العلاقة بين الفلسفة والعلم
العلاقة بين الفلسفة والعلم
تعتبر العلاقة القائمة بين العلم والفلسفة علاقة غير واضحة الملامح رغم وجودها الحتمي، لا سيما أنّها علاقة مختلفة من فترة إلى أخرى، إلّا أنّ القدماء نظروا للعلم على أنّه أحد فروع الفلسفة؛ فكانوا يعتبرون كل العلماء فلاسفة بطبعهم، وكانوا يرون أنّ جميع العلوم تنبثق عن الفلسفة، حيث بدأ العلم كفلسفة طبيعية في أصله، وقد ساعد على إثبات هذه الفكرة بعض العلماء القدماء أمثال غاليليو ، وديكارت وكيبلر ونيوتن وغيرهم مِمّن بحثوا في علوم الكيمياء والفيزياء والرياضيات من منظور فلسفي، واستخدموا وجهات نظرهم الميتافيزيقية لإثبات نظرياتهم وتفسير الظواهر العلمية كلاً وفقاً لفلسفته الخاصة.
انفصال العلم عن الفلسفة
بدأ العلم يتطوّر ببطء خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، ثمّ بدأ بالانفصال عن الفلسفة؛ وذلك بسبب ظهور عدد من الفلاسفة، مثل: فرانسيس بيكون، وغاليليو غاليلي، وإسحاق نيوتن، الذين فكّروا كفلاسفة إلى جانب استخدامهم التفكير العلمي، ومع تقدّم الطرق العلمية بدأ مصطلح العلم بالظهور والانفصال عن كلّ من الميتافيزيقيا والفلسفة، حيث إنّ الفلاسفة الطبيعيين بدأوا التفكير بطبيعة العلم بصور مختلفة، ممّا أدى إلى ظهور الاختلافات بين العلم والفلسفة والتمييز بينهما، وهنا بدأ العلم بالظهور وبدأت الفلسفة بالتراجع.
كان العالِم إسحاق نيوتن من أوائل العلماء الذين كان لهم دور كبير في تراجع الفلسفة وإبراز العلم، فهو أول من اعتمد على منهجية علمية مفصولة كليّاً عن الفلسفة في دراسة الظواهر والتوصّل إلى النظريات والقوانين وإثباتها، فبعد اكتشافه قوانين الجاذبية الأرضية التي تُعدّ من أبرز إنجازاته، وضّح كيفية التوصل إليها من خلال اشتقاق المعادلات الرياضية دون أيّ تدخّل للفلسفة، ثمّ انتشرت منهجية نيوتن بين الفلاسفة في عصر التنوير، وهنا تمّ فصل العلم عن الفلسفة بشكلٍ كامل، وأصبحت الفلسفة في طيّ النسيان، مع عدم إنكار أنّ الفلسفة هي السبب الأول والرئيسي الذي أدّى إلى ظهور العلم.
تمّ اعتبار العديد من الفلاسفة على أنّهم علماء وأهمّهم: إسحاق نيوتن، وغاليليو غاليلي، ويوهانس كيبلر، وويليام هارفي، وروبرت هوك، حيث كانوا أقرب للتفكير العلمي، بينما احتفظ عدد من الفلاسفة بلقب فيلسوف، مثل: فرانسيس بيكون، ورينيه ديكارت، وجون لوك، وباروخ، فقد كانوا أقرب للتفكير الفلسفي.
حاجة العلم للفلسفة
يوجد صلة تربط بين العلم والفلسفة بالرغم من انفصال كلّ منهما عن الآخر، فالعلم وحده لا يستطيع تقديم إجابات واضحة وشاملة حول المواضيع المختلفة، ومن الصعب الاعتماد على العلم وحده لفهم الكون وتحليله، إذ إنّ دراسة المواضيع بشكل علميّ كامل يُفقد الأشياء قيمتها، كما أنّ كلّ شيء في هذا الكون بما في ذلك الفلسفة ينبغي أن تتوافق مع النظريات والمبادئ العلمية، ووفقاً لذلك فإنّ كلّ شيء بما فيه الإنسان سيتحوّل إلى مجرّد آلات مُتحرّكة حسب قوانين ونظريات علمية، وهنا يأتي دور الفلسفة في إعطاء قيمة للأشياء من خلال تقديم تصوّر شامل للعالم بما يتوافق مع العلم. ومن أهم ما تُقدّمه الفلسفة للعلم ما يأتي:
- إتاحة الفرصة للعلم للاندماج في إطار الفلسفة الخاص، واعتبارها أساساً للبناء عليه في مختلف قضايا العلم.
