تعبير عن الأسرة
الأسرة أساس بناء المجتمع
إنّ مكونات المجتمع عديدة وكثيرة لكن اللبنة الأساسية والأولى لكل مجتمع هي الأسرة، إذ إن كل أسرة هي بناء متكامل بحد ذاتها، وحسب مكنوناتها الثقافية والدينية سيكون لها دور بارز في تكوين المجتمع وتطوره وازدهاره، ولا نغفل دور كل فرد في استمرار الأسرة وبقاء أواصر الود والمحبة بينها، فإن لكل أسرة دورها في تمتين أركان المجتمع، وتثبيت أواصر الاتفاق والود بين أفراده ومكوناته المختلفة.
تتنوع المستويات الفكرية بتنوع الأفراد في الأسرة، فالوالدان لهما دور وتفكير يختلف عن الأولاد، حتى إنّ طريقة تفكير الزوج تختلف عن طريقة تفكير الزوجة، وكذلك الأمر للأولاد فمنهجية تفكير كل ولد منهم تختلف عن الآخر، ونظرته للحياة متباينة عن الآخر، ولكن هذا الاختلاف لا يعني بالضرورة أن أحدهم على خطأ أو أنّ أحدهم هو صاحب الرأي الصحيح والمنطقي والبقية على خطأ، بل على العكس، هذا الاختلاف هو الذي يولد المزيد من الإبداع إذا ما وُجه توجيهًا صحيحًا وعقلانيًا باستفادة كل واحد من اختلاف الآخر وبذلك يضيف كل فرد في الأسرة إلى شخصيته شيئًا جديدًا.
هذا ما يؤكد على أهمية دور الأسرة في بناء المجتمع ، فكلما كانت الأسرة قادرة على الترابط والتناغم فيما بينها كلما نقل أفرادها هذه الثقافة إلى المجتمع المحيط، وبالتالي اشتد بناء المجتمع وثبتت أركانه، وصار أقوى وأعتى في مواجهة أي تغييرات خارجية أو محاولات لزعرعة بنيانه والقضاء على مقوماته الأساسية، وكثيرًا ما تختلف مفاهيم الأسرة بين الغرب والشرق، والملاحِظ الدقيق هو الذي يكتشف الفرق بين العلاقات الاجتماعية في الغرب ونظيرتها في المجتمعات الشرقية.
إنّ العلاقات الاجتماعية في الغرب تكاد تكون معدومة، لا مكان إلا للعمل والمصالح فقط، حتى إنّ علاقة الأولاد بأهلهم وأسرهم شبه معدومة، بينما الأمر في المجتمعات العربية يختلف قليلًا، فكثيرة هي الأسر التي تُحافظ على ترابطها ومتانة أوصارها، وتحترم أفرادها كبيرًا وصغيرًا، وذلك هو الذي سيجعل المجتمعات تنهض مهما مرت بظروف قاسية وصعبة.
الأسرة حاضنة الطفل الأولى
يفتح الوليد عينيه في هذه الحياة لتقابله بسمة أم وفرحة مملوءة في عيني الأب، يسمع بأذنيه أعذب الكلمات، وتربت عليه أرق الأيادي وألطفها، فيتكون عنده منذ نعومة أظفاره مفهوم الأسرة، يرتبط بها ارتباطًا شديدًا لا يعرف غيرها، ويخاف الابتعاد عنها، يشعر أن العالم بأسره هو فقط هذه الأسرة، ولا داعي لوجود غيرهم في حياتهم، إذ إنهم يقدمون له كل ما يحتاج من أمن وأمان وغذاء ودفء وخدمات، فتكون الأسرة الصغيرة هذه هي الحاضنة الأولى للطفل.
