تحليل رواية كافكا على الشاطئ (رواية يابانية)
التحليل الموضوعي لرواية كافكا على الشاطئ
تدور أحداث الرواية في فلك فلسفي واسع؛ حيث يبحث الإنسان عن الوجود، وهي ترتكز على وجود شخصيتين هما سبب تحقيق التوازن في القصة؛ وتتمثل الشخصية الأولى في شخصية كافكا الطفل الذي يُغادر من طوكيو بعد أن يستشير غرابه لفعل ذلك وينجح في ذلك الأمر فعلًا ليصل إلى إحدى المكتبات التي يجلس فيها ويبدأ بالقراءة عن كل شيء.
تربط الطفل علاقة صداقة قوية مع أمين المكتبة، في أثناء تلك الفترة يكون والده قد تعرض للقتل، وتبدأ الأنظار بالاتجاه إلى كافكا بسبب غيابه عن ساحة الريمة، وعدم معرفة مكانه في أثناء وقوعها، عدا عن تنبؤ والد كافكا أنّ كافكا نفسه سيُضاجع أخته، ويتزوج من أمه، وسيقتل والده، وهنا تتجسد عقدة أوديب في هذه الرواية .
تكون والدة كافكا منفصلة عن والده وهو لا يعرفها، وتتسارع الأحداث ليلتقي كافكا بأمه ويُضاجعها دون أن يعرف أنّها أمه، وبذلك يكون الكاتب قد استقى بعض الشيء من الأساطير الإغريقية.
أمّا الشخصية الثانية فهي شخصية العجوز ناكاتا الذي يفقد ذاكرته إثر حادث حصل معه في الحرب العالمية الثانية، فيستيقظ جاهلًا القراءة والكتابة وأميًا لا يعرف أي شيء، لكن تُصبح لديه موهبة الفهم على لغة القطط.
التحليل الأسلوبي لرواية كافكا على الشاطئ
استخدم الكاتب الأسلوب المباشر في روايته، فبدأ بالأحداث فورًا حتّى إنّه استخدم الحوار في بداية الرواية، وربّما يعود ذلك إلى الأفكار الجريئة التي يطرحها الكاتب، والتي تتطلب منه أسلوبًا مباشرًا في قصّ الرواية، ويأتي كذلك على وصف الحالة النفسية التي تشعر الشخصية بها بمعنى آخر إنّه اعتمد على التفصيل كثيرًا في الرواية.
حاول أن يُحيط بكل ذلك دون أن يخدش من روح الرواية، ويهيم بها إلى وادي الإغراق في التفصيل المؤدي إلى الملل، واستعمل الكاتب التقديم والتأخير في العبارات، وربما يعود ذلك إلى النفسية التي تتمتع بها الشخصية، فمعظم الشخصيات التي وردت في الرواية لم تكن تتمتع بالسلام النفسي على الإطلاق.
حاول أن يجذب القارئ عبر الأخيلة والصور التي استعملها في عرض الرواية كثيرًا، واستعمل الكاتب السرد في مواضع كثيرة؛ إذ يُمكن أن تمضي صفحتين والشخصية تنطلق في شعورها تهيم بالعواصف التي تضجّ في داخلها.
حاول الكاتب أن يدمج ما بين المواضيع الفلسفية بخفة عالية، مع الأسلوب المُتبع في الأساطير اليونانية، مع أسلوب الرواية الحديثة، ليخرج بعد كل ذلك بلوحة منقطعة النظير في جمالها، وكذلك في عذوبتها.
الاستعارة والصور الفنية في رواية كافكا على الشاطئ
لا يُمكن للرواية أن تكون ناجحة ما لم يتمكّن الكاتب من خلق جوٍّ خاص به عبر مجموعة من الصور الفنية و الاستعارات التي يتقن الكاتب نثرها ، وهذا بالضبط ما استطاع الكاتب فعله؛ حيث تناول القارئ من كتفيه ودفعه دفعًا ليرى نفسه في أقوال الشخصيات وتصرفات الأبطال، وأنّ كل شخصية من تلك الرواية بمثابة نفسه الناطق.
من جملة ما جاء في الرواية من حديث: "كل منا يفقد شيئًا عزيزًا عليه فرصًا، إمكانيات، مشاعر لا يمكننا استعادتها أبدًا، كل هذا جزء من معنى كوننا نعيش ولكن في داخل رؤوسنا -أو هذا ما أتصوره أنا- نخزن الذكريات في غرفة صغيرة هناك، غرفة كالرفوف في هذه المكتبة".
"ولنعي الأعمال التي كتبتها قلوبنا، علينا أن نصنفها وننظمها ببطاقات، ونزيل عنها الغبار من حين لآخر، ونجدد لها الهواء، ونغير الماء في أواني الزهور بكلمات أخرى، ستعيش إلى الأبد في مكتبتك الخاصة بك".
استعمل الكاتب في هذا المقام صورة معقدة؛ قامت على مجموعة من العبارات المتلاحقة، فشبّه في بادئ الأمر المشاعر بالإنسان الذي يضيع ويختفي ويظهر، ثمّ أتى بعد ذلك على الإسراف في توصيف الذاكرة فتلاحقت العبارات بعضها تلو بعض كأنّها مجموعة من نجوم الدب الأكبر في السماء.
الحوار والسرد في رواية كافكا على الشاطئ
الحوار هو المادة التي يتمكّن الكاتب من خلالها أن يُوصل مجموعة الأفكار إلى القارئ دون أن يتدخل بشكل مباشر، ومن ذلك ما جاء على لسان أحد شخوص الرواية:
يجب أن تنظر وهذه قاعدة أخرى من قواعدنا، إغماض العينين لن يغير شيء لا شيء سيختفي لمجرد أنك لا تريد أن تراه، بل ستجد أن الأمر ازداد سوءًا في المرة التالية التي تنظر فيها هذا هو العالم الذي نحيا فيه، أبق عينيك مفتوحتين على وسعهما الجبان فقط هو من يغمض عينيه إغماض عينيك وسد أذنيك لن يوقف الزمن".
استطاع الكاتب من خلال هذا الطرح في الرواية أن يُقدّم بشكل واضح فلسفته في الحياة، فلسفة الحذر التي يجب على كل إنسان تبنيها حتى يخرجه من اللعبة بنجاح دون أن يخسر نفسه ولا ذاته، ولا يهوى في مستنقع الحياة دون أن يلتفت إليه أي أحد.
تحليل شخصيات رواية كافكا على الشاطئ
وردت مجموعة من الشخصيات في رواية كافكا على الشاطئ من بينها ما يأتي:
- كافكا
الشخصية الرئيسة في الرواية، وهو الابن الذي يبلغ من العمر خمسة عشر عامًا، والذي غادر طوكيو من أجل أن يعيش وحده.
- ناكاتا
الشخصية الرئيسة الثانية في الرواية، وهو العجوز الذي أُصيب في الحرب العالمية الثانية، وأثر ذلك بشكل مباشر على ذاكرته.
- هوشينو
واحد من شخصيات الرواية لكنّه للأسف يعيش حياته من دون أي هدف يرسمه لنفسه، حاول أن يعمل غير ذلك العمل لكنّ مصيره كان الطرد دائمًا.
رواية كافكا على الشاطئ، تلك الرواية التي حاول الكاتب من خلالها أن يُوصل الأفكار العبثية الفلسفية التي تُسيطر على حياة الإنسان، ويُوضح المشكلات التي تتعرض لها كل شخصية ومدى إمكانية حدوث ذلك في الواقع.