- البحث والتدقيق في المصطلحات والافتراضات العلمية، ويكون ذلك بتحليل هذه المصطلحات والافتراضات بشكلٍ ناقد وبجميع جوانبها، إضافةً إلى توضيح كيفية ارتباطها مع الفلسفة.
- تحديد معايير تُساعد على تمييز النظريات الجيدة من غيرها، ومعايير تتعلّق بالأساليب العلمية المسموح اتباعها بما يُساهم في التقدّم العلمي.
- فهم وتوضيح الأهداف العامة للعلم، إضافةً إلى تقديمها أهم أخلاقيات العلم التي ينبغي الالتزام بها.
- إيجاد نقاط مشتركة بين كلّ من مفاهيم العلوم الطبيعية ومفاهيم العلوم الإنسانية والاجتماعية، وتوضيح العلاقات المتبادلة بين تلك الفروع المختلفة.
- تقديم أسلوب يجمع بين كلّ من التجربة الإنسانية والحقائق العلمية بشكلٍ يُكمّل إحداهما الآخر ويُثريه.
حاجة الفلسفة للعلم
تحتاج الفلسفة للعلم كما يحتاج العلم إليها، إذ إنّ الكثير من المواضيع الفلسفية، مثل: الوعي والإرادة الحرّة تحتاج إلى أخذ نتائج العلم في الاعتبار من أجل فهمها وتوضيحها، كما أنّ دراسة المشكلات المتعلّقة بفروع الفلسفة المختلفة تحتاج إلى معلومات وحقائق مُستمدّة من العلوم الطبيعية ، مثل: الفيزياء، والكيمياء، والأحياء، وغيرها، ليتمّ تكوين صورة واضحة وشاملة حول الموضوع، ومثال ذلك عند دراسة فلسفة اللغة ينبغي أن توضع اللغة في سياقها التطوّري؛ أيّ دراسة كيفية تطوّرها بيولوجياً، وهذا يحتاج إلى دراسة علم الأحياء إضافةً إلى دراسة اللغة كفلسفة؛ ليتمّ تكوين صورة كاملة عن فلسفة اللغة.
تعزيز الترابط بين الفلسفة والعلم
يُعتبر تعزيز الترابط بين الفلسفة والعلم أمراً في غاية الأهمية، فكلّ منهما مهم للآخر، ومن الممكن سدّ الفجوة بينهما عن طريق تنفيذ عدد من التوصيات التي يُمكن تنفيذها بسهولة بشكلٍ عملي، وهي كالآتي:
- إيجاد مساحة كافية للفلسفة في المؤتمرات العلمية: وذلك عن طريق إتاحة فرصة للباحثين المشاركين في المؤتمرات لتقديم أفكار فلسفية حول الموضوع، وتوضيح الفائدة من ذلك، إضافةً إلى الاهتمام بتفعيل المنظّمات التي تهتم بالفلسفة، مثل: الجمعية الدولية لتاريخ وفلسفة والدراسات الاجتماعية لعلم الأحياء (International Society for the History, Philosophy, and Social Studies of Biology)، وجمعية فلسفة العلم (The Philosophy of Science Association).
- استضافة الفلاسفة في المختبرات والأقسام العلمية: فهذا يُعزّز الترابط بين الفلسفة والعلم ويزيد من قدرة الفلسفة على التأثير بشكلٍ ملموس في العلم، فهذه الطريقة تُتيح فرصةً للباحثين بالتعرّف أكثر على العلوم بشكلٍ شامل، كما تُتيح فرصةً للفلاسفة لتقديم أفكارهم وتحليلاتهم حول المواضيع العلمية بما يُفيد الباحثين العلميين في أبحاثهم.
- المشاركة في الإشراف على أطروحات الطلبة: وفيها يُشرف باحث وفيلسوف على أطروحة طالب الدكتوراة، ممّا يوفّر فرصةً كبيرةً لمعالجة موضوع الأطروحة بصورة متكاملة تجمع بين التفكير العلمي والنظرة الفلسفية، ممّا يُنتج أطروحةً غنية، وفي نفس الوقت يتمّ إعداد جيل من العلماء الفلاسفة.
