تعريف الغيبة
تعريف الغيبة
تُعرف الغيبة في اللُّغة من الاغتياب؛ وهي مأخوذةٌ من مادَّة (غ ي ب) التي تدلُّ على السِّتر، وأصلها الشَّيء الذي يتستَّر عن العُيون، ومنه الغيب؛ وهو ما غاب عن النَّاس ولا يعلمه إلَّا الله، ويُقال: غابت الشَّمس تغيب غيبةً وغيوباً وغيباً، وغاب الرَّجل عن بلده، وأغابت المرأة فهي مغيبة، إذا غاب بعلها، وغيبة النَّاس؛ الوقوع فيهم وذكرهم بغيابهم بما يكرهون، وجاء عن الرَّاغب أنَّ الأصل منها الاستتار عن العين، والاسم الغيبة، وجاءت في قوله -تعالى-: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً).
ويُقال: اغتاب فُلانٌ فلاناً؛ أي غابه يغيبه إذا عابه، وذكر منه ما يسوؤه، وجاء عن ابن الأعرابيِّ: "أنَّ الغيبة تكون بذكر الغير بخيرٍ أو شرٍّ"، وأمَّا في الاصطلاح فهي ذكر الآخرين بسوءٍ، وهو تعريف الجرجانيِّ، وجاء عن المناوي قوله: "هي ذكر العيب بظهر الغيب"، وقال الكفويُّ: "أن يتكلَّم خلف إنسانٍ مستورٍ بكلامٍ هو فيه"، وقال التهانويُّ: "هي ذكر الآخرين بما يكرهون لو بلغهم"، وقد تكون الغيبة بالإشارة، أو الكناية، أو الحركة، وليس فقط بالِّلسان.
فالغيبة تكون بذكر الإنسان بما يكره؛ سواءً في دينه أو دُنياه، أو نفسه، أو ماله وغير ذلك، كوصفه بالفسق، أو العمى، أو كثير الكلام، وغير ذلك من الصِّفات السَّيئة، والغيبة تكون بذكر الآخرين بأيِّ شيءٍ يكرهونه، فقد تكون في إعابة البدن، كالطول والقِصر، أو في النَّسب، كقول: أبوه فاسق، أو في أخلاقه، أو دينه، أو حتى في ثوبه وداره ودابته، وقد تكون في غير الكلام، أي عن طريق الكتابة، أو الإشارة، أو المُحاكاة، كأن يمشي مثله.
حكم الغيبة
تُعدُّ الغيبة من الأُمور المُحرَّمة، ومن يستمعُ لها فهو أيضاً شريكٌ في الإثم إلَّا أن يُنكر بلسانه، أو بقلبه، وإن استطاع القيام أو قطع الغيبة بكلامٍٍ آخر وجب عليه ذلك ، ومن الأدلَّة التي جاءت بإثبات حُرمتها، قوله -تعالى-: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)، وقول النبيّ -عليه الصَّلاةُ والَّسلام- عندما سُئل عن أفضل المُسلمين: (الْمُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ).
وممَّا جاء في بيان عقاب المُغتاب قول النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (لَمَّا عُرِجَ بي مررتُ بقومٍ لَهم أظافِرُ من نُحاسٍ يخمِشونَ وجوهَهم وصدورَهم فقلتُ : من هؤلاءِ يا جبريلُ ؟ قالَ هؤلاءِ الَّذينَ يأكُلونَ لحومَ النَّاسِ ويقعونَ في أعراضِهِمْ)، ونقل الإمامُ القُرطبي الإجماع على حُرمتها، وأنَّها من كبائر الذنوب ويجبُ التَّوبة منها ، ولمَّا ضرب الله -تعالى- مثال المُغتاب وصفه بأنَّه يأكل لحم أخيه وهو ميتٌ؛ لما في ذلك من بيان شناعة الفعل، وأنَّه أسوأ من بعض الحيوانات التي لا تأكل الميتة، وختم الله الآية باسم التَّواب والرَّحيم؛ لأنَّه يقبلُ توبة المُغتاب إن تركها، واستقام على الإيمان والطَّاعة، وتختلف الغيبة وعظم جُرمها بحسب ما تؤدي إليه من المفسدة، وقد جعلها النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- مُساويةً لسرقة المال.
الأسباب التي تدفع صاحبها للغيبة
توجد العديد من الأسباب التي تدفع الإنسان إلى الغيبة، ومنها ما يأتي:
- التَّشفِّي من الآخرين، ومُجاملة الأصدقاء، وكثرة الفراغ، والحسد، وإعجاب المرء بنفسه، والتَّغافل عن عُيوبه، والتقرُّب إلى أصحاب العمل بذمِّ العُمال الآخرين.
- قلَّة خوف المُغتاب من ربِّه -سبحانه وتعالى- وهذا من أعظم أسبابها.
- رفع النَّفس بإنتقاص الآخرين.
- المُزاح والَّلعِب والهزل.
- إرادة التصنُّع والمُباهاة بمعرفة الآخرين وأحوالهم.
ما يعين على ترك الغيبة
يوجد العديد من الأمور التي تُعين وتُساعد المُسلم على تركه للغيبة، ومنها ما يأتي:
- توفيق الله -تعالى-، والُّلجوء إليه، وتذكُّر الإنسان لِعيوبه وانشغاله بها، مع إدراكه لخُطورة وعِظم الغيبة.
- انشغال المُسلم بما يُفيده، كتلاوة القُرآن، مع تجنب المجالس التي يكون فيها ذكرٌ للغيبة ، واستحضار بشاعة الصُّورة للمُغتاب التي ذكرها الله في كتابه.
- إدراك آثار الغيبة السَّيئة، مع تعويد الِّلسان على ذكر الله.
- مُعالجة الأسباب الدَّافعة للغيبة، كالحسد، والعُجب.