تحليل قصيدة إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
تحليل قصيدة إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
تحليل المقطع الأول
لِكُلِّ اِمرِئٍ مِن دَهرِهِ ما تَعَوَّدا
:::وَ عادَةُ سَيفِ الدَولَةِ الطَعنُ في العِدا
وَأَن يُكذِبَ الإِرجافَ عَنهُ بِضِدِّهِ
:::وَيُمسي بِما تَنوي أَعاديهِ أَسعَدا
وَرُبَّ مُريدٍ ضَرَّهُ ضَرَّ نَفسَهُ
:::وَهادٍ إِلَيهِ الجَيشَ أَهدى وَم ا هَدى
وَمُستَكبِرٍ لَم يَعرِفِ اللَهَ ساعَةً
:::رَأى سَيفَهُ في كَفِّهِ فَتَشَهَّدا
هُوَ البَحرُ غُص فيهِ إِذا كانَ ساكِناً
:::عَلى الدُرِّ وَاِحذَرهُ إِذا كانَ مُزبِدا
فَإِنّي رَأَيتُ البَحرَ يَعثُرُ بِالفَتى
:::وَهَذا الَّذي يَأتي الفَتى مُتَعَمِّدا
تَظَلُّ مُلوكُ الأَرضِ خاشِعَةً لَهُ
:::تُفارِقُهُ هَلكى وَتَلقاهُ سُجَّدا
وَتُحيِي لَهُ المالَ الصَوارِمُ وَالقَنا
:::وَيَقتُلُ ما يُحيِي التَبَسُّمُ وَالجَدا
ذَكيٌّ تَظَنّيهِ طَليعَةُ عَينِهِ
:::يَرى قَلبُهُ في يَومِهِ ما تَرى غَدا
وَصولٌ إِلى المُستَصعَباتِ بِخَيلِهِ
:::فَلَو كانَ قَرنُ الشَمسِ ماءً لَأَورَدا
في هذا المقطع نجد أنّ الشاعر يفتتح قصيدته بالمدح ، فو يتغنى بصفات سيف الدولة بالحرب، فهو فارس عظيم خَبِر القتال واستعمال السيف، وقد ملك جمع الهيبة والفروسية، فما إن ذهب إلى حرب تخشاه الأعداء وتهابه الملوك حتى أصحاب الكِبر عندما يرون السيف بيد سيف الدولة يخضعون وينطقون بالشهادة خوفًا من الموت.
ويصف الشاعر سيف الدولة بالبحر، فهو يشابه هذا البحر بصفتين، صفة الكرم وصفة الغضب، فالكرم من طباع سيف الدولة فهو كريم على أصدقائه وصحبه، وكل من يطلب ودّه، أما صفة الغضب فهي على الأعداء والحاقدين، وهذا الغضب مدمر ولا يبقي أمامه أحد.
ويذكر الشاعر أن سيف الدولة يتمتع بهيبة بين الملوك، فهم أمامه إما موتى نتيجة محاربتهم له، أو ساجدين راكعين أمامه لعظمته وهيبته، فلا خيار أمام الملوك مع سيف الدولة إما الركوع أو الموت، وهو أيضًا شجاع وطمّاح، فحتى لو كانت الشمس فيها ماءً لوجدته يتسلق إليها ليشرب من مائها.
