تفسير سورة الصف
تفسير سورة الصف
تناولت سورة الصف العديد من الموضوعات والمقاصد والغايات، وسيتم في هذا المقال تفسير آيات هذه السورة بناء على الموضوعات التي شملتها، وهي كالآتي:
عتاب الله تعالى للمؤمنين
قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) . سبب نزول هاتين الآيتين ما ذكره ابن عباس -رضي الله عنهما- وهو أن طائفة من المؤمنين قبل أن يُفرض الجهاد سألوا عن أحبِّ الأعمال إلى الله -سبحانه وتعالى- ليعملوها.
وأخبر الله -سبحانه وتعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- إن أحب الأعمال إليه إيمانٌ بالله لا شك فيه، وجهادٌ في سبيله، فلما ذُكر الجهاد كره ذلك ناسٌ من المؤمنين وصعب عليهم، فنزلت الآية، وقيل: نزلت فيمن يأمر أخاه بالمعروف ولا يأتمر به، وينهاه عن المنكر ولا ينتهي عنه.
وتخاطب الآيتان المؤمنين وتسألهم: لم تقولون أشياء بألسنتكم ولا تفعلونها؟ وهو سؤال استنكاري ويحمل معنى التوبيخ، وهو عتاب حتى لا يتصفوا بصفات المنافقين ، فقد جاء في الصحيحين: (آية المنافق ثلاثٌ: إِذا وعد أخلف، وإِذا حدَّث كذب، وإِذا ائتمن خان)، وفي الآية التالية يؤكد الإِنكار عليهم، ويبين أن فعلهم مذمومٌ عند الله -سبحانه وتعالى-.
قصص الأنبياء مع بني إسرائيل
قال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّـهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ* وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَـذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) .
وفي هاتين الآيتين يحذر الله -سبحانه وتعالى- أمّة محمد -صلى الله عليه وسلّم- من مخالفته كما فعل قوم موسى وعيسى -عليهما السلام- معهما، ويبدأ الكلام عن سيدنا موسى -عليه السلام- ، حيث كان بنو إسرائيل يلحقون به الأذى بالرغم من تأكدهم من أنه رسولٌ أرسله الله -سبحانه وتعالى- إليهم.
وهذا تعليمٌ للمؤمنين ونهيٌ لهم من فعل ذلك، وهو أيضا تسليةٌ لرسول الله -صلى الله عليه وسلّم- عما أصابه من الكفار من قومه وغيرهم من أذى، وأمر له بالصبر، وبفعل بني إسرائيل لهذا الأذى لنبيهم -عليه السلام-، وعدم طاعته كما يجب، أمال الله -سبحانه وتعالى- قلوبهم عن الحق.
وفي الآية التالية يخبرنا الله -سبحانه وتعالى- عن سيدنا عيسى -عليه السلام- حين خاطب بني إسرائيل، وذكرهم أنه رسول الله إليهم بالإنجيل، ولم يأتهم بشيءٍ يخالف التوراة التي يؤمنون بها، فلماذا يعصونه ويخالفونه، وكما كان موافقاً لمنهج سابقه من الرسل، فهو مبشرٌ بمن بعده، وهو الرسول محمد -عليه الصلاة والسلام-.
موقف الكافرين من دين الإسلام
قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) .
تقدم هذه الآيات الكريمة سؤالاً يحمل معنى النفي، فهو يقرر ألّا أحد أظلم ممن يدعوه نبيه إلى الإسلام، فيكون جوابه الافتراء بالكذب على الله -سبحانه وتعالى-، وكان مصيره أن لا يوفقه الله -سبحانه وتعالى- إِلى طريق الهدى والرشاد.
ويظن المشركون بأنهم يستطيعون إطفاء دين الله وشرعه بأقوالهم وأكاذيبهم، وحالهم كحال من ينفخ على الشمس بفمه ليطفئها، وفي التشبيه سخريةٌ بهم، والرد عليهم أن الله -سبحانه وتعالى- سيُظهر دينه، وينشره في كلّ مكانٍ، وسيعلو على كلّ الأديان.
توصية المؤمنين بالعمل للدار الآخرة
قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) .
وقال -تعالى-: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّـهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّـهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) .
ويدل الله -سبحانه وتعالى- عباده المؤمنين على تجارةٍ عظيمةٍ خير لهم مِنْ تجارةِ الدُّنْيَا، وهي الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- وبرسوله، ويجاهدون في سبيله، فيحصلوا على المغفرة، ودخول الجنان، ويُقدم لهم في الدنيا النصر على أعدائهم، ويضرب لهم مثالاً لمن تمثلوا بنود التجارة سابقا وهم الحواريون أصحاب سيدنا عيسى -عليه السلام-.