تعريف المتشابهات في القرآن
معنى التشابه العام
المعنى الأصلي للتشابه هو تماثلٌ بين شيئين فأكثر، وهذا التماثل متقارب جداً بحيث يشق على المدقق التمييز بينهما، ثم صار له معنى ثانٍ فأطلقه الناس اصطلاحاً على كل شيء أو قولٍ تجد فيه غموضاً والتباساً في تحديد معناه الذي يريد قائله بيانه أو غموضاً في إدراك حقيقته، وللتوضيح سيأتي بيان أمثلة على النوعين:
- مثال على النوع الأول
إذا قلت: "فلان يشبه فلاناً"؛ فإنك تقصد بأنه يماثله ويقاربه، سواء أكان ذاك التماثل والتقارب في صفاته الحسية؛ كالجسم، أو الوجه، أو اليد، أو العين، أو التماثل والتقارب في صفاته المعنوية: كالكرم والشجاعة والخوف والجبن.
- مثال على النوع الثاني
إذا قلت: "اشتبه عليه الأمر"؛ فإنك تقصد بأنَّ ذاك الأمر قد التبس، وهذا يشبه قول الناس: "فلان مشبوه" أو "فلان مشتبَه به" إذا التبست براءته من الجريمة باقترافه لها، ولم يتم حسم تجريمه ولا تبرئته.
ومن الممكن الجمع بين المعنيين بوجه شبه، وهو أنَّ التشابه والتماثل قد يكون سبباً لعجزنا عن التمييز بين أشياء، فنشتبه بها محتارين في حسم القرار النهائي بشأنها، من باب إطلاق السبب على المسبب، ومثاله في القرآن الكريم ما سيأتي بيانه:
- قوله -تعالى- واصفاً ثمار الجنة بين يدي أهلها: (وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا)، حيث جمعت ثمار الجنة بين أمرين: أنها مثل ثمار الدنيا في الشكل، ولكنها أجمل منها وتشبهها قليلاً في الطعم والرائحة؛ فهي لم تكن من أجناس لا يعرفها الناس؛ لأن الإنسان يأنس بالمألوف ويميل إلى المعهود، ولكنه إذا رأى ما سلفَ لهُ به عهدٌ ولكنَّ فيه مزية ظاهرة على ما سبق وألِفه، ووجد فيه تفاوتا بيِّناً، كان استعجابه به أكثر وبهجته به أشد.
- قوله -تعالى- حكايةً عن بني إسرائيل: (إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا)،فطلب بنو إسرائيل من نبيهم أن يدعو لهم ربه ليوضح لهم صفات أخرى للبقرة المطلوب ذبحها غير ما سبق؛ لأن البقر -بتلك الصفات- كثير، فاشتبه علينا أيها سوف نختار؟
- قوله -تعالى- في شأن الذين ينسبون لله الأبناء والبنات من مختلف الأقوام: (تتَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ)، أي تماثلت قلوب أولئك القوم وأرواحهم وأفكارهم في الغي والجهالة والهوى.
معنى التشابه الخاص
تنوّعت آراء العلماء في بيان المقصود بالتشابه الخاص -الذي يُقابل المُحكم-، وبخاصة التشابه المذكور في قوله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات)، وفيما سيأتي بيان لأبرز تلك الأقوال في المقصود بالآيات المتشابهات:
- الآيات التي استأثر الله -تعالى- بعلمها.
- الآيات التي يحتمل تفسيرها أكثر من وجه.
- الآيات العقدية التي يؤمن به المؤمنون، ولا يُقصَد العمل بأحكامها.
- الآيات التي لا يستقل وضوح معناها بنفسه بل يحتاج إلى بيان.
- الآيات التي يحتاج تفسيرها إلى تدبر عميق.
- الآيات التي تضمنت أخبارًا وقصصًا.
- الآيات المنسوخة.
- الآيات التي دلالتها غير راجحة؛ لأن دلالة ألفاظها وتراكيبها غير قطعية كالمؤولة والمشكِلة.
أقسام المتشابه من آيات القرآن الكريم
يمكن تقسيم المتشابه من آيات القرآن الكريم من حيث بيان معناها وغموضه، إلى أقسام ثلاثة، فيما سيأتي تفصيلها:
- القسم الأول
الآيات التي لا يستطيع أحد من البشر جميعاً أن يصلوا إلى المعنى المراد منها؛ كالإحاطة بعلم ذات الله -تعالى-، واليقين بحقائق صفاته، وكالعلم القطعي الجازم بوقت بدء يوم القيامة، وسائر أنواع الغيوب التي استأثر الله -تعالى- بعلمها، بدليل قوله: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ).
- القسم الثاني
الآيات التي يستطيع الإنسان الذي يمتلك قليلاً من العلم باللغة العربية وأصول الإسلام العامة، وسياق الآيات ومجمل أحكامها وقصصها، من أن يعرف معاني ألفاظها وتراكيبها، بعد قليل من البحث والدرس والتدبر، وبخاصة معرفته للمتشابهات التي قد ينشأ التشابه فيها بسبب إجمال أحكام تلك الآيات في مَوضع، وبسطها في مَوضع آخر، أو بترتيبها -كأطوار ومراحل خلق الإنسان مثلاً-.
- القسم الثالث
الآيات التي يعلم خواص العلماء تفسير آياتها وتراكيبها، ومعرفة المستنبط منها، ويصعب على عامة الناس ذلك؛ لِما يمتلكه أولئك العلماء من خواص وصفات وأدوات بحث علمي زائد عمَّا في أيدي أولئك الناس، وبعض تلك المعاني يصطفي الله فهمها على مصطفين من عباده الذين فيض على قلوبهم معناها مكافأة لهم على اجتهادهم وتدبرهم لكتاب الله.