تعريف أبو العتاهية
أبو العتاهية
هو الشاعرُ أبو إسحق إسماعيلُ بنُ القاسمِ بنُ سويد بن كيسانَ العينيّ، وهو من قبيلة عنزةَ بالولاء؛ لذلك سُمِّيَ العنزيّ، و(أبو العتاهية) هي كنيتُه. وُلِد في العام 747م في قرية عين التمر؛ وهي قرية تقع بالقُرب من المدينةِ، ويُقال إنّها قُربَ الأنبار، وغربيّ مدينة الكوفة، علماً بأنّه قد انتقلَ في صغرِه بصحبةِ أبيه إلى الكوفة التي جمعت عدداً من العلماء ، والمُحدِّثين، والزهّاد المُتعبِّدين، وفيها عاصرَ عدداً كبيراً من الشُّعراءِ، والعلماء، ومنهم: علقمةُ بن قيس، والربيعُ بن خيثم، وسفيانُ الثوريّ، وأبو حنيفةَ، وغيرُهم.
مُقتطَفات من حياة أبي العتاهية
كانت نشأةُ أبي العتاهية مُتواضعةً جدّاً؛ حيثُ صنعَ أهلُه الفخّارَ، فكان يشاركُهم في صُنعِها، وبَيعِها، يحملُها على ظهرِه في أرجاءِ الكوفة، وعندما كبُرَت مدينةُ الكوفة، واتَّسَعت، وسادَ الرخاءُ فيها، ظهرت جماعات بطبعٍ ماجنٍ خليعٍ تنظمُ الشِّعرَ ، حيث كان أهلُ هذه الجماعات يتنقّلون بين مجالسِ اللهو، والفِسقِ، ويوغلون في المفاسدِ من الأمورِ، علماً بأنّهم أطلقوا على أنفسهم لفظَ الظرف، وكان منهم: مطيعٌ بن إياس، ويحيى بن زياد، وحمادُ بن عجرد، وغيرهم، أمّا أبو العتاهية فقد خالطَهم فترةً، فضلاً عن انضمامِه إلى مجالسِ العِلم، والزُّهد، والعبادة، إلّا أنّه ما لبث أن بدأَ بنَظْمِ الشِّعرِ الذي أنشدَه على مسامعِ فتيانِ الكوفةِ الذين أُعجِبوا به، واهتمّوا بروايته، ثمّ أصبح طُلّابُ الأدبِ ، والشِّعر يقصدونَه؛ ليُنشد الشِّعرَ لهم، وكانوا يكتبون أشعارَه على ما يتكسَّرُ من جرارِه الخزفيّة.
انتقلَ أبو العتاهية إلى بغدادَ خلالَ فترةِ حُكم الخليفة العبّاسي المهديّ، وكان يبلغُ الثلاثين من عمره تقريباً آنذاك، حيث أراد أن يصلَ إلى المهديّ؛ فأصبحَ يمدحه في شعرِه الذي لم يصل إلى الخليفةِ حينها، ومن الجدير بالذكر أنّ صيته ذاعَ بعد أن اعترضَ عُتبة، وكانت جاريةً لزوجةِ المهديّ، ولم تُكلِّمه، إذ أمرَت من معها أن يبعدوه عن الطريق، فذاعَ صيتُه منذ ذلك الحين، وأمرَ المهديُّ باستدعائه، وأصبحَ أبو العتاهية يمدحُه في أشعارِه إلى أن وجدَ نفسَه في مجلسِ الخليفة، حيث فضَّله على الكثير من الشعراء في ذلك العصرِ، وممّا اشتُهِر به أبو العتاهية في تلك الفترةِ هو حبُّه لعُتبةَ، والتغزُّل بها في أشعارِه غزلاً رقيقاً.
سبب كُنية أبي العتاهية
ورد في سببِ تكنيةِ أبي العتاهية بهذه الكُنيةِ أنّ المهدي قال له يوماً: (أنت إنسانٌ مُتحذلِق مهته)، ومن ثمّ أصبحت هذه الكُنيةُ بمثابةِ لقبٍ مُلازمٍ له، وقِيل إنّه يُقال للرجل المُتحذلِق: (عتاهية)، كما يُقال: (عتاهية) دون الألف، واللام، وقِيل أيضاً إنّه لُقِّب بأبي العتاهية؛ لأنّه كان يحبُّ الشهرةَ، والتَّعَتُّه، والجديرُ بالذّكر أنّ كلمة عتاهية لا تقتصرُ على معنىً واحدٍ فقط، بل إنّ لها معانٍ عدّة؛ فقد ورد في المعجم أنّ (عَتَه في الشيء) تعني: أنّه حرِصَ عليه، وأصبح مُولَعاً به، ووردَ أيضاً أنّ العتاهية مصدر للفعل (عُتِه)، وهي تعني: الضلال، والحُمق، كما أنّ التعتُّه هو: الرعونة، والتجَنُّنُ، وهو مبالغة المرء في مأكلِه، وملبَسِه، بالإضافة إلى أنّ التَّعَتُّهُ هو: التَّنَظُّفُ، والتَّجاهُلُ، والتَّغافُلُ، كما ورد أنّ المقصودَ بالرجل العتاهية هو: الرجل الأحمق المعتوه.
مذهب أبي العتاهية الشعريّ
زهدَ أبو العتاهية في أيامِ خلافةِ هارون الرشيد ، وصار يخالطُ أهلَ العِلم، والصالحين، ويكتبُ شِعراً في الزهد ، والمواعظ، كما زهدَ في لذّات الدنيا، وأصبح يهابُ الموتَ، ويذكرُه في شعرِه الذي صار أساساً له واعظاً الناسَ، والجديرُ بالذكر أنّ شِعرَ أبي العتاهية يتميّز بأصالتِه، وأسلوبِه غيرِ التقليديّ؛ ولعلّ من أسباب ذلك هو: نشأتُه في أسرةٍ فقيرة لم تمنحه المقدرةَ على إكمالِ تعليمِه، وتفرُّغه له، وعَيشُه بين العامّةِ من الناس في الكوفة بشكلٍ خاص، وحياتُه المُتواضِعةُ في طبقةِ بسيطةٍ بشكلٍ عامّ، ممّا تسبَّبَ في أن يكتسبَ شِعرُه المظهرَ العامّي الذي سرعانَ ما يأسرُ قلوبَ الناس بغزارةِ معانيه، وقُوّة تأثيرِه.