بحث عن خطبة الجمعة
حكم خطبة الجمعة
تُعدُّ خُطبة الجُمعة من شُروط صحّة صلاة الجُمعة، وذهب الجُمهور إلى انعقادها بِخُطبتين، لِفعل النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، في قولهِ: (صلُّوا كما رأيتُموني أصلِّي)؛ حيثُ تقومُ كُلّ خُطبة مقام ركعة، ويرى الحنفيّة انعقادها بِخُطبةٍ واحدة، وأنَّ الخُطبة الثانية سُنّة، واستدلّوا على ذلك بأنَّ الخطبة لا تقوم مقام الرّكعتين، بل تقوم مقام النِّصف من الثّواب والأجر، واتّفق جميع الفقهاء على أنَّ الخطبة شرطٌ لِصحّة الجُمعة، وخالف هذا الاتّفاق الحسن البصريّ والظاهريّ، وقالوا إنّها مندوبة.
أركان خطبة الجمعة
تعدّدت أقوالُ الفُقهاء في أركان خُطبة الجُمعة ، وبيان ذلك فيما يأتي:
- الشافعيّة: ذهب الشافعيّة إلى أنَّ للخُطبة خمسة أركانٍ، وهيَ: قولُ الحمدُ لله، ثُمّ الصّلاة على النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، وذكره باسمه أو بصفته، ثُمّ الوصية بالتّقوى ، والدُّعاء للمؤمنين في الخُطبة الثانية، ثُمّ قراءة آيةٍ مُفهمة، ولا يكتفي بقراءة آيةٍ غيرُ مُفهمة، وتُسنّ أن تكون في الخُطبة الأولى، ودليلهم فعلُ النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- لذلك.
- الحنابلة: وعندهم الخُطبة أربعةُ أركان، وهيَ: حمد الله -تعالى-، ثُمّ الصّلاة على النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- بصيغة الصّلاة، ثُمّ الموعظة؛ وهيَ المقصود من الخطبة، وقراءة آية كاملة، وزاد بعض الحنابلة رُكنين وهما: الموالاة بين الخُطبتين والصّلاة، فلا يفصل بين الخطبة الأولى أو الثانية أو الصّلاة بفاصل، ثُمّ الجهر بالخطبة؛ حيثُ يُسمع العدد المُعتبر لإقامتها.
- المالكيّة: يرى المالكيّة أن الخطبة رُكنٌ واحِد، وهو أقلّ ما يُسمّى خطبة في لُغة العرب، ولو كقول: "اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا أَمَرَ، وَانْتَهُوا عَمَّا عَنْهُ نَهَى وَزَجَرَ"، وإن سبّح أو هلَّل فقط فلا تُعدّ خُطبة.
- الحنفيّة: ذهب أبو حنيفة إلى أنّ رُكن الخطبة ينعقدُ بتحميدةٍ أو تهليلةٍ أو تسبيحةٍ، لِقولهِ -تعالى-: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)؛ فالمأمور به مُطلق الذّكر ، سواء كان قليل أو كثير، وذهب الصاحبان إلى أنه لا بُد من ذكرٍ طويل يُسمّى خُطبة.
واشتملت خُطبة النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- على العديد من الأحكام، وذَكَرها بعضُ الفُقهاء ؛ كالبدء بالحمد، والثّناء على الله -تعالى-، ثُمّ الصّلاة على النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، مع رفع الصّوت، وإرشاد النّاس إلى الهدي الصحيح، وتحذيرهم من الضّلال، وأضاف بعضُ الفُقهاء قول: أما بعد، وأن يكون هناك استراحةٌ بين الخُطبتين، وأن تتضمَّن الخطبة على الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، ولو بكلمة اتقوا الله، أو اعملوا خيراً، ويجوز له قراءة سورة ق بعد قولهِ أمّا بعد، ويقول في نهاية الخُطبة: "وأقم الصلاة"، وبهذه الأركان تنعقدُ خطبة الجمعة، وفيما يأتي بيانٌ لأركان الخُطبة وما المقصود منها عند من قال برُكنيّتها:
- حمد الله -تعالى-: حيثُ ذهب الشافعيّة والحنابلة إلى أنّها من أركان الخُطبة، ويرى الحنفيّة والمالكيّة أنّها سُنة، واستدلّ من قال بالوجوب بفعل النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- وقو جابر بن عبد الله -رضيَ الله عنه-: (كَانَتْ خُطْبَةُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَومَ الجُمُعَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ، وَيُثْنِي عليه)، ونقل النوويّ عن الإمام الشافعيّ بوجوب تعيين لفظ "الحمد"، ولا يقوم مقامه لفظٌ آخر، وذهب من قال بسُنيّة ذلك أنَّ هذا مجرّدُ فعلٍ من النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- وليس في ذلك ما يدُلُّ على رُكنيّته.
