تحليل أحداث مسرحية بجماليون
التحليل الموضوعي لمسرحية بجماليون
مسرحية بجماليون تنتمي إلى المسرح الذهني للكاتب توفيق الحك على وجه التحديد، تدور الأحداث مع بطل الأسطورة بجماليون الذي يعيش حالة نفور من النساء بسبب ظنه أنّ المرأة هي المخلوق المتناقض الذي تأتي منه البلايا والرزايا والابتعاد عنه هو غنيمة من الغنائم، ولا بدّ على الإنسان من أن يعيش بعيدًا عن مصدر العذابات في هذه الأرض.
يعمل بطل الأسطورة نحاتًا فيخطر له أن ينحت تمثالًا على صورة امرأة، فيضع كل خبرته في ذلك التمثال ويصنع بمهارة عالية إلى أن يتمنى أن تنبض الروح بذلك التمثال الذي أحبه، فتتدخل آلهة من الآلهة لأجل أن تضع الروح في تلك المرأة ويعيش معها في سعدة وهناء، ثم يتزوج النحات من ذلك التمثال بعد أن تهب الآلهة له الروح وتنجب له الكثير من الأولاد.
التحليل الأسلوبي لمسرحية بجماليون
مال توفيق الحكيم في أغلب كتاباته المسرحية إلى المسرح الذهني؛ حيث لا شخوص على أرض الواقع، وحاول في كتابته لمسرحية بجماليون أن يملأها بالرموز ويحشدها بالمعاني والدلالات، وامتاز أسلوب حكيم في المسرحية بالدقة العالية في تصوير المشاهد من خلال ربط القارئ بالواقع والمسرحية في آنٍ معًا.
بحيث يعلم الأسباب النفسية لبطل المسرحية التي تجعل منه بهذه القسوة ضد النساء، واستطاع الحكيم من خلال دمجه للأسطورة مع الواقع وقدرته على التحكم بالشخصيات كأنّها خيوط بين يديه أن يصوّر بدقة ببضع من الجمل البسيطة ما لا يقدر كاتب آخر على تصويره بعدة صفحات.
لا يغفل الحكيم مع كل ذلك توفير عناصر بناء الشخصية تصوير الحالات النفسية والانفعالات الداخلية لأي شخصية من شخصيات الرواية سواء أكانت من الآلهة أم حتى بطل الرواية، حيث يُبرز الأسباب التي تؤدي إلى ذلك الانفعال بدقة عالية، أي أنّه يهتم بدقة تصوير المشاهد التي يرسمها معًا كلوحة فنية منقطعة النظير، واستطاع أن يُطوع الألفاظ للمعاني فلا تشذ واحة منهما عن الأخرى.
البناء الفني في مسرحية بجماليون
استطاع توفيق الحكيم من خلال مجموعة الصور التي أدرجها في مسرحيته أن يأخذ القارئ إلى عالم آخر، فلم يدخر جهدًا في إدراج الكناية ولا التشبيه ولا الاستعارات، فامتازت مسرحيته بالبلاغة العالية المشوبة بالأدب اليوناني.
برز ذلك حين قال: "آه أيّها الشقي، كيف أستطيع الخلاص منك؟ أنت الذي أراه ماثلًا أمام وجهي دائمًا، إنّي إذ أنحني على الغدير الرّاكد في أغوار نفسي لِأرى صورتي، إنّما أُبصر صورتك أنت نعم، أنت بِزَهوك الأجوف وكبريائك وحمقك وعماك، أنت الشّطر الجميل العقيم من نفسي، أنت الخطيئة التي كتب على كل فنّان أن يحمل وزرها، الافتتان بالنّفس الافتتان بالذات" ، فيُشبه الكاتب المشاعر التي تختلج في روح البطل بمثابة الغدير الهادئ الراكد أي النهر الصافي الذي يتطلع فيه الإنسان لرؤية ذاته ونفسه.
الزمان والمكان في مسرحية بجماليون
تدور أحداث المسرحية في عدة فصول، وهي:
- الفصل الأول
تدور الأحداث المكانية في هذا الفصل بمنزل جماليون، وكذلك النافذة ولكنها تعد مكانًا ثانويًا في هذا الفصل، أمّا الزمان فهو في الليل وعلى وجه الخصوص في ليلة الاحتفال بالآلهة فينوس.
- الفصل الثاني
تدور أحداث الفصل الثاني من فصول المسرحية في كوخ الغابة وكذلك عند النافذة، ولكنّ المكان الرئيس ما يزال البهو الخاص بمنزل بجماليون، أمّ الزمان فهو في في الليل وبالتحديد عن ساعدة الأصيل.
- الفصل الثالث
تتنقل كاميرا المسرح الذهني في هذا الفصل بين عدة أماكن بشكل متساو وهي بهو دار بجماليون وكذلك الكوخ في الغابة وأيضًا عند النافذة، أمّا التوقيت الزماني فهو في ليلة هادئة مقمرة.
- الفصل الرابع
في الفصل الأخير من فصول الرواية تدور الأحداث في منزل بجماليون وكذلك في كوخ الغابة حيث انتهاء الرواية ودبّ الروح بالتمثال، وأمّا الزمان فهو في ليلة شديدة الظلمة.
الشخصيات في مسرحية بجماليون
تعددت الشخصيات في مسرحية بجماليون بينها:
- بجماليون
وهي الشخصية الرئيسة في المسرحية التي أسهمت في تصعيد أحداث المسرحية والوصول بها إلى عقدة الحل، وهو الرجل الذي عزف عن جنس النساء بسبب مَن قابلهن من النساء غير الأخلاقيات.
- جالاتيا
التمثال الذي نحته البطل من العاج، والذي تحول في نهاية المسرحية إلى امرأة لها روح ليتزوج منها بجماليون.
- فينوس
الآلهة المسؤولة عن بعث الروح في التمثال الذي نحته بجماليون.
- نرسيس
واحد من شخصيات المسرحية وكان بجماليون قد عكف على تربيته، وهو بمثابة الابن والصديق له ويُعد واحدًا من الشخصيات الفاعلة في المسرحية.
الحبكة والحل في مسرحية بجماليون
تكمن الحبكة في مسرحية بجماليون عندما انتهى النحّات من تمثاله وصار يتملكه فإذا هو امرأة جميلة، فصار يدعو الآلهة ويناشدها من أجل أن تجب الروح بذلك التمثال، اللحظة الحاسمة في هذه الرواية هي عندما استدابت الآلهة لبجماليون وعاد ليقبل التمثال كعادته فوجده قد أصبح امرأة لها روح.
آراء وانتقادات حول مسرحية بجماليون
تنوعت الآراء حول هذه المسرحية ومن بينها:
- محمد مندور
" يخبرنا المؤلف في الفصل الأخير من مسرحيته أن نرسيس إنما هو مجرد رمز للجانب الإنساني في الفنان، بينما يرمز بجماليون إلى النزعة الفنية الخاصة في الفنان، وكأن الشخصيتين تمثلان النزعتين المتصارعتين داخل المؤلف نفسه أو داخل كل فنان من النوع الذي يصوره المؤلف".
- محمد عارفين
"يمتاز أسلوب توفيق الحكيم بالدقة والتكثيف الشديد وحشد المعاني والدلالات والقدرة الفائقة على التصوير".
ختامًا، إنّ بجماليون ليست مسرحية فحسب؛ بل هي الصراع ما بين الفن والحياة، صراع يعيش في دوامته كل فنان يُحاول أن يُظهر خلجات نفسه إلى العالم الخارجي، ليكون هو نفسه بجماليون في صراعاته.