تحليل رواية الأبله
التحليل الموضوعي لرواية الأبله
تعدّ رواية الأبله روايةً فلسفية درامية من أشهر مؤلفات دستويفسكي ، وتتحدث عن الشخصية ميشكن الأمير الثريّ الذي كان الجميع يلقبونه بالأبله بسبب طبيعة تصرفاته وطيبة قلبه وعفويته، حين يعود من سويسرا التي كان يتعالج فيها من مرض الصّرع إلى روسيا حيث يلتقي بالجنرال إيبانشين وبناته الثلاث.
فتبدأ قصة حب بين ميشكن وأغلايا أجمل بنات الجنرال التي كانت تلقبه بالأبله على الدوام رغم ما تخفيه من إعجاب له، ليتعرف بعدها على نستازيا المرغوبة لدى الجميع والتي توقعه في الحيرة بين اتباع الحب الرومانسيّ مع أغلايا أو الحب الوجداني المخلوط بالعطف الذي يحمله لنستازيا.
مع وجود القبول له من امرأتين فإنّه يثير الغيرة في نفس صديقه الذي يقتل نستازيا ويترك جثتها إلى أن يحضر ميشكن قبل أن تأتي الشرطة في الصباح وتأخد روجوجين إلى الحبس ليعود البطل بعدها إلى المصحة في سويسرا، أمّا عن أغلايا فتتزوج من رجلٍ ثريّ مكروه لدى عائلتها لتكتشف لاحقًا أنه لا يمتلك أيّ ثروة.
التحليل الأسلوبي لرواية الأبله
يتبع دستويفسكي تقنيات ذكية في جعل القارئ لا يتوقع ما ستقوله أيّ شخصية في الحوارات، ويجعلنا ننظر لعالم الرواية من خلال عيون الشخصية الرئيسية ميشكن الذي على الرغم من وصفه بالأبله إلّا أنّه شخص حساس عميق التفكير والذي يريد أن يصوّر لنا من خلاله عالم الغرباء.
ثم ينتقل ليرينا العالم من منظور شخصية أخرى ينتقيها اعتمادًا على وجهة النظر التي يريد إيصالها والجو العام الذي يريد خلقه، فيظهر لنا على سبيل المثال سطحية العالم من خلال عيون الشخصية ليزافيتا، وهكذا يتعامل مع الشخصيات والقارئ في رسم الجو العام للقصة وتحديد مجرياتها.
ويميل الكاتب إلى إظهار العلاقات المعقدة بين الشخصيات؛ كعلاقة الأمير ميشكن بقاتل حبيبته أنستازيا والذي كان قادرًا على التعاطي معه في حوار طويل بعده أن قتلها.
الاستعارة والصور الفنية لرواية الأبله
عمد دستوفسكي إلى استخدام التشبيهات والاستعارات بمختلف أشكالها فقد استخدمها للجمادات كاستعارة "خجولٌ كمعكرونة" وهي استعارة ليست بالمألوفة لدى جميع القرّاء إلّا أنّها مستخدمة في الثقافة الروسية، وأيضًا استخدام الاستعارة في التوصيف البشري "ملابسه غريبة كألماني" معروف أنّ الشعب الألماني تستهويهم المظاهر الغريبة في الأسلوب.
واعتنى الكاتب في الصور الفنية التي اختارها بدقة لتتماشى مع الجو الذي يسري فيه الحدث، مثل تشبيهه لمن يعود لبيته وحيدًا مليئًا بالأفكار التي ستؤلمه في تدفقها كالدّاخل إلى النّار"ورجعتُ إلى بيتي كالداخل إلى النار".
الحوار والسرد في رواية الأبله
إنّ ميزة الحوار في الأبله أنّ الشخصيات قد تقيمه فجأة كمن يشاهد إعلانًا ما في أثناء متابعته لفليم، أو في منتصف محادثة ما، إذ أن الشخصيات تعرف ما الذي تتحدث عنه ولا نعرفه، كما أنّ السرد يعتمد على الحوارات التي تقوم بها الشخصيات بدلًّا من الرّاوي.
