كيفية إرجاع الزوجة بعد الطلاق
كيفية الرجعة بعد الطلاق
الرجعة: هي إرجاع الرجل زوجته بعد طلاقها طلقة أولى أو ثانية طلاقاً غير بائن* خلال فترة العدّة* دون عقد ولا مهر جديدَين؛ للمحافظة على الزواج، قال الله -تعالى-:(الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّـهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّـهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّـهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
وقد شرَع الله -سبحانه وتعالى- للزوج الحقّ في إرجاع زوجته إلى عصمته خلال فترة العدّة برضاها أو بغير رضاها؛ وذلك لأحقّيته في ذلك؛ حيث ذُكِر في القرآن الكريم قوله -تعالى-:(وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا).
كيفية الرجعة في الطلاق الرجعي
إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً غير بائن وكانت ما تزال في فترة العدّة، فله أن يُرجعها إلى عقد نكاحه، ومن السنّة الإشهاد* على الرجعة، وقال بعض الفقهاء بوجوب الإشهاد في ذلك، وتكون الرجعة بكيفيّتَين اثنتَين، هما:
- الرجعة بالقول
وتكون بقول الرجل لامرأته: "أرجعتك"، أو "رددتُك إلى عصمتي"، أو "ارتجعتك"، وهذه أقوالٌ صريحةٌ في الرجعة تصحّ بلا نيّة، أمّا إذا كانت الأقوال تدلّ دلالة على الإرجاع، مثل: "أنتِ عندي كما كُنتِ"، فيلزمه استحضار النّية، وسؤاله عن مقصده، وقد اتّفق الفقهاء على صحّة الرجعة بالقول، أو ما يقوم مقامه إذا تعذّر القول، مثل: الإشارة المفهومة من الأخرس، أو الكتابة الواضحة.
- الرجعة بالفعل
اختلفت أقوال الفقهاء في كيفيّة الرجعة بالفعل، على النحو الآتي:
- الحنفية
ذهبوا إلى صحّة الرجعة بالفعل إن كان بجماع أو مُقدّماته.
- المالكية
تحصل الرجعة بالفعل من جماع ومُقدّماته، بشرط الإتيان بنيّة الإرجاع.
- الشافعية
لا تصحّ الرجعة بفعلٍ من جماع أو مُقدّماته*، ولا تصحّ إلّا بالقول فقط.
- الحنابلة
تصحّ الرجعة بالجماع فقط، ولا تصحّ بما دونه من مُقدّمات الجماع.
كيفية الرجعة في الطلاق البائن
كما تبين من التعريف السابق للرجعة فإن الرجعة تكون في الطلاق الذي يستقل فيه الزوج بإرادة الإرجاع دون أن يقيده عقد جديد أو طلب رضا أحد، وكذلك كما يتبين في شروط الرجعة إذ يشترط أن تكون من طلاق رجعي، وبناء على ذلك فالطلاق البائن لا رجعة فيه، وإنما تعاد الزوجية بالطريقة الآتية.
- إذا كانت الرجعة في الطلاق البائن بينونة صغرى كمن طلق زوجته دون الثلاث طلقات ولم يرجعها وانتهت عدتها ثم أراد إعادة الحياة الزوجية، فكيفية ذلك حينها بإجراءات مثل النكاح الجديد إذ يشترط المهر، والولي، والعقد الجديد، ورضاها.
- إذا كانت الرجعة من طلاق بائن بينونة كبرى كمن طلق زوجته الطلقة الثالثة فإنه لا يصح له إرجاعها ولو أثناء العدة إلا بشرط أن تتزوج زوجاً غيره فيطلقها أو يموت عنها، حينها يمكنه تزوجها من جديد بعقد ومهر جديدين وبرضاها.
شروط الرجعة بعد الطلاق
يجوز للزوج إرجاع زوجته إن طلّقها ضمن شروط، سواءً كانت الطلقة الأولى أم الثانية، وذلك على النحو الآتي:
- أن يكون الزوج ذا أهليّة
إذ يجب أن يكون عاقلاً بالغاً؛ فالرجعة لا تجوز لمُرتَدّ، أو سكران، أو مجنون، أو صبيّ؛ لأنّهم لا يملكون الإرادة الكاملة.