كلما كبر الطفل كلما شعر بأهمية أسرته، وازداد تعلقًا بها، ومهما تعرف إلى أناس مختلفين، وتقرب منهم، يبقى له ملجأ لا يخذله ولا يكسره وهو الأسرة، فقد يصبح له أصدقاء ومعارف وأحبة كثر، ولكن ما إن تهب عليه رياح من خطر أو خوف أو ذعر حتى يهرول مسرعًا إلى حاضنته الأولى وهي أسرته -لا سيما أبوه وأمه-، كيف لا يلتجئ إليهم وهم من جعلوه يشعر بكل ذرة دفء وأمان وهو في أحضانهم وبين أيديهم.
يستطيع الطفل أن يفهم مفهوم الأسرة الحقيقي دون نظريات أو خطابات وكلمات وتعليمات، من خلال نظرة الأم الحانية ولمسة الأب الرقيقة، وكلمة الحب الصادقة التي ينطق بها الوالدان آلاف المرات دون كلل أو ملل تعبيرًا عن حبهم العميق لطفلهم، يفهم الطفل أهمية العائلة، عندما يراقب بعينيه اللؤلؤيتين اجتماع العائلة على مائدة الطعام وسهراتهم الهادئة ليلًا، واستيقاظهم مع زقزقة العاصفير صباحًا، وكلهم سعادة وحب واحترام لبعضهم البعض.
إذا ما غُرست مفاهيم الأسرة في ذهن الولد بهذه الصورة البهية فأبشر به شابًا يافعًا وأبًا حنونًا حازمًا، وصديقًا مخلصًا، وأخًا وفيًا داعمًا لأخوته، وطالبًا متميزًا، وإنسانًا سويًا نفسيًا وعاطفيًا، قادر بفطرته على تمييز الجيد من الرديء والصواب من الخطأ، وكل هذا يعود للأسرة وفضلها في تثبيت دعائم شخصيته منذ الصغر.
من أكبر الأخطاء الفادحة أن بعض الأسر تظن أن الوليد الصغير وهو في عمر الأشهر لا يفهم شيئًا ولا يعي ما يُقال له، بل على العكس هو في هذا العمر يخزن كل ما يسمعه في ذاكرته، وإذا ما انطلق لسانه وقويت قدراته بدأ بالتعبير عن كل ما تعلمه وهو في عمر الأشهر، فالتعليم الحقيقي وغرس القيم لا بد أن يبدأ منذ الصغر، والتعليم الناجح هو التعليم بالقدوة لا بالكلمات والتوجيهات، فعلى هذا الطفل أن يرى ما هو صحيح، عندها ستكون الأسرة هي الحاضنة الآمنة للطفل.
الأسرة أساس النجاح والسعادة
تتنوع الشخصيات وتوجهاتها في المجتمعات، فمن الشباب من يكون مجدًا مجتهدًا في دراسته له طموحاته وأحلامه، ومنهم من يكون عابثًا لاهيًا لا مقاييس للأخلاق عنده، ولا قيمة لأي شيء في حياته، لا يهتم لنفسه ولا للآخرين، ولا يتعلم ولا يعمل، وله من الأخطاء والعثرات ما يندى له الجبين، ومنهم من يكون ضعيفًا مستكينًا منقادًا للآخرين، ومنهم من يكون قويًا جريئًا شجاعًا، وغيرها الكثير من الأنماط السلوكية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأسرة التي نشأ هذا الإنسان بين أحضانها سنوات وسنوات.
إنّ الأسرة التي ينشأ فيها الابن أو الابنة إما أن تكون مصدر النجاح و السعادة ، أو مصدر الفشل والشقاء والتعاسة، لا شك أن المجتمع المحيط له دوره و الأصدقاء لهم دورهم، لكن كل هذه العوامل تبقى فرعية وثانوية أمام العامل الرئيس وهو العائلة، فكلما كان الاتزان والصدق والإخلاص والتعاون و الأخلاق الفاضلة هو الأساس المتين للأسرة، نشأ الأولاد نشأة سوية قوية متينة تجعلهم قادرين على تحديد مسارهم وانتقاء أصدقائهم ومعارفهم بما يتناسب مع أخلاقهم التي نشؤوا عليها منذ الصغر.
