أحكام المسبوق في الصلاة
أحكام المسبوق في الصلاة
يُعرّف المسبوق: بأنّه المأموم الذي سَبقه الإمام بجميع الصلاة أو بعضها، ولِلمسبوق العديد مِنَ الأحكام الخاصّة به، ومنها ما يأتي:
- قراءة دُعاء الاستفتاح: فقد ذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يَستفتح إن كان الإمام قد بدأ بِالقِراءة، أو في حالة عدم قُدرته على إدارك الركعة معه إذا قرأه، وإن كانت الصلاة سِرّاً فيجوز له الاستفتاح ، وأمّا الشافعيّة فيرون استفتاحه إن أدرك الإمام في القيام في الركعة الأُولى أو غيرها، وغلب على ظنّه إدراك الإمام قبل رُكوعه، فإن خاف فوات الركعة فإنّه يكتفي بالفاتحة لأنّها أولى، وإن أدركه في غير القيام فلا يأتي بالدعاء، ويرى الحنابلة سُقوط الاستفتاح عن المسبوق إن جاءَ بعد الركعة الأولى.
- تكبيرة الإحرام عند نُزوله للرُكوع: اتّفق جُمهور الفُقهاء إلى وُجوب تكبيرة الإحرام على المسبوق إن أدرك إمامهُ راكعاً، وهنا يجبُ عليه الإتيان بها وهو قائم، وإن جاء بِبعض حُروفها في غير قيامه فلا تُعَدُّ له، وإن كبّر واقفاً أدرك الرُّكوع مع الإمام؛ لأنّ تكبيرة الإحرام من أركان الصلاة.
- مُتابعة المسبوق للإمام: أي عندما يبدأ المسبوق صلاتَه لوحدِه بعد سلام الإمام، فهل تكون بدايةُ صلاته أم آخرها؟ فذهب الجُمهور من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة على أنّها تكون بداية صلاته، ويقضي ما فاته من الصلاة، لِقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إذا أتَيْتُم الصَّلاةَ فلا تأتوها تسعَوْن وائتوها وعليكم السَّكينةُ، فما أدرَكْتُم فصلُّوا وما فاتكم فاقضوا)، وأمّا الشافعيّة فيَرون أنّها تكون آخر صلاته، لِقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إِذَا سَمِعْتُمُ الإقَامَةَ، فَامْشُوا إلى الصَّلَاةِ وعلَيْكُم بالسَّكِينَةِ والوَقَارِ، ولَا تُسْرِعُوا، فَما أدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وما فَاتَكُمْ فأتِمُّوا)، فيدُلُّ الحديث على أنَّ ما فاته هو أوّل الصلاة، فلو جاء في الركعة الثانيّة من صلاة الفجر وقنت الإمام، فإنّهُ يقنت المسبوق مرةً أُخرى على اعتبار أنّها الركعة الثانية بحقّه.
- اقتِداء المسبوق للإمام مُنفرداً خلف الصّفِّ: ويكونُ الحُكم هنا بِحسب الصورة، فلو ركع دون الصّفِّ؛ خوفاً من فوات الركعة، ثُمّ أدرك الصّفَّ والإمامُ لا زال في الرُكوع، ففيها قولان؛ الأول للحنفيّة بِكراهة ذلك، إلاّ في حال عدم وجود سِعةٍ في الصّفّ، والثانيّ قول المالكيّة والحنابلة وبعضُ الحنفيّة بجواز ذلك، واستدلّوا بما ورد عن بعض الصحابة الكرام ، وأمّا الصورة الثانيّة إن كبّر دون الصّفّ ولكنّه أدرك الإمام بعد وقوفه من الرُكوع، فقد ذهب الحنفيّة والشافعيّة إلى صحّة الصلاة مع الكراهة.
- وأمّا المالكيّة فيَرون أنّه لا يجوز له الرُكوع إلا مع وصوله للصّفّ، ولكن إن ركع فصلاتهُ صحيحةٌ مع الكراهة؛ لأنّ مُراعاته للصّفّ أولى من إدراكه للركعة، ويرى الحنابلة عدم صحّة الصلاة مُطلقاً في هذه الحالة، أما إن لَحِق المسبوق الإمام بعد السُّجود، فذهب الحنابلة إلى عدم احتساب الركعة، وأمّا المالكيّة فقالوا إن ركع دون الصف وأدركه في السُجود؛ فصلاته صحيحةٌ مع الكراهة، وأمّا الصورة الأخيرة وهي إن كبّر دون الصف في حال لم يخشَ فوات الرّكعة، فإنّ تكبيرة الإحرام لا تنعقد؛ لأنّ الرُكوع دون الصّفّ يكون في حالة الضرورة فقط، وهنا لا حاجة من عدم إدراك الصّف.