- الصّلاة على النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: وذهب بعض الفُقهاء إلى القول بسُنيّتها، في حين يرى بعضهم أنهّا ركن، ويرى ابنُ تيمية أنّها واجبة وليست بركنٍ يُشترط الإتيان بها.
- الموعظة.
- قراءة شيءٍ من القُرآن الكريم.
- التّرتيب بين هذه الأركان.
- الإتيان بهذه الأركان في كِلا الخُطبتين عند من يقول بذلك.
شروط خطبة الجمعة
اشترط الفُقهاء في خُطبة الجمعة العديد من الشُّروط، وبيانها فيما يأتي:
- النيّة: والمقصود بها نيّة الخطيب، فذهب بعض الشافعيّة والحنابلة إلى أنَّها شرطٌ لصحّة الخطبة، ومنهم من قال إنهّا ليست بشرط؛ حيثُ تصحّ الخطبة بدون النيّة، وهو القول المعتمد عند الشافعيّة.
- دُخول وقت الجُمعة: وهذا من الشُّروط المُتَّفق عليه بين الفُقهاء، ولكن تعدّدت أقوالهم في بداية وقت صلاة الجُمعة، فعند الجُمهور يكون وقتها وقت الظّهر؛ أيّ بعد زوال الشّمس*، ويرى بعض الحنابلة أنّه يبدأ وقت الجمعة من ارتفاع الشّمس قيد رُمح*.
- وُقوعها قبل الصلاة للجُمعة: وهذا باتّفاق المذاهب الأربعة، فلو خطب الإمام بعد صلاة الجمعة فعليه الإعادة.
- حُضور العدد الذي تنعقدُ به الخُطبة: حيثُ ذهب الحنفيّة وبعض الحنابلة وابن تيمية إلى انعقادها بثلاثة رجالٍ، وأيضاً تنعقد برجل واحد عند الحنفيّة عدا الإمام، وأمّا الشافعيّة والمشهور عند الإمام أحمد بأنَّها تنعقد بحضور أربعين شخصاً، وأمّا المشهور من مذهب المالكيّة أنَّها لا تنعقد إلَّا بعددٍ تتقرَّى بهم القرية؛ كاثنتي عشر رجلاً.
- وأمّا بالنِّسبة لاشتراط حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة للخطبة؛ فذهب الجُمهور إلى اشتراط ذلك، وأمّا الإمام أبي حنيفة فلا يشترطُ حُضور العدد الذي تنعقد به الجمعة للخطبة، وأمّا بالنّسبة لاستمرار حُضور العدد حتّى نهاية الخطبة؛ فذهب الشافعيّة والحنابلة إلى القول باشتراط حضور القدر الواجب منها، فإن ذهبوا في أثنائها لم يعتدّ بالركن المفعول حال غيبتهم، وأمّا المشهور من مذهب المالكيّة اشتراط حضور جميع الخطبة.
- الجهر: أي رفع الصوت بالخطبة بحيث تُسمع العدد الذي تنعقد به، وتعدّدت أقوال الفُقهاء في هذا الشّرط؛ فذهب المالكيّة والأصح عند الشافعيّة والحنابلة إلى اشتراط جهر الخطيب بالخطبة بحيث يَسمعه العدد المعتبر إن لم يوجد مانع، في حين يرى الحنفيّة وبعض الشافعيّة إلى عدم اشتراط الجهر بالخطبة، فلو خطب سرّاً أجزأه.