كلما زرعت الأسرة في عقل أولادها منذ الصغر أهدافًا جليلة وطموحات عالية نبيلة كلما كانوا لها أكفاء عندما يكبرون ويشبون، فما فتح محمد الفاتح القسطنطينية إلا بعد أن أخذته أمه مرارًا وتكرارًا إلى أسوارها في طفولته وهي تغرس في فكره وقلبه أنه هو الفاتح لهذه المدينة، وهذا يؤكد دور الأسرة في تحديد مسار الأولاد وتوجيههم توجيهًا خفيًا لما فيه خير لهم في دينهم ودنياهم.
من المهم أن يكون الأولاد السعداء في حياتهم قادرين على توجيه كلمات الشكر والأفعال التي تُعبّر عن امتنانهم لأسرتهم التي أنشأتهم نشأة جعلتهم يعيشون حياة مليئة بالسعادة والفلاح والتوفيق، فإنه لدور عظيم كبير، لا سيما في ظل عصر التكنولوجيا والتطورات التي تسلب الألباب وتلهي الشباب وتوقعهم في المزالق من حيث لا يحتسبون لا هم ولا أهلهم.
الأسرة المحراب والملجأ الآمن
إنّ الإنسان مهما كبر وعلت مراتبه، وازدادت معارفه ولتسعت دائرة علاقاته الاجتماعية في مختلف المجالات لا يمكنه الاستغناء عن عائلته، عن منشأه الأول الذي عاش فيه، وقضى أيامًا وذكريات لا ينساها، ولا يمكن لكل تفاصيل الحياة أن تمحوها من ذاكرته، وذلك لأنها ذكريات صادقة نقية خالية من أي مصلحة أو كذب أو تدليس أو تلاعب بالمشاعر، لأنها ذكريات مع أنقى القلوب وأصفاها، العائلة وأفرادها من أب وأم وأخوة هي ذكريات تتربع على عرش القلب، ولا تفتأ تدير شريطها بين الحين والآخر.
مهما كثرت المشاكل والخلافات، واختلفت وجهات النظر والآراء بين أفراد العائلة تبقى العائلة هي الملاذ والملجأ الآمن، هي المحراب الذي يتوجه إليه الإنسان في كل فرح يشعر به وكل نجاح يحققه، حتى عندما يخيب أمله، وينكسر وتشتد به نوازل الحياة ومصائبها، فإنّه يلجأ إلى لأسرة التي شب فيها، وعاش فيها ليستعين ويأخذ جرعة من أمان ودفء وثقة واطمئنان، فيستمد منها قوة وشجاعة لمواجهة الحياة وعقباتها، ويزداد سعادة فوق سعادته عندما يبشرهم بنجاح حققه أو تميز حصل عليه.
ما أعظم الأسرة بكل تفاصيلها، هي شجرة يانعة مشرئبة إذا ما كان الغرس سليمًا والسقيا نقية، والعكس بالعكس، فإذا فسد الغرس فسدت الثمار، وإذا سُقيت بماء آسن كانت ثمارها كليلة باهتة لا روح فيها ولا حياة، وليست هي المسافات التي تقوي روابط الأسرة وتزيد تكاتفها، إنما الصدق والوفاء والحب الصادق ، ومهما باعدت الأسفار بين أفراد الأسرة يبقى الود محفوظًا والحب مغروسًا و الوفاء موجودًا.
وما ذلك إلا لأنّ مشاعر صادقة وقيمًا نبيلة غرست في قلوب الأولاد وعقولهم منذ طفولتهم، فعرف كل منهم حقه ومستحقه، وأدرك قيمة عائلته ودورها في حياته، ودوره هو في حياتها واستمرارها، فكان هذا النبت الطيب الذي يؤتي أُكله كل حين، ولا يفسد منه شيء، ولا يحيد منه عود إلا وقُوِّم اعوجاجه برفق ولين وكلمة طيبة وعقل واعٍٍ راجح فاهم لكل الحياة وتفاصيلها وتطوراتها.
لقراءة المزيد، انظر هنا: موضوع تعبير عن العائلة .