بحث عن سورة العنكبوت
التعريف بسورة العنكبوت
سورة العنكبوت سورة مكيّة ؛ وذهب بعض العلماء إلى القول بأنّ الآيات من واحد إلى إحدى عشر من سورة العنكبوت هي آيات مدنيّة؛ لأنّها تتحدّث عن الجهاد، ورجّح العلماء القول بأنّ سورة العنكبوت كلّها مكيّة، لأنّ الآيات الأولى منها تتحدّث عن جهاد النّفس وليس جهاد السّيف، وقد نزلت سورة العنكبوت على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعد سورة الرّوم خلال أصعب الفترات التي عاشها المؤمنون في مكّة، وهي الفترة الأخيرة قبل الهجرة للمدينة؛ لذلك جاءت سورة العنكبوت لتثبيت قلوب المؤمنين، وحثّهم على الصّمود أمام الفتن والإبتلاءات والإيذاء الذي يحصل لهم من الكفار، ويبلغ عدد آيات سورة العنكبوت تسعٌ وستون آية.
ويأتي ترتيب سورة العنكبوت بين السّور القرآنية السورة التاسعة والعشرون في ترتيب سور القرآن الكريم، وهي من أواخر السور المكيّة نزولاً على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فهيَ السّورة الثالثة والثمانون بين السور المكيّة نزولاً، فلم ينزل على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعد سورة العنكبوت قبل الهجرة إلى المدينة سِوى سورة المطفّفين.
سبب التسمية بسورة العنكبوت
سُميّت سورة العنكبوت بهذا الاسم لأنّ الله -تعالى- اختصّ هذه السّورة بذكر مَثَل العنكبوت فيها؛ قال الله -تعالى-: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)، فشبّه الله تعالى الكافرين الذين يصنعون الأصنام بأيديهم ويتخذونها آلهة لهم من دون الله -تعالى-، بالعنكبوت الذي يتّخذ ويصنع لنفسه بيتاً ضعيفاً.
سبب نزول سورة العنكبوت
للعلماء أقوال ثلاثة في سبب نزول سورة العنكبوت ؛ سنُبيّنها فيما يأتي:
- القول الأوّل: نزلت سورة العنكبوت في مجموعة من النّاس في مكّة المكرمة، كانوا قد أقرّوا وآمنوا بالدّين الإسلاميّ، فبعث لهم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه لن يُقبل إقرارهم بالإسلام حتى يهاجروا إلى المدينة المنوّرة، فانطلقوا مهاجرين إلى المدينة، وذهب المشركون من خلفهم فألحقوا بهم الأذى وأرجعوهم إلى المدينة، وعلموا بنزول هذه الآيات فيهم، ليخرجوا بعد ذلك مصمّمين على الهجرة والقتال مع المشركين؛ فمات بعضهم، ونجا بعضهم الآخر، ثم نزل قول الله -تعالى-: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
- القول الثّاني: نزلت سورة العنكبوت في شخصٍ يُسمّى "مهجع"، وهو مولى عمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه-، حيث قُتل في معركة بدر، بسهم عامر بن الحضرمي، وحزن عليه والديه وزوجته كثيراً فأنزل الله -تعالى- سورة العنكبوت تثبيتاً لهم وللمؤمنين.
- القول الثالث: نزلت سورة العنكبوت في الصّحابي عمّار بن ياسر - رضيَ الله عنه- حين كان يُعذِّبه المشركين.
مناسبة سورة العنكبوت لما قبلها وما بعدها
مناسبة سورة العنكبوت لِما قبلها
إنَّ في ترتيب سور القرآن الكريم وتناسب السّور بعضها مع بعض معجزة قرآنيّة؛ لا يُدركها إلّا من أدرك معاني تناسب السور بعضها مع بعض، وتظهر مناسبة سورة العنكبوت لِما قبلها من سورة القصص فيما يأتي:
- تحدّثت سورة القصص عن استعلاء فرعون وطُغيانه في الأرض، وإجبار قومه على الكفر والضّلال وتعذيبهم، وتمّ افتتاح سورة العنكبوت بالحديث عن المؤمنين وفتنة المشركين لهم وتعذيبهم، فكان في قصّة قوم فرعون تسلية لقلوب المؤمنين وتثبيتاً لهم على الدّين الحقّ.