- أن يتمّ الدخول الصحيح بالزوجة
إذ يجب أن تكون قد طُلِّقت بعد الدخول، أمّا إذا كان الطلاق قبل الدخول فلا توجد رجعة في هذا الطلاق؛ وذلك لعدم وجود عدّة للمرأة المُطلَّقة قبل الدخول؛ بدليل قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا).
- أن يُشرَع في الرجعة بالفعل، أو القول بعد الطلاق الرجعيّ.
- أن لا تكون الرجعة بعد الطلقة الثالثة
فالرجعة تكون بعد طلاق رجعيّ؛ أي طلقة أولى أو ثانية فقط؛ لأنّ الطلقة الثالثة تكون طلاقاً بائناً بينونة كُبرى، ولها أحكامها الخاصة.
- أن تكون الرجعة خلال فترة العدّة في الطلقة الأولى والثانية
ولا تجوز بعد انتهاء عدّة الطلاق؛ وهي ثلاث حيضات لذوات الحيض وثلاثة أشهر قمرية للواتي لا يحضن.
- أن لا يكون الطلاق مقابل عِوض
لأنّ الطلاق مقابل عوض مدفوع للزوج يكون طلاقاً بائناً، وليس طلاقاً رجعيّاً.
- أن تكون صيغة الرجعة مباشرة
فلا يجوز أن تكون الرجعة مشروطة بفعلٍ ما، كأن يقول: "راجعتك إذا جاء فلان"، ولا أن تكون مُحدَّدة بزمنٍ، أو يومٍ، أو شهرٍ، كأن يقول: "راجعتك بعد أسبوع".
ما لا يُشترَط في الرجعة بعد الطلاق
هنالك أمور لا تُشترط لصحّة الرجعة، وهي تصحّ دونها، ومنها:
- عدم اشتراط قبول المرأة ورضاها للعودة إلى زوجها في الطلاق الرجعيّ دون البائن؛ لأنّ الرجعة من حقّ الزوج؛ بدليل قوله -تعالى-: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ).
- عدم اشتراط إعلام المرأة بالرجعة؛ إلّا أنّه يُعَدّ أمراً مندوباً.
- إشهاد الناس على الرجعة، وقد اختُلِف فيه على النحو الآتي:
- ذهب جمهور العلماء إلى أنّ الإشهاد ليس شرطاً لصحّة الرجعة، إلّا أنّه مُستحَبّ؛ كي لا تنكر المرأة ذلك بعد انقضاء العدّة.
- ذهب الظاهرية إلى أنّ الإشهاد شرط لصحّة الرجعة؛ مُستدِلّين بذلك من القرآن الكريم بقوله -تعالى-: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا)
حُكم الرجعة بعد الطلاق
الأصل في الرجعة الإباحة، إلّا أنّ حُكمها يختلف باختلاف الحالات التي وقع فيها الطلاق، وتفصيلها على النحو الآتي:
- واجبة
تجب الرجعة في حقّ المرأة إذا طلَّق الرجل إمرأته مرّة واحدة طلاقاً بدعياً *، واستدلّ الفقهاء على ذلك بدليل ابن عمر -رضي الله عنه-: (أنَّه طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وهي حَائِضٌ، علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ذلكَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أمْسَكَ بَعْدُ، وإنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتي أمَرَ اللَّهُ أنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ)
وهذا ما ورد عن المالكية والحنفيّة، وقال الشافعية والحنابلة بأنّها سُنّة في هذه الحالة، وإذا علم الزوج أنّه سيتسبّب في إلحاق الضرر بزوجته نتيجة بقائه معها مع عدم قبولها لهذا الضرر، وَجَب عليه طلاقها.
- مندوبة
تكون الرجعة مندوبة في حال ندم الزوجين، وفي حال وجود الأولاد؛ لأنّ المصلحة العامّة بحضانة الأطفال، وتربيتهم في بيئة تخلو من الخصام و النزاع تُقدَّم على المصلحة الخاصّة، وندبت الشريعة الصُّلح بين الزوجَين، فقال -تعالى-: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) وتُندب في حال جامع الرجل زوجته في الطُّهر* الذي طُلِّقت فيه.
- مُحرّمة
تحرم الرجعة إذا طلّق الرجل امرأته وأراد أن يرجعها ليُلحق الضرر بها بأيّ شكل، كأن يُرجع الرجل زوجته قبل انتهاء مدّة العدّة بقليل، ثمّ يعاود تطليقها مرة أخرى لتبتدئ عدّة جديدة؛ كي تزداد مدّة عدّتها.
