تحليل رواية البحث عن وليد مسعود
تحليل رواية البحث عن وليد مسعود
البحث عن وليد مسعود ذلك الشخص الذي يبحث عن الوطن والإنسان، فقد جسد حكاية عائلته التي نزحت من بيتها ومن بلدها دون أن يندى جبينها أو تقبل الهزيمة، بل هي حكاية كل عائلة فلسطينية، فقد صور في روايته قصة كل النازحين واللاجئين الفلسطينين، وقصة ثورة لم تستسلم للذل يوماً ما، وليد مسعود الذي يتقلب بين جمرات البطولة والضياع والثبات أو أن يكون مشروع شهيد يقدم نفسه فداء للوطن.
كما أن الحوار الداخلي القائم بين شخصيات الرواية وكأنهم يتحدثون بلسان وليد مسعود عن نفسه فهم يتحاورون في الصراعات الفكرية والفلسفية التي تشغل فكره، فهو يحاول المواءمة بين حياته وغرامياته وقصته النضالية في فلسطين.
الزمان والمكان في الرواية
وليد مسعود أو البطل الغائب والذي جعله جبرا إبراهيم أسطورة الرواية والمحور الرئيسي فيها فالأحداث كلها تدور حوله، رغم غيابه الجسدي عن نقطة التحول الفاصلة في الرواية، كما أنه المحرك الحقيقي لأحداث الرواية التي تبدأ منذ اختفائه عندما كان يقود سيارته الخاصة بين بغداد ودمشق، فقد وُجدت سيارته خالية منه، مُصطفة على قارعة الطريق بدونه، وعثر بداخلها على تسجيل صوتي يظهر تمتماتٍ كان يتفوه بها وليد مسعود على استحياء، كأنها صورة في خجل الشاعر من حديثه عن نفسه.
فوليد مسعود يبدأ الحديث عن نفسه حتى تنتهي الرواية وهو يصور آلام الغربة والفقد، كما يصور غرامياته وغرائزه التي لم يحققها يوماً، بالإضافة إلى حالة الصراع الفكري المملوءة بالتفكير حول ما يدور في بلده الذي تركه وراءه هارباً من واقعه الأليم، وبين وليد مسعود الجبان الهارب من واقعه ينقل الكاتب صورة وليد مسعود العائد إلى بلده وهو شجاع وقد نضج واكتمل عقله، في صورة دفاع عن شخصية البطل لكي يحاول القارئ التماس العذر لهذا الشخص.
الشخوص
قدم جبرا إبراهيم شخوص الرواية في اثني عشر فصلاً قسمها بحسب تسلسل الأحداث فيها، ويقوم على سرد الأحداث ثماني شخصيات روائية هي: وليد مسعود وخُصص له ثلاثة فصول، وجواد حسني وخُصص له ثلاثة فصول أيضاً، وكاظم إسماعيل، وعيسى الناصر بفصل واحد، ومريم الصفار بفصل واحد، ومروان وليد ابن وليد مسعود بفصل واحد، ووصال رؤوف بفصل واحد، وإبراهيم الحاج نوفل بفصل واحد.
لا بد للقارئ أن يتساءل عن وجه العلاقة بين رمزية وليد مسعود في الرواية وبين الواقع الذي تعيشه فلسطين ، فالمتمعن في قراءة رواية البحث عن وليد مسعود يستنتج من خلالها أن الكاتب كان يقصد البحث عن فلسطين بأنها ستعود أم لا، بمعنى أن الكاتب كان يتقمص شخصية فلسطين، ويقارن الحياة فيها قبل الهجرة وبعد أن أنهى تعليمه وقرر العودة إليها، ويتساءل في نفسه وهو ما يتبادر إلى ذهن القارئ بأن فلسطين ستعود يوماً ما أم أن القضية ستبقى مفقودة؟
رمزية اسم (وليد مسعود)
لعل الاسم الذي اختاره جبرا إبراهيم جبرا لروايته لم يكن عبثاً فقد قلنا أنه تأثر بالمسرح الشكسبيري، فاسم الرواية يوحي برمزية قوية تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهي البحث، ووليد، ومسعود، فكلمة البحث توحي بمدلولاتها أن المؤلف من خلال شخصية وليد مسعود ما زال يبحث عن هويته ووطنه وأحلامه وغرامياته التي فقدها مقابل الاغتراب في ظل تشرذم الوطن ومعاناته، فقد بقيت عالقة في ذاكرته ولم تغادرها.
أما كلمة وليد وهي ما توحي بولادة البشارة أو بولادة الخلق الجديد بعد مخاض صعب للغاية وظروف واقعية متناقضة، أما كلمة مسعود فهي تحمل مدلولات السعادة التي لا تمتُّ للواقع بصلة نتيجة الواقع الذي كان يعيشه جبرا إبراهيم في الغربة عن وطنه.
التعريف بالروائي جبرا إبراهيم جبرا
هو جبرا إبراهيم جبرا وُلد في فلسطين عام 1922م، غادر بلده وهو في السادسة والعشرين من عمره متوجهاً نحو بريطانيا وأمريكا ليستكمل تعليمه، ومما لا شك فيه أن جبرا إبراهيم قد تأثر بالمسرح الشكسبيري العالمي، الأمر الذي جعله يكون حقلة وصل بين المكتبة العربية والمكتبة الغربية، فقد نقل خبرته التي تعلمها والتي انعكست على أعماله الأدبية.
ألف أكثر من سبعين كتاباً في مختلف صنوف الأدب فتراه مبدعاً في النقد التشكيلي و الشعر والرواية، وبعد أن أتَمَّ تعليمه اختار بغداد لتكون ملاذه الآمن، فقد وقع في سحر المجتمع العراقي، الأمر الذي جعل بغداد في نظره مكاناً تخيلياً لروايته التي كانت نقطة البداية لحركة التجديد في البنية الروائية العربية التقليدية.