- تحدّثت سورة القصص عن نجاة سيّدنا موسى -عليه السّلام-، ورجوعه إلى مصررسولاً منتصراً بعد غرق فرعون وجنوده، ثمّ جاءت سورة العنكبوت لتحدّثنا عن قصة سيّدنا نوح -عليه السّلام- ونجاة من آمنوا معه، وهلاك المكذّبين له.
- تحدّثت سورة القصص عن قارون وفرعون وطغيانهما، وجاءت سورة العنكبوت بذكرهما، وبيان عاقبتهما.
- تحدّثت سورة القصص عن هجرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وتحدّثت سورة العنكبوت عن هجرة المؤمنين.
- تحدّثت سورة القصص في ختامها عن دعوة الله -تعالى- للمؤمنين جميعاً بالثّبات على الدّين الإسلاميّ، وإظهار الولاء لله -تعالى- وحده، وأن تكون طاعتهم لأهلهم وأقاربهم بما يُرضي الله -تعالى-، أمّا إذا أمروهم بما يُغضب الله -تعالى- فعليهم أن يتولوا عنهم ويتبعوا أمر الله -تعالى-، فهو معهم وناصرهم، ثم جاءت سورة العنكبوت لتثبيت الإيمان في قلوب المؤمنين بإخبارهم أنّ الإيمان فيه الكثير من الصعوبات التي يجب على المؤمنين تحمّلها بكلّ رضا وصبر، يقيناً بثواب الله -تعالى- لهم يوم القيامة.
مناسبة سورة العنكبوت لِما بعدها
جاءت سورة العنكبوت مناسبةً لِما بعدها من سورة الرّوم من خلال ما يأتي:
- تحدّثت سورة العنكبوت في بدايتها ونهايتها عن الجهاد؛ فجاءت سورة الرّوم لإخبار النّاس جميعاً بأنّهم لم يُخلقوا عبثاً، بل خلقوا ليُجاهدوا في سبيل الله -تعالى-؛ فتصيبهم المصاعب والشدائد ويتعرّضون للظّلم من أهلهم وأقوامهم، لتدعوهم الآيات للثبات على الدّين حتى ينالوا رضا الله -تعالى- وجنّته.
- تحدّثت سورة العنكبوت بشكل عامّ عن مظاهر التّوحيد، والتّفكر في الآفاق والأنفس الدّالة على وجود الله -تعالى-، ثمّ جاءت سورة الرّوم لتخبرنا بشكل مفصّل ودقيق عن كلّ هذه الأدلّة والبراهين.
- تحدّثت سورة العنكبوت عن المؤمنين القلّة الذين يتعرّضون للظّلم من المشركين الكثر، لتأتي سورة الرّوم فتحدّثهم عن معركة الرّوم والفرس والتي انتصر فيها الفرس وهم قلّة، تسلية لقلوب المؤمنين وربطاً على قلوبهم.
موضوعات سورة العنكبوت
تحدّثت آيات سورة العنكبوت عن موضوعات كثيرة، نذكرها فيما يأتي:
- أمور العقيدة، والبعث، والتّوحيد، والجزاء الأخروي
- جزاء المؤمنين الصّابرين بالجنّة لتثبيت قلوبهم على الدّين الحقّ عند البلاء والفتن التي تُحيط بهم.
- تحدّثت في بدايتها عن الفتن المحيطة بالإنسان، واختُتمت بالحديث هداية نفوس المجاهدين، وتأيّيد ونصرة الله -تعالى- لهم.
- قصص الأنبياء السّابقين، وطُغيان أقوامهم، ونُصرة الله -تعالى- لأنبياءه ومن آمن معهم.
- حثّ المؤمنين على التبرُّؤ من المشركين، والابتعاد عنهم وعن ظلمهم وعدوانهم، وبإمكانهم الابتعاد عن الكافرين؛ إذ إنَّ أرض الله -تعالى- واسعة.