تحليل المقطع الثاني
لِذَلِكَ سَمّى اِبنُ الدُمُستُقِ يَومَهُ
:::مَماتاً وَسَمّاهُ الدُمُستُقُ مَولِدا
سَرَيتَ إِلى جَيحانَ مِن أَرضِ آمِدٍ
:::ثَلاثاً لَقَد أَدناكَ رَكضٌ وَأَبعَدا
فَوَلّى وَأَعطاكَ اِبنَهُ وَجُيوشَهُ
:::جَميعاً وَلَم يُعطِ الجَميعَ لِيُحمَدا
عَرَضتَ لَهُ دونَ الحَياةِ وَطَرفِهِ
:::وَأَبصَرَ سَيفَ اللَهِ مِنكَ مُجَرَّدا
وَما طَلَبَت زُرقُ الأَسِنَّةِ غَيرَهُ
:::وَلَكِنَّ قُسطَنطينَ كانَ لَهُ الفِدا
فَأَصبَحَ يَجتابُ المُسوحَ مَخافَةً
:::وَقَد كانَ يَجتابُ الدِلاصَ المُسَرَّدا
وَيَمشي بِهِ العُكّازُ في الدَيرِ تائِباً
:::وَما كانَ يَرضى مَشيَ أَشقَرَ أَجرَدا
وَما تابَ حَتّى غادَرَ الكَرُّ وَجهَهُ
:::جَريحاً وَخَلّى جَفنَهُ النَقعُ أَرمَدا
فَلَو كانَ يُنجي مِن عَليٍّ تَرَهُّبٌ
:::تَرَهَّبَتِ الأَملاكُ مَثنى وَمَوحِدا
وَكُلُّ اِمرِئٍ في الشَرقِ وَالغَربِ بَعدَها
:::يُعِدُّ لَهُ ثَوباً مِنَ الشَعرِ أَسوَدا
هَنيئاً لَكَ العيدُ الَّذي أَنتَ عيدُهُ
:::وَعيدٌ لِمَن سَمّى وَضَحّى وَعَيَّدا
وَلا زالَتِ الأَعيادُ لُبسَكَ بَعدَهُ
:::تُسَلِّمُ مَخروقاً وتعطي مُجَدَّدا
فَذا اليَومُ في الأَيّامِ مِثلُكَ في الوَرى
:::كَما كُنتَ فيهِم أَوحَداً كانَ أَوحَدَ
هُوَ الجَدُّ حَتّى تَفضُلَ العَينُ أُختَها
:::وَحَتّى يَصيرَ اليَومُ لِليَومِ سَيِّدا
فَيا عَجَباً مِن دائِلٍ أَنتَ سَيفُهُ
:::أَما يَتَوَقّى شَفرَتَي ما تَقَلَّدا
وَمَن يَجعَلِ الضِرغامَ بازاً لِصَيدِهِ
:::تَصَيَّدَهُ الضِرغامُ فيما تَصَيَّدا
رَأَيتُكَ مَحضَ الحِلمِ في مَحضِ قُدرَةٍ
:::وَلَو شِئتَ كانَ الحِلمُ مِنكَ المُهَنَّدا
وَما قَتَلَ الأَحرارَ كَالعَفوِ عَنهُمُ
:::وَمَن لَكَ بِالحُرِّ الَّذي يَحفَظُ اليَدا
إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ
:::وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَئيمَ تَمَرَّدا
وَوَضعُ النَدى في مَوضِعِ السَيفِ بِالعُلا
:::مُضِرٌّ كَوَضعِ السَيفِ في مَوضِعِ النَدى
وَلَكِن تَفوقُ الناسَ رَأياً وَحِكمَةً
:::كَما فُقتَهُم حالاً وَنَفساً وَمَحتِدا
يَدِقُّ عَلى الأَفكارِ ما أَنتَ فاعِلٌ
:::فَيُترَكُ ما يَخفى وَيُؤخَذُ ما بَدا
في هذا المقطع يصف الشاعر حال ملك الروم وقائده الدمستق الذي قد نال الأخير هزيمة كبيرة أمام سيف الدولة، فترك المعركة هاربًا وقد ترك خلفه أولاده وجيشه أسرى ، فقد تحقق النصر وهرب الدمستق وهو مرعوب من هول المعركة، وترك الحكم والقيادة، وجنح إلى الدير متعبدًا تاركًا القيادة بعد هزيمته وسقوطه في عين شعبه.
أمّا سيف الدولة فنجد أنّ الشاعر يسقط عليه صفات البطولة، ويمدحه بالشجاعة والإقدام على خلاف عدوه الدمستق، حتى إنه يصفه بأنّه سيف الله المجرد على أعدائه، وكأنّه في ذلك يرسم لوحتين ويقارن بينهما، لوحة الشجاعة والهيبة والقوة التي يمثلها سيف الدولة، ولوحة الجبن والفرار والذل التي يمثلها الدمستق.
