تعبير عن جميلة بوحيرد
جميلة بوحيرد أيقونة النضال الجزائري
يرتبط نضال الجزائر باسم جميلة بوحيرد التي تُعدّ أيقونة النضال الجزائري، ومثالًا على التحدّي والإصرار والدفاع عن الوطن، وقد وُلدت في الجزائر في حيّ القصبة، وهي من أب جزائري وأم تونسية، والأنثى الوحيدة لوالديها على سبعة ذكور.
درست في معهد الخياطة والتفصيل لحُبها للأزياء، وكان لوالدتها التأثير الأكبر على شخصيتها وفي حبها للوطن؛ وحرصت على زرع فكرة أنّها جزائرية وليست فرنسيةً، وبعد اندلاع الثورة الجزائرية في عام 1954م انضمت جميلة إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية.
جميلة بوحيرد مقاومة وإنجازات
بدأت جميلة بوحيرد بنضالها ضدّ الاستعمار الفرنسي منذ الصغر؛ إذ إنّ انضمامها إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية كان وهي في سنّ العشرين، وبعدها انضمت إلى صفوف الفدائيين؛ وتطوعت مع المناضلة بو عزة التي زرعت القنابل المتفجرة في الطريق الذي يسلكه الاستعمار الفرنسي.
بسبب بطولاتها الكثيرة أصبحت جميلة بوحيرد المطاردة الأولى من قبل الاستعمار، وقد أُلقي القبض عليها في عام 1857م؛ حيثُ أُصيبت برصاصة في الكتف تسببت في سقوطها أرضًا، لقد ملأتني هذه البطلة بمشاعر الفخر.
واجهت جميلة بوحيرد أقسى أنواع التعذيب في سجون الاستعمار، وقضت قُرابة ثلاث سنوات في السجن؛ حيث تم بعدها ترحيلها إلى فرنسا وأُطلق سراحها هي وزملاؤها، وكان لجميلة بوحيرد غيرة كبيرة على وطنها، حتى إنّ الجزائريين كانوا يُردّدون في طابور الصباح: "فرنسا أمّنا"، لكنها كانت تصرخ في وجوههم وتقول: "بل الجزائر أمّنا".
إنّ مدير المدرسة أخرجها من الطابور الصباحي وواجهت عقوبة قاسية، لكنها رغم ذلك لم تتراجع عن مواقفها، وأصبح لديها ميول نضال قوية منذ ذلك الوقت، ومما أثار إعجابي الكبير بهذه الشخصية النضالية أنّها كانت حلقة الوصل بين مندوب القيادة في المدينة ياسيبف السعدي، وبين قائد الجبل في جبهة التحرير الجزائرية.
هذا ما سبّب قلقلًا كبيرًا للاستعمار الفرنسي الذي وضع مكافأة مئة ألف فرنك فرنسي لمن يُخبر عن حلقة الوصل، بسبب النضال الكبير والبطولات التي عُرفت بها جميلة بوحيرد أصبحت من المطاردين الدائمين، وتعرضت في السجون الفرنسية للصعق الكهربائي الذي كان يُفقدها الوعي، لكنها لم تعترف بأيّة اعترافات عن زملائها أو الفدائيين.
في عام 1957م حُكم على جميلة بوحيرد بالإعدام، وبعد النطق بالحكم مباشرةً صرخت بأعلى صوتها بجملتها الشهيرة: "الجزائر أُمنا"، وكان من المقرر أن يتم تنفيذ حكم الإعدام في السابع من آذار من عام 1988م، وبسبب الثورة التي اجتاحت العالم رفضًا لهذا الحكم، واجتماع لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، لم يتم تنفيذ حكم الإعدام، وتمّ تعديله إلى السجن مدى الحياة.
بعد تحرر الجزائر من الاستعمار الفرنسي في عام 1962م تم الإفراج عن جميلة بوحيرد وخروجها من السجن، وفي عام 1965م تزوجت من المحامي الفرنسي الذي دافع عنها وهو جاك فيرجيس؛ حيث كان هذا المحامي يُدافع عن مناضلي جبهة التحرير الوطني الجزائرية.
أشهر المحامي جاك فيرجيس واتخذ من منصور اسمًا جديدًا له، وبهذا تكون المناضلة جميلة بوحيرد الرمز الذي يشهد له القاصي والداني بالقوة والشجاعة والأمل الكبير، والعزيمة المتجددة، والرغبة بالتحرر من قيود الظلم والاستعمار.
بعد حصول الجزائر على الاستقلال ، تم تنصيب المناضلة جميلة بوحيرد كرئيسة لا تحاد المرأة الجزائري، لكنها كانت مصرةً دومًا على النضال ضدّ الكثير من القرارات المجحفة، كما أنّها كانت على خلاف مع الرئيس الجزائري في ذلك الوقت أحمد بن بلة، ممّا اضطرها للاستقالة والتخلي عن الحياة السياسية.
لم تكن تطمح إلى تحقيق أيّ مناصب وإنّما تحقيق هدفها الذي وصلت إليه وهو رؤية وطنها الجزائر مُحررًا، وهذا ما حصل، ونظرًا إلى ما تتمتع به حياة جميلة بوحيرد من أحداث نضالية، تم عمل الكثير من الأفلام الوثائقية عنها، وكتبت عنها الصحف والمجلات العربية والعالمية، وبهذا استطاعت جميلة بوحيرد أن تُسلّط الضوء على ظلم الاستعمار الفرنسي ضدّ الجزائر.
كانت جميلة مثالًا للمرأة التي تعشق المقاومة، وتشع أمام أعينها طريق الوصول إلى التحرير، وتُحاول بجميع الطرق أن تفتح طريقًا سالكًا للثوار، و ألّف الشعراء العرب الكثير من القصائد الشعرية التي تغنّت بنضال جميلة وشجاعتها، خاصةً أنّها امرأة ورغم ذلك لم تتوقف أبدًا عن تحقيق هدفها، ومن الشعراء الذين كتبوا فيها الشعر: بدر شاكر السياب ونزار قباني وصلاح عبد الصبور ومحمد مهدي الجواهري.
رغم مرور سنوات طويلة على نضال جميلة بوحيرد ومواقفها الشجاعة إلا أنّ الجميع لم يزل يتذكر تلك الفتاة التي كانت تُطالب دومًا بالثورة والاستقلال وهي تصرخ: "الجزائر أمّنا"، فجميلة بوحيرد امرأة أيقونية بامتياز؛ لأنّها لم تعرف الهزيمة والاستسلام يومًا، ولم تقف أبدًا مع صف الاستعمار؛ لهذا لا عجب أن يذكر التاريخ نضالها الكبير في جميع صفحاته المشرقة، لتكون نموذجًا للأجيال الحالية والقادمة.
جميلة بوحيرد في الذاكرة
في الختام، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد ستظلّ محفوظةً في ذاكرة جميع الشرفاء في العالم؛ لأنّها آمنت بقضية وطنها ورفضت الظلم والاستعمار، ولم تستلم رغم التحديات التي واجهتها والتهديد والتعذيب الكبير.
لذلك لا يُمكن أن ينساها الجزائريون بأطيافهم كافّة، وسيظلّ اسمها محفوظًا في كتب التاريخ كرمزٍ للنضال ضدّ الاستعمار وأيقونة صامدة للثورة الجزائرية، التي لم تتخلَّ عن قضيتها أبدًا، ولم تتراجع ولو يومًا واحدًا عن المطالبة باستعادة حرية الجزائر من يد الاستعمار.