مرةٍ فقال: (اللَّهُمَّ أكْثِرْ مَالَهُ، ووَلَدَهُ، وبَارِكْ له فِيما أعْطَيْتَهُ)، فظهر ذلك من كثرة أمواله وذُريَّته، وعاش عمراً طويلاً، وكان بُستانهُ يحمل الفاكهة في العام مرّتين.
ووَعَدَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنس بن مالك -رضي الله عنه- بالشّفاعةِ له يوم القيامة، وكان يثقُ به ويأتمنهُ على بعض أسراره، وبالمُقابل كان أنس بن مالك -رضي الله عنه- خادماً أميناً، فقد خدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن خدمةٍ، وبقي مُلازماً له -عليه الصلاةُ والسلام- في سفره وحضره، وِسلمهِ وحَربه، واطَّلع على بعضِ خُصوصيّات النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام- ولكنَّه لم يتكلّم بها لأحد، وحدَّث ببعضها ممّا لم يكُن سرّاً واجب الكتمان، وكان أنس -رضي الله عنه- يفتخر بِتَلقِيبِهِ بخادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد خَدَمَهُ عشر سنين، وهي مدّةُ إقامتهِ في المدينة، وروى عنه أكثر من ألفي حديثٍ تقريباً، ثمَّ انتقل إلى البصرة بعد وفاة النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-.
صفات أنس بن مالك وجهاده
لم يُشارك أنس بن مالك -رضي الله عنه في غزوتي بدرٍ وأُحدٍ؛ لِصِغَرِ سنِّهِ، ولكنَّه حضرها بصفتهِ خادماً للنبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-، وشارك في غزوة الخندق وكان عُمره خمسة عشر سنة، كما شهد صُلح الحُديبية، وبايع مع من بايع تحت الشجرة، وشهد غزوة خيبر، وشارك في حصارها، وتعدّدت أقوال العُلماء بين حُضوره لغزوة مؤتة، كما شهد غزوة حُنين، وبقي مُجاهداً بعد وفاة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، فشارك في حُروب الرّدّة في معركة اليمامة، وشهد الحروب في فتح العراق، ومعركة القادسية، وشارك في حصار تستر، وبقي مُجاهداً حتى تُوفّيَ، واتَّصَفَ أنس بن مالك -رضي الله عنه- بكثرةِ عبادته، ولم يمنعهُ ذلك من الاهتمام بِحُسن مظهره، كما كان كثير الخُشوع والخُضوع، وكثير البكاء، وشديد المحبة للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-.
حياة أنس بن مالك العلمية
انتقل أنس -رضي الله عنه- من الجهاد المُسلَّح إلى الجهاد العلميِّ والفكريِّ، حتى أصبَحَ من كِبار رواة الحديث، وقامت به السُّنَّة؛ لأنه تلقَّاها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحفِظها وتعلَّمها منه، وكان من الحَفَظَة النَّقَلَة للسنَّة؛ لكثرةِ مُلازمتةِ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وامتداد عُمره، الأمر الذي أتاح له تعليم النَّاس، كما أسَّس طَبَقَةً من العُلماء في البَصرة؛ كالحسن البصريِّ، ومحمَّد بن سيرين، الذين كان لهم الأثر الكبير في التَّاريخ الإسلاميِّ، كما تعلَّم سُنَّة الصّحابة الكِرام، ورحل في طلب العلم، فبقيَ مُتعلِّماً ومُعلِّماً، ووقف في وجه أصحاب العقائد الفاسِدة في العِراق، ولشدَّةِ ورعه في العلم كان يمتنعُ عن التَّحديث في آخر حياته، وبسبب مُلازمته للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- كان من أكثر الصَّحابة الكرام روايةً للحديث، فقد روى ألفين ومئتين وستةٍ وثمانين حديثاً.
وفاة أنس بن مالك
تُوفّيَ أنس بن مالك -رضي الله عنه- في البَصرة، سَنَةَ ثلاثٍ وتسعين للهجرةِ، وهذا ما ذهب إليه أكثرُ أهل العلم، فَهُم مُتَّفِقُونَ على وفاته بعد التِّسعين للهجرة، وتعدَّدت أقوالهم في تحديد السَّنةِ، فقيل: إحدى وتسعين، وقيل: اثنان وتسعون، والأصحُّ هو أنه تُوفّي سنة ثلاثٍ وتسعين للهجرة، وكان آخر مَن تُوفّيَ من الصَّحابة الكرام في مدينة البَصرة في العِراق، وكان عُمرُه مئةً وثلاث سنوات، وكانت وفاتهُ بقَصْرِهِ، ودُفن على بُعد فرسخين من البصرة، وكانت الناس في مرض موته تقول له: ألا ندعو لك طبيباً؟ فيقول: الطبيب أمرضني، وطلب منهم أن يُلقِّنوه الشَّهادةَ حتى تُوفّيَ وهو يَنطِقُ بها.
ولمّا حضرته الوفاة أوصى لمحمد بن سيرين بتغسيله، والصَّلاة عليه، ولكنَّه كان مسجوناً، فأَتَوا الأمير، واستأذنوه في ذلك، فأذِن له، ثُمَّ خرج وكفَّنه، وغسَّلّهُ، وصلَّى عليه، ورُوي عن أبي نعيم أنَّ أنس - رضي الله عنه- تُوفّيَ في يوم الجُمعة من السَّنة الثالثة والتسعين، وجاء عن عمر بن شبة أنَّ أنس بن مالك -رضي الله عنه- لمَّا تُوفِّيَ كان عُمره مئةً وسبع سنواتٍ، وقيل: مئة وعشر سنين، وقيل: تسعةٍ وتسعين سنة، وقال الإمام النوويّ -رحمه الله-: إنَّ العُلماء مُتَّفقون على تجاوزه المئة سنةً، وما رُوي في عدم تجاوزه المئة فهو من الأقوال الشَّاذة المردودة.