تحليل سيميائي لقصة الحمامة المطوقة
تحليل سيميائي لقصة الحمامة المطوقة
تدور أحداث هذه القصة على السنة الحيوانات في كتاب كليلة ودمنة ، إذ إن القصة تتمحور حول الصداقة الصادقة التي استفسر عنها الملك دبشليم من الحكيم بيدبا ليسرد له قصة الحمامة المطوقة التي صادقت جرذًا وكان لها وفيًا وسندًا عند الشدائد، فهذه القصة لو قُرِئت من منظور سيميائي سيجد المتأمل فيها دلائل كثيرة.
فالقصة ترمز للوفاء وأهميته ، وحاجة الملك لهذه الصفة بين أعوانه، فقصص كليلة ودمنة تعالج قضايا إنسانية مهمة تنبثق من واقع الحياة، لكن الحكيم بيدبا وظف الحيوانات لتكون هي شخصيات قصته ابتعادًا عن التصريح في مخاطبته للملك، حتى يتسنى للملك الوصول لغايته والتسلي في ذات الوقت.
تحليل شخصيات قصة الحمامة المطوقة سيميائيًا
شخصية الحمامة المطوقة
تعد شخصية الحمامة رمزًا للقائد الفطن القادر على توحيد رعيته في أشد الشدائد، فعندما سقطت هي وسربها في فخ الصياد اندفعت تنصحهم بتوحيد جهودهم وتنظيم عملهم بدلا من بذل الجهد لأن تفر بنفسها، فاستطاعت أن توحدهم، وأن تدير رحلة هروبهم، فكانت تأمرهم بالطيران بين الشجر والفروع هربًا من عين الصياد.
وقد استطاعت الحمامة أن تبلغ بسربها بر الأمان لقيادتها الحكيمة، ومن ثم توجهت بهم إلى جحر جرذ دفعته صداقته مع الحمامة إلى تخليصهم من الشباك بقرضه لها، فالحمامة المطوقة كانت ترمز للقائد صاحب الحنكة في إدارة المواقف والأزمات، فلم تهرب من الأزمة بل قادت السرب للخلاص منها إضافة إلى كونها تشيد التحالفات مع الثقات الذين يهبون لمساعدتها.
شخصية الجرذ
تعد شخصية الجرذ من الشخصيات النامية في السرد فهو كان يمثل السلطة التي تشتري الولاء بالأموال والطعام، ويمثل الشخص الذي يستند على المال في تشييد هيبته ووقاره.
إذ كان يعيش في بيت ناسك ويتغذى على ما يخزنه هذا الناس من طعام، وكان يسرق العام ويطعم رفاقه الجرذان الذين أطاعوه وسيدوه عليهم، حتى جاء يوم حضر فيه ضيف للناسك، فحفر جحر الجرذ واستخرج المال الذي خزنه الجرذ فضاعت هيبته.
فكان فقدان المال نقطة تحول عند الجرذ فقد خسر سلطته المزعومة على الجرذان وخسر شجاعته ونظرته إلى نفسه، فلم يعد يستطيع سرقة الطعام لما أصابه من خذلان فانصرف إلى البرية وصادق الحمامة المطوقة، ليكون صديقًا وفيا لها، بعد أن أدرك أن المال هو دافعه للجشع.
شخصية الغراب
تمثل شخصية الغراب الشخص الفطن الذي يستكشف ما حوله ويتعلم من تجارب غيره ويأخذ الحيطة والحذر، فقد كان الغراب يراقب الحمامة المطوقة وسربها عندما وقعن في الفخ، لكنه لم يتدخل ليتعلم منهن كيفية تعلم حل المشكلة ، وقد تبعهن إلى بيت الجرذ، ورأى مساعدة الجرذ ووفائه، فاتخذه صديقًا مقربا.
إن شخصية الغراب تمثل الحاكم الذي يتعلم من أخطاء غيره ويعتبر بها، ويراقب تجارب الآخرين ويستفيد من نتائجها فكان بذلك محميًا من الوقوع في الزلل، قادرًا على تجاوز العقبات، لكنه في ذات الوقت كان وفيًا فلم يغدر بالجرذ ويأكله، فقد رأى أن منفعته تكمن بحياة الجرذ لا بموته، فكان يقدر العواقب ويحسب لها حسابًا.
شخصية السلحفاة
تمثل شخصية السلحفاة رمزًا للشخص الوفي، فقد رفضت السلحفاة أن تتخلى عن صديقها بعد أسره من الصياد، مع أن دورها لم يكن مهمًا في عملية الإنقاذ، بالإضافة إلى أنها ستكون عرضة للقتل أو الأسر بسبب بطء حركتها، لكنها أصرت على المشاركة رغبةً منها في إثبات وفائها.
وقد حدث في السرد أنها أُسرت بعد أن تم تحرير الضبية لكنها كانت تثق بأن ما فعلته سيكون له ردًا للجميل، فانتظرت قدوم صحبها لإنقاذها، لكونها فعلت المثل من قبل، وقد تم لها ذلك فعلا، فالسلحفاة تمثل الشخصية التي ترصد عمل الخير للمستقبل، وتفعل المعروف مع من يستحق لكونه سيرد هذا المعروف بسرعة عند الحاجة إليه.
تحليل الفضاء السردي
صارت أحداث هذا السرد في فضاء متخيل تمثل بالغابة، فقد كانت الأحداث تسير في إحدى الغابات كونها الموطن الطبيعي للحيوانات، لكن لعل لاستعمال الغابة كفضاء مكاني كان له دلالة، فالغابة تشبه عالم البشر، إذ تسودها قوانين البقاء التي تحكم للأقوى بالبقاء، فالحكيم بيدبا أراد تنبيه الملك إلى هذه الملاحظة، فهو يعيش في فضاء يجب أن يكون يقضى فيه حتى لا يتم استغفاله وخيانته.