موسى و السحرة
موسى و السحرة
جمع فرعون للسحرة لغلب موسى
أراد فرعون صدّ النّاس عن اتّباع موسى -عليه السّلام- وتصديقه، ولما رأى الخوارق المعجزة التي جاء بها موسى كالعصا موسى التي تحولّت إلى أفعى، ويده التي تخرج بيضاء من جيبه من دون مرض أو علة، لجأ فرعون إلى السّحر والشّعوذة لتحقيق غايته، فأراد فرعون من سحرته أن يتحدّوا موسى -عليه السّلام- ويأتوا بمثل ما أتى به موسى من العصي التي تتحول إلى أفاعٍ، ظنّاً منه أنّ ما فعله موسى سحراً، ففرعون لا يُميّز بين كون الأمر سحراً أم معجزة.
مواجهة موسى والسحرة
وعد فرعون سحرته أنّ لهم أجراً عظيماً إن غلبوا موسى في التحدي، قال -تعالى-: (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرعَونَ قالوا إِنَّ لَنا لَأَجرًا إِن كُنّا نَحنُ الغالِبينَ)،إضافة إلى أنّهم سيكونوا من حاشيته المقرّبين منه، وينالوا الجاه والمال، فاجتمع السّحرة مع موسى، وطلبوا منه أن يختار من يبدأ أولاً بعرض ما عنده.
لكن موسى طلب منهم أن يلقوا أولاً، وقد كانوا جميعهم من السّحرة البارعين، قال -تعالى-: (وَقالَ فِرعَونُ ائتوني بِكُلِّ ساحِرٍ عَليمٍ)، وما كان اختيار موسى لهم بأن يبدؤوا أولاً إلّا استهانةً بفعلهم، فقال السّحرة: (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ)، وألقوا حبالهم وعصيّهم، فامتلأ المكان بالحبال التي تتحرك كالأفاعي والثّعابين.
فوقع الخوف في قلب موسى من أن يصدّق النّاس ما رأوه، فجاءه الوحي الإلهيّ وطمأنه بأنّه الغالب عليهم، وأمره بأن يُلقي عصاه فألقاها فإذا هي تلقف وتأكل ما ألقوه، فتحولت العصا ثعباناً وأكلت جميع عصيّ السّحرة، قال -تعالى-: (فَغُلِبوا هُنالِكَ وَانقَلَبوا صاغِرينَ)، وقد ذكرت كتب التّفسير أنّ عددهم كان ستين ألف ساحر.
موقف سحرة فرعون من موسى
اندهش السّحرة ممّا رأوه من موسى -عليه السّلام- اندهاشاً عظيماً، وعلموا أنّ ما جاء به نبي الله موسى عليه السلام ليس سحراً وإنّما معجزة، فما كان منهم إلّا أن سجدوا لله ربّ العالمين، وآمنوا به دون أن يأبهوا لفرعون، وأخبروه أنّهم لن يخافوا الموت وأنّهم سيتحمّلون عذابه في سبيل رضى الله، وأعلن السحرة إيمانهم، ودخلوا في دين الله أفواجاً،قال -تعالى-: (قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ*إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ).،
فانصدم فرعون بما وقع منهم، حيث صاروا ضدّه بعدما كانوا معه، وقالوا له: (لَن نُؤثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ البَيِّناتِ وَالَّذي فَطَرَنا فَاقضِ ما أَنتَ قاضٍ إِنَّما تَقضي هـذِهِ الحَياةَ الدُّنيا* إِنّا آمَنّا بِرَبِّنا لِيَغفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكرَهتَنا عَلَيهِ مِنَ السِّحرِ وَاللَّـهُ خَيرٌ وَأَبقى) ، وقد رُوي أنّهم لمّا سجدوا لله -تعالى- رأوا الجنّة ومنازلهم فيها.
عاقبة سحرة فرعون
حاول فرعون أن يوهم السّحرة أنّ ما قام به موسى كان سِحراً، ثمّ أراد أن يظهر لهم شبهة أخرى، فقال: (قالَ آمَنتُم لَهُ قَبلَ أَن آذَنَ لَكُم إِنَّهُ لَكَبيرُكُمُ الَّذي عَلَّمَكُمُ السِّحرَ)، لكنّهم تمسّكوا بإيمانهم وأصرّوا عليه، فكان الابتلاء من الله لهم بما توعدهم به فرعون، فقال: (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) .
فلم يهمّهم ما توعدهم وقالوا: (لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ) ، ثمّ كان الابتلاء بأن عدد الذين آمنوا من أهل مصر كان قليلاً، قال -تعالى: (فَما آمَنَ لِموسى إِلّا ذُرِّيَّةٌ مِن قَومِهِ عَلى خَوفٍ مِن فِرعَونَ وَمَلَئِهِم أَن يَفتِنَهُم وَإِنَّ فِرعَونَ لَعالٍ فِي الأَرضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ المُسرِفينَ) ، فقد كانوا خائفين من أن يتعرّضوا للعذاب، فامتنع كثير منهم من الإيمان.