تعبير كتابي عن الأم لطلبة الابتدائي
المقدمة: الأم دفء الحياة
لطالما مرت في ذاكرتي أغاني الطفولة بينما كانت أمي تهزُّ سريري كي أنام ليس لتتخلص من إزعاجي وإنما لأرتاح من بكائي طوال الليل أو لأهدأ بعد حرارةٍ داهمتني جرّاء إصابتي بالمرض الشديد، من باب الصدق فأنا لم أسمعها ولا حتى أتذكر منها كلمة واحدة، لكن تلك الصورة كانت نتاج ما أخبرنني به جدتي وخالاتي اللواتي يُعتبرن امتدادًا لدفء أمي الغالية، فلطالما حملنني وهدهدن سريري حتى أنام بينما كانت أمي منشغلةً في مسائل الحياة، وما أكثرها! هي لا تلقيني إلا في حضنٍ تعلم أنه يشبه حضنها، أليست يا جدتي تحبيني كما أحبتني أمي، فللجدة فروعٌ تمتد صوب بناتها ومنها ينبثق الحب ويدوي بكافة أشكاله وصوره.
العرض: أمي قدوتي وإلهامي
مرت شهور حملك بي طويلةً قاسية تملؤها الآلام والغثيان كل صباح، جاء المخاض وجلست تنتظرين حضور أبي بصبرٍ طويل، تحلق حولك إخوتي خائفين من ملامح وجهك التي تبدلت فهم لم يعتادوا على ذلك، ولكنك حينئذ أعطيتهم درسًا في الصبر على الألم، كانوا صغارًا ولكنهم وجدوا في وجهك صلابةً لم يعهدوها وفي نبرة صوتك قوةً لن ينسوها بالرغم من الألم فأنت تبتسمين مُوَدِّعةً إياهم ومُودِعِتَهُمْ عند جدتي حتى تعودي لهم بالسلامة. عدت يا أمي وفي وجهكِ ابتسامةٌ جميلة وبين يديك طفلةٌ بيضاء جميلة ولكنها نحيلة.
أعلم يا أمي أنك تزوجتِ صغيرةً لا ترى في الحياة إلا فستانًا لونه أبيض لا تعلم من ضنك العيش شيئا، كان حملُك بي متعِبًا فجسدك النحيل لم يكن بوسعه حمل أشياء إضافية إلى جانب ما أنهكتك به الحياة من مسؤوليات ثقيلة، وواجبات يوميًا ووقوف لساعات من أجل تحضير ما يسد رمقنا أنا وإخوتي وأبي حين يعود حاملًا معه كل ما يسعدنا، لا أنسى يا أمي حين جاء أبي يحملُ تلفازًا لم يأت بمثله أحدٌ في الحي قبلنا، أذكر يا أمي كم كنا سعداء نلعب حول أبي فرحين بالقادم الجديد.
مر أسبوع على ولادتي وكان الطبيب قد أمرك باتباع بعض التعليمات بشأن زيادة وزني حيث ولدت نحيلة للغاية وضعيفة، أي أنّ حجم كف يدي كحجمِ إصبع الإبهام في يدكِ، رآني الطبيب بعد أسبوع وأخبر أمي أنه يخشى على من الهلاك إن لم تتحسن صحتي في بحر أسبوع آخر أكثره شهر، جزعت أمي وكادت تسقط أرضًا لكن وجود أطفال آخرين دفعها بقوة نحو السماء، فلا بد أن تنهض حاملةً معها كل ما يخيفها، ليس معقولًا أن تنهار عند أول اختبار لها فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفُ أيها الطبيب، أعطاها الطبيب بعض الأدوية والعلاجات وبعض المحاليل المغذية علها تكون فرصةً للنجاة وأملًا بالحياة.
وصلت أمي المنزل ورمقتنا بابتسامةٍ حانية تخفي وراءها الكثير، نحن لا نعلم ولكن الله يعلم ما تمرّين به يا أمي. دخلت أمي غرفتها بحجة تغيير ملابسها وما هي إلا بضع لحظات حتى سمعنا شهقاتٍ متتالية تأتي من الداخل، انتظرنا في الخارج علّ أمي تفتح الباب أو حتى يعود أبي ونفهم الخبر، خرجت أمي من الغرفة والابتسامة تعلو مُحياها وآثارُ الدموع في مقلتيها، لكن ابتسامةً عريضة ملأت وجهها، أكان ما سمعناه من شهقات خيالًا أم ماذا؟! وصل أبي للمنزل وبدأ الهمس بينهما فتهدأ أمي تارةً وتتحدثُ تارةً أخرى وكلما نظرت إلينا ابتسمت ابتسامة جميلة تشعرك أن أمان الدنيا كلّه في عينيها.