- إمامة المسبوق والاقتداءِ به: وذلك عندما يكون المسبوق يُصلّي ما فاته، ثُمّ يأتي شخصٌ آخر للاقتداءِ به، فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى عدم صحّة الاقتداءِ بالمسبوق، ويجبُ على المُقتدي به إعادةُ صلاته، لِقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّما جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ به، فلا تَخْتَلِفُوا عليه)؛ فيجب مُتابعة الإمام في أفعال الصلاة، وعليه فلا يكونُ الإنسانُ إماماً ومأموماً في وقتٍ واحد.
- وذهب الشافعيّة إلى صحّة الاقتداءِ به مع الكراهة، باستثناء صلاة الجُمعة فلا يجوزُ الاقتداء بالمسبوق، وأمّا الحنابلة فيرون صحّة الصلاة، واستدلّوا بِفعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- مع ابن عباس، فعنه -رضي الله عنه- قال إن المبيّ كان: (يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ أُصَلِّي معهُ، فَقُمْتُ عن يَسَارِهِ، فأخَذَ برَأْسِي، فأقَامَنِي عن يَمِينِهِ)، فالحديثُ يدلُّ على جواز الانتقال من الصلاة مُنفرداً إلى الجماعة ، وعليه فيجوزُ للمسبوق الانتقالُ من حال كونه مأموماً إلى أن يُصبحَ إماماً.
- استخلاف المسبوق إماماً: الأصل في ذلك عدم قبول المسبوق، ولكنّه جائز في حال قبوله، ويبدأ من حيثُ انتهى الإمام، وإن أتى بِمُبطلٍ للصلاة فصلاتُهُ باطلة وصلاةُ من معه صحيحة، وهنا يبقى على المسبوق تدارك الركعات التي لم يلحقها؛ فيرى المالكيّة عندئذٍ أنّه في حال وصوله للسلام فإنّه يُشيرُ إليهم بِالجُلوس، ثُمّ يقوم فيتُمَّ صلاته، ويرى الشافعيّة تخيير المُقتدي بين مُفارقة الإمام والتسليم، أو انتظاره والسلامُ معه، ويرى الحنابلة انتظار المُصلّين لإمامهم حتى يُتمَّ ما فاته ثُمّ التسليم معه.
- المسبوق كالمُنفرد بعد قيامه لِقضاء ما فاته، فيبدأ بالثناء والتعوّذ والقِراءة، ولو أدرك الإمام في الركعة الرابعة من صلاة العشاء، فإنه يُصلّي الركعة الثانيّة جهراً، ثُمّ يُكمل بقيّة الصلاة سِرّاً، وإن سجد الإمام للسهو بعد الصلاة، فإنّه يؤخّره حتى يقضي ما فاته من ركعات ثُمّ يسجد للسّهو.
- الزيادة في عدد ركعات الصلاة: وذلك في حالِ قام الإمام بأداء ركعةٍ زائدة سهواً، ففي هذه الحالة تُحسب الركعةُ للمسبوق، فإن كان قد أتى في الركعة الثانيّة فإنهُ يُسلّمُ مع الإمام؛ لأنّه لو قيل بوجوب إتيانه بركعةٍ زائدة لكان ذلك زيادةً في الصلاة عمداً، وهذا موجبٌ لِبُطلان الصلاة.
وقت قيام المسبوق لقضاء ما فاته
ذهب الحنفيّة إلى أنّ المسبوق لا يقوم إلى أداء ما فاته من الصلاة إلا بعد قيام الإمام إلى صلاة النافلة إن كان بعدها نافلة، وإن لم يكُن لها نافلة؛ فيجبُ عليه الانتظار حتى يستقبل الإمام المُصلّين بِوجهه، ولا يقوم المسبوق لإتمام ما فاته من الصلاة بعد التشهُّد إلا في حال خوفه مِن زوال الوقت، أو زوال العُذر إن كان من أصحاب الأعذار.
وذهب أكثرُ أهل العِلم إلى جواز قيام المسبوق بعد انتهاء الإمام مِن التسليمة الأولى؛ لأنّها واجبة، وأمّا التسليمةُ الثانيّة فهي سُنّة، ويرى الحنابلة قيام المسبوق بعد إتمام إمامه التسليمتين؛ لأنّهما واجبتان، وإن قام قبل التسليمة الثانيّة فيجبُ عليه إتمامها نافلةً، والأفضلُ للمسبوق عدم القيام إلا بعد التسليمتين، لأنّه جُعل الإمام ليُؤتمّ به، وقد ذكر الإمام النوويّ وابن المُنذر وُجود الإجماع بِصحة الصلاة بعد قيام المسبوق لإتمام صلاته بعد التسليمة الأولى، وما ذهب إليه الحنابلة من وجوب التسليمتين لا وجود له، وأنّ المُهاجرين كانوا يُسلّمون تسليمةً واحِدة.
