تحليل رواية العواصف
التحليل الموضوعي لرواية العواصف
تحدّث الشاعر والفنان والروائي اللبناني جبران خليل جبران في روايته "العواصف" عن ثلاثة مواضيع بنزعة فلسفية أدبية بليغة، وهي: الحياة، والموت، والحب، وسلّط الضوء على العادات والتقاليد التي يغرق فيها الشرق، وصوّرها بأنّها شكل من أشكال العبودية، التي يجب التمرّد عليها، وعدم الانسياق وراءها بشكل أعمى، وأن هذا القبول ما هو إلا خنوع وتخاذل يعبر عن العلة والمرض.
يدعو جبران -وهذا من مواطن القوة لديه- في كتاباته كلها عمومًا، ورواية العواطف خصوصًا، إلى التفكير العميق، وهذا ما يجعل الأشخاص التي لا تجرؤ على التفكير، لا تقرأ لجبران ولا تحب كتاباته، وتتكون رواية العواصف من عدة مواضيع لكل منها عنوان، وهي مكتوبة باللغة العربية وتقع في 166 صفحة، وقد نشرت في عام 1920م.
التحليل الأسلوبي لرواية العواصف
من المعروف عن جبران أنه أديب التمرد، الذي طالما ما يثور على العادات والتقاليد الظالمة، ويدعو إلى التحرر من الخوف والعبودية والذل الذي بات في النفوس، بسبب قيود المجتمع وعاداته، والذي أدى إلى القضاء على الإرادة الحرة الخلاقة التي كانت ستجعل الإنسان مثاليًا ومتفوقًا.
ثار في روايته على عادات الناس وتقاليدهم، وأشاد بجمال العزلة عنهم، ربما لأنه شعر بأنّ ثورته لا أمل منها، خصوصًا وهو يسعى لقلب النظام الذي عرفه العالم، والذي يبدأ منه وينتهي إليه، وهذا ما تجلى بوضوح في قوله:"قد تكون المدينة الحاضرة عرضًا زائلاً، ولكن الناموس الأبدي قد جعل الأعراض سلمًا تنتهي درجاته بالجوهر المطلق، وإذن على من أو على ما نثور ما دام في الكون ناموس أبدي، وما دام كل ما في الكون خاضعاً لذلك النظام".
ينوّع جبران في روايته بين المشاعر؛ إذ إننا نجده يعود بنا تارة إلى وصف المشاعر الوجدانية والحب، وما يتبعه من ألم وشوق وحنين، وتارة يميل بأسلوبه إلى وصف مشاعر الغربة والوحدة والشعور بالكآبة والوحشة، وهذا ما يتجلى بوضوح في قوله: "أنا غريب في هذا العالم، أنا غريب وقد جبت مشارق الأرض ومغاربها، فلم أجد مسقط رأسي ولا لقيت من يعرفني".
الاستعارة والصور الفنية في رواية العواصف
برع جبران في التشبيه اللاذع في روايته "العواصف"، الذي استخدمه ليعبر عن مدى سوء ما يشعر به من نفاق حوله، فيقول: "انظر فهذا كالخنزير قذارة أما لحمه فلا يؤكل، وهذا كالجاسوس خشونة أما جلده فلا ينفع، وذلك كالحمار غباوة ولكنه يمشي على الاثنتين، وذلك كالغراب شؤما لكنه يبيع نعيبه في الهياكل، وتلك كالطاووس تيهًا وإعجابًا أما ريشها فمستعار".
نجد أنه وصف حال بعض البشر فلكلّ منه صفة مختلفة شبهه فيها بأحد الحيوانات والطيور، فهذا كالخنزير في قذارته فلا يؤكل لحمه، وهذا كالحمار في غباوته الفرق أنه لا يمشي على أربع، وهذا نذير شؤم كالغراب، وهذه كالطاووس المعجبة بنفسها لكن ريشها مستعار، وفي تشبيه بليغ آخر لخياله يصفه جبران قائلًا: "هو خيالي يسبح مرفرفًا بين الغيوم".