- إلقاء الخطبة باللّغة العربيّة: حيث اتّفق الفُقهاء على أنَّ الخطبة الأولى تكون باللّغة العربيّة ، وتعدّدت أقوالهم في اشتراطها في غير الآيات القُرآنيّة، فذهب بعض الشافعيّة وبعض الحنابلة إلى اشتراط أن تكون بالعربيّة للقادر عليها، إلّا إذا كان السامعون جميعاً لا يعرفون العربيّة فإنَّه يخطب بلُغتهم، وذهب بعض المالكيّة إلى اشتراط أن تكون باللّغة العربيّة للقادر عليها ولو كان السامعون لا يعرفون العربيّة.
- الموالاة: أي المتابعة في أجزاء الخطبة بدون فاصلٍ طويل بينها، وكذلك القيام؛ وهو قيام الخطيب في الخطبة، حيث ذهب الشافعيّة وبعض الحنابلة إلى أنَّ قيام الخطيب حال الخطبة شرطٌ مع القدرة عليه، في حين يرى الحنفيّة وبعض المالكيّة والشافعيّة إلى سُنّيَّة القيام للخطيب حال الخُطبة، وجاء عن أكثر المالكيّة القول بوجوب قيام الخطيب حال الخطبة، فإن خطب جالساً مع القدرة على القيام فقد أساء، مع جواز ذلك.
- قراءة شيءٍ من القُرآن الكريم : وهو مذهب الحنابلة وبعض الشافعيّة، وإن تضمَّنت الخطبة الموعظة والتأثير في القلوب وبيان أحكام الدين فقد صحّت الخطبة.
سنن خطبة الجمعة
توجد العديد من السُّنن الّتي يُستحبّ الإتيان بها في خُطبة الجُمعة، ونذكرها فيما يأتي:
- الطّهارة ، وستر العورة، وإزالة النّجاسة، والتّجمُل، وأن تكون على مكانٍ عالٍ أو منبر، واستقبال الخطيب للنّاس من غير التفاتٍ، واستقبالهم له، والسّلام عليهم، وجُلوس الخطيب على المنبر حتّى انتهاء الأذان، والاعتماد على شيءٍ؛ كعصا، أو سيف، أو قوس، ويكون ذلك بيده اليسرى، ورفع الصّوت بالخطبة، والجلوس بين الخُطبتين.
- الأذان من شخصٍ واحد، كما يُسنُّ أن يَختم الخطبة الثانية بقول: "أستغفر الله لي ولكم"، مع تقصير الخُطبة، وأن تكون الخطبة الثّانية أقصر من الأولى.
- الإنصات من المُصلّين للخُطبة، وكراهة الكلام فيها.
- قراءة سورة (ق) فيها، والدُّعاء للمُسلمين ولِوُلاة الأمر منهم في الخطبة الثّانية، مع ختمها بالاستغفار ، وأن تكون الخطبة فصيحةً ومؤثّرة.
- علوّ الصّوت؛ لِفعل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، فعن جابر بن عبد الله -رضيَ الله عنه- قال: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ)، مع تذكير النّاس بنعم الله -تعالى-، وتحذيرهم من النّار، وحثِّهم على طاعة الله -تعالى- وعدم عصيانه، وتعليمهم كيفيّة اللّجوء إليه -سبحانه-.
- التّشهّد والتّحميد، مع عدم رفع يدين الخطيب في الدُّعاء، واستحباب قرب المُصلّين من الإمام.
- التّرتيب بين الأركان، حيث يبدأ الخطيب بالحمد، ثُمّ الصّلاة على النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، ثُمّ الوصية بالتّقوى، ثُمّ قراءة آيةٍ من القُرآن الكريم، ثُمّ الدُّعاء للمؤمنين، والدُّعاء في الخطبة الثّانية لأئمة المسلمين وولاة أمورهم بالصّلاح والإعانة على الحقّ.
- قيام الخطيب في الخطبة بالتفاعل مع موضوع الخُطبة، مع التّقديم لها بما يُناسبُ موضوعها، وأن تكون في توجيه العامّة والخاصّة، بحيث تكون فيها الموعظة، وإحياء القلوب، وبيان ما هو أنفع للنّاس.
_____________________________________________
الهامش
* زوال الشمس: أي أنّ الشمس مالت عن وسط السماء باتّجاه الغرب، وذلك يكون وقت ابتداء صلاة الظهر.
* ارتفاع الشمس بمقدار رُمح: يُراد بذلك انقضاء رُبع ساعةٍ تقريباً بعد طلوع الشمس.