سجود المسبوق للسّهو
إن الآثار المُترتِّبة على صلاة المسبوق في حال سُجود الإمام للسهو على النحو الآتي:
- سُجود الإمام للسهو قبل السلام أو بعده: ففي حال كان السُجود للسهو قبل السلام فيجبُ على المسبوق مُتابعته، وهذا ما ذهب إليه الفُقهاءُ الأربعة، وأمّا إن كان السُجود بعد السلام، فقد ذهب جُمهور الفُقهاء من المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة إلى أنّه لا يُتابعه في ذلك، بل يقوم فيقضي ما فاته، ثُمّ يَسجد للسهو؛ لأنّ صلاة الإمام انتهت بعد السلام، ويرى الحنفيّة انتظار المسبوق لحينِ انتهاء الإمام من التسليم والسُجود معه، ثُمّ يقضي ما فاته.
- اقتداء المسبوق بالإمام قبل وبعد السهو وأثرُ ذلك: فذهب الحنفيّة إلى أنّ المُسبوق يُتابعُ إمامه بصرف النظر أدرك السهو أو لم يُدركه، وأمّا الجُمهور فيرون أن ترتّب السهو قبل وصوله، ثم سجود الإمام للسهو قبل السلام، ففي هذه الحالة يسجدُ المسبوق معه، ثُمّ يقضي ما فاته، وإن كان السُجود بعد السلام؛ فإنه يُؤخّره إلى بعد قضاء ما فاته، ثُمّ يسجد للسهو.
- اقتداء المسبوق بالإمام أثناء سُجوده للسهو: ذهب الحنفيّة إلى أنّه إن أدرك الإمام في السجدة الأولى فيجب عليه مُتابعته فيما بقي من أفعال الصلاة، وإن أدركه بعد السجدة الأولى فيُتابعه، ولا يقضي السجدة الأولى، وأمّا المالكيّة فيرون سُقوط السهو عنه؛ لأنّه لم يُدرك ركعةً مع الإمام، وإن أدركه في سُجود السهو فلا قضاء عليه لذلك السجود، وأمّا الشافعيّة والحنابلة فيرون مُتابعته للإمام إن أدركه في السجدة الأولى، وإن أدركه في السجدة الثانيّة فيُصلّيها معه ثُمّ يقضي السجدة الأولى بعد قضاء ما فاته من الصلاة.
- سهو المسبوق في قضاء ما فاته: ذهب الفُقهاء الأربعة إلى أنّه يسجُد للسهو في آخر الصلاة، لِقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إذا شَكَّ أحدُكم في صلاتِهِ فليتحرَّ، ويسجُدْ سجدتينِ بعدما يفرُغُ).
- إعادة المسبوق لِسُجود السهو إن كان قد سجد مع الإمام: ذهب المالكيّة إلى سُقوط سُجود السهو عن المسبوق إن سَجَده مع الإمام، وإن لم يسجد معه فإنه يقوم بالسجود بعد قضاء ما فاته، وأمّا الشافعيّة فيرون إعادته لِسُجود السهو حتى وإن سجد مع الإمام، ويرى الحنابلة سُقوطه عنه، ولكن إن سها في قضائه فعليه أن يسجُد للسهو.
- سُجود المسبوق للسهو: يرى الحنفيّة أنّ المسبوق يُتابعُ إمامَه، فعليه السُجود معه، وإن لم يُتابعه فيلزمه السُجود في آخر الصلاة، وأمّا المالكيّة فيرون بُطلان الصلاة إن سجد المسبوق عمداً في حال لم يلحق ركعةً مع الإمام، ويرى الشافعيّة أن الإمام يتحمّل سهو المأموم ، وإن سها المسبوق بعد ذلك فعليه السجود للسهو؛ لانقطاعه عن الإمام.
- سُجود المسبوق للسهو من غير سبب: ذهب جُمهور أهل العلم إلى عدم مشوعيّة سُجود السهو إلاّ في حال توفرِ سببٌ له، وجاء عن بعض الصحابة الكرام؛ كابن عُمر، وابن الزُّبير، وأبي سعيدٍ الخُدريّ -رضي الله عنهم- مشروعيّة سجود السهو للمسبوق إذا أدرك وَتْراً من الصلاة مع الإمام.