فالأحاديث هي التي تكشف لنا عن مجريات الرواية، وهو ما يسّمى الحوار التعبيري إذ سنقرأ أنّ إحدى الشخصيات تصف نسيان ميشكن اتجاه الباب دون أن نراه أو نعرف أنّ ميشكن كان قد همّ بالخروج وقد اصطدم بسبب نسيانه الطريق.
شخصيات رواية الأبله
يتميز أسلوب دستويفسكي بتعدد الشخصيات ف يالرواية أمّ فيما يتعلق برواية الأبله فالشخصيات كالآتي:
- الأمير ميشكن
بطل الرواية المصاب بالصرع والشاب الساذج البريء والعطوف الذي تلقبه جميع الشخصيات في الرواية (بالأبله) بسبب ذلك.
- أنستازيا
امرأة جميلة عشرينية تلقّب (بالمجنونة) ودائمة اللوم لنفسها بسبب عارها، تترد في الزواج من ميشكن لأنّها تعتقد أنها لا تستحقه.
- روجوجين
شاب ينحدر من سلالة سلسلة طويلة من التّجار، يحصل على ثروة كبيرة يحاول بها استمالة أنستازيا التي يحبها وترفضه لحين يقرر قتلها.
- أجلايا
ابنة الجنرال الشابة الجميلة التي تتصف بالغطرسة والطفولية في نزواتها والرومانسية والمثالي في الحب، تتملكها الغيرة بسببها ذهاب ميشكن إلى أنستازيا فتقرر الزواج بأيّ رجل.
- إيفولجين
شاب عقيم وغاني يتصف بالرداءة رغم حبه للأصالة وطموحه بالوصول إليها، يحب أجلايا إلا أنّه على استعداد للذهاب مع أنستازيا.
- إيفان
عضو ثريّ ومحترم في مجتمع سانت بطرسبرغ.
- ليزافيتا
زوجة إيفان سيدة عنيدة وتطمح لإيجاد أزواج مناسبين لبناتها الثلاث.
- إيفولجين
الأخ المراهق لأغلايا الذي يصبح لاحقً صديقًا لميشكن وهو فتىً يتصف بالبساطة واللطافة.
- فرديشينكو
رجل قبيحٌ ووقح، ينظر إلى النّاس برداءة رغم أنّه سكّيرٌ ولا أخلاقيّ.
- تيرنتييف
شاب استهلاكيّ يشعر بأنّه منبوذ من الطبيعة، يحاول تأكيد نفسه من خلال تبني وجهات النظر الخاصة حول الحياة والأخلاق ويحاول الانتحار فيفشل.
آراء النقاد حول رواية الأبله
من الطبيعي أن تنال أهم الروايات العالمية الناجحة نصيبها مضاعفًا من النقد والتحليل لإدراك النقاد للإبداع فيها، ولشهرة كاتبها، ومن أشهر ما جاء من انتقادات حول الأبله هو الآتي:
- اتباع الكاتب سياسية مقاطعة القارئ فجأة في أثناء انغماسه في حدث معين في الرواية ما قد يكون شعورًا مزعجًا بعض الشيء، يجعل القارئ على أهبة الاستعداد طوال القراءة.
- الاعتماد على الحوار في تبيان الأحداث في الرواية مع غياب الدور الفعّال للرّاوي يجعل القارئ يشاهد المشهد من خلال عيون الشخصية.
- استخدام الجمل الطويلة المتقطعة التي تتكدّس فيها الفواصل وعلامات الترقيم تُشعر القارئ يشعر بضيق تنفس والغضب.
إنّ عبقرية دستوفسكي قادرة على جذب القارئ إلى داخل الرواية ليعيش أحداثها مع الشخصيات، لقد قدّمت لنا رواية الأبله والذي لا ينقصه التفكير أو الشخصي لينال هذا اللقب قصة أمير مريض يقع في الحيرة بسبب حب امرأتين، متأملين الشخصيات المختلفة التي دعمت قصة الرواية والتي ألبسها دستوفسكي التنوّع النفسي والفكر والمادي لنتفاعل معها جميعًا.