- تصميم مناهج تشمل الفلسفة والعلم بشكلٍ متوازن: بحيث تشمل هذه المناهج مفاهيم ومعرفةً علميةً تُساعد على التقدّم العلمي، وفي نفس الوقت تُزوّد الطلاب بمنظورٍ فلسفي يُساعد على فهم هذه المفاهيم والمعارف العلمية المختلفة، ويكون ذلك بإدراج وحدة للفلسفة وتاريخ العلوم ضمن مناهج العلوم، وإدراج وحدة للعلوم في مناهج الفلسفة.
- تعزيز القراءة عن العلم والفلسفة: ويكون ذلك بالقراءة عن مساهمات العلم والفلسفة، ومناقشة ما يتمّ قراءته ممّا يزيد من الفهم، ويُساهم في إلهام الباحثين، ويُعزّز الدمج بين الفلسفة والعلم.
- تضمين المجلات العلمية بقسم مُخصص للقضايا الفلسفية والمفاهيمية: حيث توفّر هذه المجلات فرصةً للمجتمع للتعرّف على الانعكاسات الفلسفية لأيّ موضوع علمي، والتي غالباً ما تكون متضمنةً ضمن مجلات الفلسفة والتي نادراً ما يقرأها العلماء، فهي تربط بين التفكير الفلسفي للمواضيع العلمية بشكلٍ مستمر.
الفلسفة والعلم
تُعتبر كلمة الفلسفة (بالإنجليزية: Philosophy) كلمةً يونانيةً تتكوّن من مقطعين؛ المقطع الأول (Philo) ويعني الحب، والمقطع الثاني (Sophia) ويعني الحكمة، فالفلسفة في اللغة اليونانية تعني حب الحكمة، أمّا اصطلاحاً فهي مُحاولة فهم الحقائق الأساسية المُتعلقة بالعالم، والأشخاص الذين يعيشون فيه، والعلاقات التي تربطهم معاً ومع عالمهم، فهي تهتم بالإجابة عن الأسئلة المُتعلقة بالحياة وتبرير هذه الإجابات.
بدأ ظهور الفلسفة لأول مرّة في اليونان وتحديداً في مستعمرة ميليتوس (بالإنجليزية: Miletus) على يد الفيلسوف طاليس، فهو أول من بحث في العناصر الأولية للكون والتي تُعد مصدراً أساسياً للأشياء الأخرى، ثمّ بدأت الفلسفة تنتشر في البلاد الأخرى عبر الكُتّاب والمُفكّرين، وهكذا حتّى وصلت إلى أفلاطون وتلميذه أرسطو اللّذين وصلت الفلسفة في زمنهما إلى ذروتها، أمّا أول من أطلق على نفسه لقب فيلسوف فهو عالم الرياضيات فيثاغورس المشهور بنظريته نظرية فيثاغورس ، ويُذكر أنّ الفلسفة تنقسم إلى خمسة فروع وهي: الميتافيزيقيا، وفلسفة الأخلاق، والفلسفة السياسية، وفلسفة الجمال، وفلسفة المعرفة.
يُعرّف العلم (بالإنجليزية: Science) بأنّه مجموعة من المعلومات والمعارف المتراكمة التي تمّ التوصل إليها من خلال التجارب والاكتشافات المتعلّقة بكلّ ما هو موجود في الكون، كما يُمكن تعريفه بأنّه أسلوب منطقي ومنهجي يتبعه العالِم للوصول إلى تفسيرات للظواهر من حوله، إذ يهدف العلم إلى التوصل إلى نتائج قابلة للقياس عن طريق التحليل والاختبار، ومن أجل تحقيق هذا الهدف يتمّ اتباع طريقة علمية في البحث من أجل التوصّل إلى الحقائق التي توصل بدورها إلى المعارف والتفسيرات، ولا يعتمد العلم أبداً على الآراء الشخصية أو ما يُفضِّله العالِم أو الباحث، فأهم ما يُميّز الطريقة العلمية تركيزها في البحث والدراسة على العالم الطبيعي المُشاهَد، وعدم اعتمادها على الخُرافات والأوهام.