وفي هذه اللوحة ينتقل الشاعر من المقارنة التي عقدها بين سيف الدولة وملك الروم وقائدهم إلى المباركة بالنصر، فيصف هذا النصر بأنّه عيد، ولعل ذلك لإعطاء هذا الفوز صبغة دينية وقدسية، فالأعياد ترتبط بالأديان ، والفرح فيها واجب، وهذا الانتصار قد أوجب فرحةً تعادل فرحة العيد، بل إنّ سيف الدولة هو العيد بحد ذاته فهو الذي سبب هذا النصر وأوجبه.
ومن ثم يستكمل الشاعر مدحه بسيف الدولة ويصف حياته بأنّها كلها أعياد وانتصارات، ويرى أنّ صفة العفو عنده حاضرة، لكن الشاعر ينبه سيف الدولة على أنّ الإكرام يكون للكريم وليس للئيم الذي لن يقابل كرمه بإحسان، لكن الشاعر لا يأمر سيف الدولة إذ لا يصح أن يأمر شاعرٌ ملكًا، وإنما نجد تنبيهه مضمنًا، فهو يصف كرم سيف الدولة مع الأسرى الروم كمن يضع سيفه في الندى، فلا ينال إلا الصدى، ويستدرك الشاعر تنبيهه بأن وصف سيف الدولة بأنه الأكثر حكمة والأفضل دراية في أمور الحكم.
تحليل المقطع الثالث
أَزِل حَسَدَ الحُسّادِ عَنّي بِكَبتِهِم
:::فَأَنتَ الَّذي صَيَّرتَهُم لِيَ حُسَّدا
إِذا شَدَّ زَندي حُسنُ رَأيِكَ فيهِمِ
:::ضَرَبتُ بِسَيفٍ يَقطَعُ الهامَ مُغمَدا
وَما أَنا إِلّا سَمهَرِيٌّ حَمَلتَهُ
:::فَزَيَّنَ مَعروضاً وَراعَ مُسَدَّدا
وَما الدَهرُ إِلّا مِن رُواةِ قَلائِدي
:::إِذا قُلتُ شِعراً أَصبَحَ الدَهرُ مُنشِداً
فَسارَ بِهِ مَن لا يَسيرُ مُشَمِّرا
:::وَغَنّى بِهِ مَن لا يُغَنّي مُغَرِّدا
أَجِزني إِذا أُنشِدتَ شِعراً فَإِنَّما
:::بِشِعري أَتاكَ المادِحونَ مُرَدَّدا
وَدَع كُلَّ صَوتٍ غَيرَ صَوتي فَإِنَّني
:::أَنا الصائِحُ المَحكِيُّ وَالآخَرُ الصَدى
تَرَكتُ السُرى خَلفي لِمَن قَلَّ مالُهُ
:::وَأَنعَلتُ أَفراسي بِنُعماكَ عَسجَدا
وَقَيَّدتُ نَفسي في ذَراكَ مَحَبَّةً
:::وَمَن وَجَدَ الإِحسانَ قَيداً تَقَيَّدا
إِذا سَأَلَ الإِنسانُ أَيّامَهُ الغِنى
:::وَكُنتَ عَلى بُعدٍ جَعَلنَكَ مَوعِدا
في هذه اللوحة يخاطب الشاعر ممدوحه سيف الدولة ويطالبه بأن يؤدي واجبه تجاه صديقه، فهو يعاني من الحسد والبغض، وسيف الدولة هو السبب فصداقتهما موضع حسد الحساد، ونرى الشاعر يظهر فخره بنفسه، وهذا الأمر من عادات المتنبي في شعره، فيفخر بذاته بأنه ضارب بالسيف، مشهور بين الناس، حتى أنّ الزمن والسنين تعمل رواةً لأشعاره.
ونرى الشاعر يفخر بشعره، ويتغنى به، ويرى أن الشعراء يهتدون بهديه، وأن كل ما يقولونه تقليدًا له، ويطلب الشاعر من سيف الدولة أن يجزل له العطاء، فالمتنبي يعيش من خير سيف الدولة، فهذا الخير جعل المتنبي يلبس في حذائه وفي حوافر خيله الحجر الكريم، فهو يعيش في ظل ملك كريم يقدر الشعراء ويعلي مكانتهم.