استعان جبران بالاستعارات التي وصلت المعنى لأعمق درجات الإحساس بسهولة، فمثلًا نجده يقول: "عندما جن الليل وألقى الكرى رداءه على وجه الأرض تركت مضجعي وسرت نحو البحر قائلًا في نفسي: البحر لا ينام. وفي يقظة البحر تعزية لروح لا تنام"، إذ استعار جبران بعضًا من صفات البشر كالنوم واليقظة وجعلها للبحر، وهي استعارة مكنية تضفي معنى بليغ لا غنى عنه في عالم الأدب.
في تشبيه بديع آخر لأهمية الحب يقول جبران: "الحياة بغير الحب كشجرة بغير أزهار ولا ثمار، والحب بغير الجمال كأزهار بغير عطر وأثمار بغير بذور، الحياة والحب والجمال ثلاثة أقانيم في ذات واحدة مستقلة، مطلقة لا تقبل التغيير ولا الانفصال"، إذ إنه شبه الحياة بدون الحب كشجرة لا قيمة لها دون أزهار أو ثمار، وأن الحب بغير الجمال كأزهار لا عطر لها وثمار ما بها بذور.
الحوار والسرد في رواية العواصف
اهتمّ جبران بالحوار والسرد في روايته، فقد استخدم كل منهما في الموضع المناسب، فلم يُكثر من الحوار خشية إفساد المعنى، ولم يقلّل منه فيُصيب القارئ الملل، ويتجلى الحوار في مواضع عدة لديه، فمثلًا نجده قال: "قلت: دعني وشأني وسر في سبيلك، فقال مبتسمًا: ما سبيلي سوى سبيلك؛ فأنا سائر حيث تسير، ورابضٌ حيث تربض".
في حوار آخر يصف فيه العلاقة بين الغني والفقير على طريقة مناظرة صغيرة، يقول: "قلت إن القوم في هذه المواسم يعطفون على بعضهم بعضًا، فالغني يذكر الفقير، والقوي يرحم الضعيف، فأجاب: نعم، وما رحمة الغني بالفقير سوى نوع من حب الذات، وليس انعطاف القوي على الضعيف إلا شكلًا من التفوق والافتخار".
ويضيف: "قلت: قد تكون مصيبًا، ولكن ماذا يهم الفقير الضعيف ما يجول في باطن الغني القوي من الرغائب والأميال؟ إنّ الجائع المسكين يحلم بالخبز، ولكنه لا يفكر بالكيفية التي يعجن بها الخبز، فأجاب: إن الموهوب لا يفتكر، أما الواهب فيجب عليه أن يفتكر ويفتكر طويلًا".
آراء نقدية حول رواية العواصف
يشيد القراء بقدرة الكاتب على استخدام المفردات المركبة واللوحات الشعرية البديعة في كل كتاباته، لا سيما في رواية العواصف التي تعد من أهم مؤلفات جبران خليل جبران ، ناهيك عن التشبيهات التي يستخدمها والتي وصفوها بـ"العبقرية"، وقالوا إنّها ما تجعل لأعماله بصمة تظل في النفوس مهما مرت من سنوات على قراءة الرواية.
دعا جبران في هذه الرواية للتفكر والثورة على كل ما هو ثابت، ثورة على النفس والعادات والتقاليد العمياء، فنجد أنه ناقش كل المواضيع: الحب، والدين، والحياة، والموت، وحاور كل ما لا يمكن محاورته؛ إذ إنّه كلّم البحر وحاور الجن، واحتقر كل أشكال العبودية.
نوّع جبران في "العواصف" بين القصص القصيرة التي بلغ عددها سبع وبين المقالات المتنوعة، التي كان بعضها كحكايات رمزية، وبعضها في النقد الاجتماعي، وبعضها الآخر يصف فيه الثورة العنيفة حينًا، ومشاعر الحب والألم والوحدة والكآبة حينًا آخر بطريقة مؤثرة جدًا.