وقد زجر الله فاعل هذا الأمر؛ فقال: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)، إلى قوله: (وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
- مكروهة
تُكرَه الرجعة إذا اعتقد الزوج أنَّه لن يُقيم حُدود الله؛ بالإحسان إلى زوجته، وإعطائها حقوقها المادية و المعنوية، أو في حال عدم إقامة الزوجة لحدود الله من فرائض.
- مباحة
وهو حُكم الأصل في الرجعة، و قد أجمع الفقهاء على ذلك في حال عدم حصول ما يمنعها، قال -تعالى-: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا).
الحكمة من مشروعيّة الرجعة بعد الطلاق
شرع الله -عزّ وجل- الرجعة؛ رحمة بالزوجين؛ إذ يقع الطلاق في أغلب الأوقات في لحظة غضب واندفاع بلا تأنٍّ أو تفكيرٍ في العواقب والمفاسد التي تلحق بالطلاق، فالرجعة نعمة من الله -عز وجل-، إذ إنّ نفس الرجل إن تاقت إلى زوجته ، فلا سبيل إليها إلّا بالرجعة.
وقد اتّفق الفقهاء على مشروعية الرجعة؛ بدليل ما ورد في القرآن الكريم من قوله -تعالى-: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) ومن السنّة النبوية ما رُوِي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ طلَّق حفصةَ ثمَّ راجَعَها).
أحكام مُتعلِّقة بالرجعة بعد الطلاق
هناك مجموعة من الأحكام الأخرى المُتعلِّقة بالرجعة، ومنها ما يأتي:
- وسَّع الإسلام في زمن الرجعة؛ ليتيح للمُطلِّق فرصة التفكير بأسرته، ودوام استقرارها، ويمتدّ زمن الرجعة للحامل طيلة فترة الحمل، ولغير الحامل مدّة ثلاثة قروء.
- تثبت للمرأة بعد الرجعة جميع الأحكام والحقوق التي تكون للزوجات؛ حيث تظلّ كما كانت قبل الطلاق، على الرغم من نقصان عدد الطلقات المُتبقِّية لها.
- يتمّ اعتماد قول الزوج مع الدليل إذا اختلف الزوجان في حصول العدّة أو عدمها؛ وذلك إذا ادّعى الزوج حصولها، وادّعت المرأة عدمها؛ لأنّ ذلك هو المعتمد، فإن لم يملك دليلاً، فإنّه يُؤخَذ بقول الزوجة مع حلفها لليمين.
- يتمّ اعتماد قول الزوجة مع حَلفها لليمين إذا اتّفق الزوجان على حصول الرجعة واختلفا في زمنها؛ هل هو في العدّة، أم بعدها؛ لأنّها الأعلم بعدّتها.
أنواع الرجعة بعد الطلاق
تختلف أنواع الرجعة بناءً على عدد الطلقات، وزمن الرجعة، على النحو الآتي:
- الرجعة من الطلاق الرجعي
وهي مُتعلِّقة بمَن طلّق زوجته الطلقة الأولى أو الطلقة الثانية، إذ يجوز له أن يرجعها وهي في العدّة.
- الرجعة من طلاق بائن بينونة صُغرى
وهي مُتعلِّقة بمَن طلّق زوجته الطلقة الأولى أو الطلقة الثانية، ثمّ انتهت عدّتها دون أن يُرجعها، فليس له أن يُرجعها إلّا بمَهر وعَقد جديدَين.
للمزيد من التفاصيل عن الطلاق وأنواعه الاطّلاع على المقالات الآتية:
- (( تعريف الطلاق وأنواعه )).
- (( أنواع الطلاق )).
الهامش
* طلاق بائن: أي لا يصحّ للزوج بعده أن يُرجع زوجته إليه إلّا في حال رضاها، إضافة إلى مَهر وعَقد جديدَين.
*فترة العدّة: هي فترة مُختصّة بتربُّص المرأة، ولها عدد مُعيّن.
* الإشهاد: شهادة الشهود على موضوع مُعيّن.
* الطلاق البدعيّ: الطلاق الذي يُخالف ما شُرِع في الطلاق الصحيح.
*الطُّهر: ضدّ النجاسة؛ وهو انقطاع دم الحيض عند المرأة.
شاركنا برأيك عبر: قضية للنقاش🤔
ما نصائحك لي لأجعل زوجتي تتجاوز عن أخطائي بحقها تحديداً بعد أن وقع الطلاق