ذهبت أمي لترتاح واجتمع إخوتي حول والدي وسألوه بصوتٍ واحد ما بال أمي أهناك خطب؟ أطرق أبي رأسه قليلًا وتحدث وكله أسى بأمر لم يخطر على بال أحد من إخوتي في المنزل فأخبرهم أنني ضعيفة وقد لا أعيش وينبغي إيلائي الكثير من الرعاية حتى أصبح قوية، صُعقنا جميعًا ليس للخبر فحسب وإنما لقوة وصلابة أمي ومحاولتها قدر الإمكان التماسك أمام إخوتي كي لا يشعروا بالحزن والأسى على أختهم التي انتظروها طويلًا، لا سيما أنهم يعرفون كم تعبت أمهم في أثناء فترة الحمل والولادة.
لم يتوقف إخوتي وأمي وأبي عن الدعاء علّ الله ينجيني ويفرح أمي ويفك كربة أبي، جاء موعد زيارة الطبيب فذهبوا جميعًا يحدوهم أمل أن يسمعوا الأخبار الطيبة بشأن أختهم العزيزة، بدأ الطبيب يجري فحوصاته ينظر مرّة في عيني و في فمي مرّة وأخرى يتفحصُ جلدي ويقيسُ وزني، انتهى الطبيب من عمله وجلس في مقعده وبدأت أمي تلبسُني ثيابي ويدياها ترتجفان وقلبها تدوي نبضاته كالرعد، تناول الطبيب قصاصة ورق صغيرة وبدأ يكتب وما إن انتهى حتى قال لأمي: هي بعض الفيتامينات وسيكون كل شيء على ما يرام تجاوزت الطفلة الغالية الخطر وبدأت تعود للحياة مرة أخرى، ستُشعرنا جميعا بالسعادة لأول مرة منذ علمنا بالخبر.
كبرنا وإخوتي وأصبحنا كالزهور، مرض أبي مرضًا عُضالًا، تعب كثيرًا حتى أُنهكت كليتاه، سافر لإجراء بعض العمليات الجراحية لكن تعدّدت الأسباب والموت واحد توفي والدي، وقد استقبلت أمّي الخبر بصبرٍ وثبات، لم تصرخ ولم يعلُ صوتها شأن معظم النساء فقد صبرت واحتسبت أجرها عند الله، أمي لم تزل صغيرة على ذلك الشقاء فقد أصبحت تتولى مهامًا إضافية غير تلك التي كانت تحتملها في أثناء وجود أبي، إذ أصبحت الآن أبًا وأمًا في آن واحد كما أصبحت صديقةً لي وإخوتي جميعّا، تتابع دروسنا وتهيئنا لاستقبال العيد بملابس بسيطة رخيصة الثمن لكن قيمتها المعنوية كبيرة فقد نُسجت من دموع أمي وصبرها.
الخاتمة: كيف أشكركِ يا أمي؟
لا أعلمُ كيف أشكرك يا أمي فأنت خيرُ مثال للتضحية والصبر واحتمال المشقة، هل هناك كلماتُ شكرٍ تكفي يا أمي؟ وهل هناك ما يكفي من صفحات بيضاء لأملأها بعبارات الشكر والعرفان لكل ما قدمته لنا من عطف وحب وحنان وشعور بالأمان؟ أحبك يا أمي ولا تكفيكِ عباراتُ الكون كله بكلّ اللغات، وليس في جعبتي لك سوى الدعاء الوفير أن يحفظكِ الله ويطيل عمركِ ويجعلكِ من أهل الجنة جزاء ما صبرتِ؛ فقد كبر إخوتي وكبرتُ أنا، لكنّ قلوبنا أطفال تهفو إليك.
قد يهمك الاطلاع على نماذج مواضيع تعبير مشابهة: تعبير عن الأم .