بحث عن حقوق الوالدين
حقوق الوالدين
إنَّ للوالدين في الإسلام منزلة هامَّة وعالية، قرنها الله -تعالى- في كتابه الكريم مع عبادته فقال -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )، وتتنوع هذه الحقوق لتغطِّي حاجة الوالدين، حتى يصل الولد الى كمال برِّ الوالدين.
التحدث إليهما باللين والكلام الحسن
إنَّ خير من تحدَّث معه الابن وصَحِبه المسلم هم والديه، والحديث معهما يُشعرهما بأهميتهما، مثل أن يطلب الولد رأي والديه في بعض المسائل، فهذا يُشعر الوالدين أنَّ أقوالهم لها قيمة، فقد جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-، فَقالَ: مَن أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ (قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أَبُوكَ).
طاعتهما بالمعروف
إن العلاقة بين الوالدين والأبناء لا يمكن أن تتمُّ بدون وجود الطاعة من الأبناء للآباء ، وطاعة الوالدين في كلِّ معروفٍ يقدر عليه تكون واجبة على الابن، بشرط أن لا يلحقه بسبب ذلك مشقَّة كبيرة، وعلى الابن أن يبذل جهده في طاعة والديه قدر استطاعته.
وعليه ألاَّ يرفض طاعتهما إلَّا إذا أمراه بالكفر بالله -تعالى-، قال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا) ، أو أمراه بالمعاصي؛ عندها لا طاعة للوالدين، ومثال ذلك أن يُطالباه بأخذ قرض ربويٍّ.
الإنفاق عليهما
على الابن أن ينفق على والديه في حالتين:
- إن قدَّر الله -تعالى- عليهما الفقر والحاجة، مع عجز الأب عن العمل والكسب، فهنا تُصبح نفقة الأب واجبةً على الابن، فينفق على والديه بالمعروف بما يُغنيهما عن سؤال الناس، وتكون في حدود استطاعته، يقول -صلى الله عليه وسلم-: ( إنَّ أطيبَ ما أَكلتُم من كسبِكم وإنَّ أولادَكم من كسبِكم).
- إن كان الأب ميسور الحال وغير محتاج، فلا تجب عليه نفقة؛ لكن حسن الرعاية والإنفاق على الوالدين تُعتبر إكراماً للوالدين؛ بحسن رعايتهما والإنفاق عليها من باب كمال البرّ.
مصاحبتهما في الدنيا وإن كانا مشركين
مصاحبة الوالدين تكون بطول مجالستهما، والحديث معهما، وإدخال السرور إلى قلبهما، وقد شدَّد القرآن على أهمية هذا الخلق حتى لو اختلف الدين بينهما، قال -تعالى-:(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون).
عدم الإساءة إليهما
حرم الإسلام الإساءة للوالدين بالقول أو بالفعل، وحتى بالنَّظر فإنَّه يَحرم على الابن أن يُحِدَّ النظر لوالديه كالمقرع لهما، وشتم الوالدين من الكبائر قال -صلى الله عليه وسلم-: ( مِنَ الكَبائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ والِدَيْهِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وهلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ والِدَيْهِ؟ قالَ: نَعَمْ يَسُبُّ أبا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أباهُ، ويَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ).
تقديم بر الأم على بر الأب
إن الأم رقيقة القلب من طبعها المداراة ولو على حقِّ نفسها، فالأم قد تفرِّط بحقِّها لأجل أبنائها، لذا تجد أنَّ الإسلام قد قدَّم برّ الأم على برِّ الأب، لما تختضُّ به من تحمُّل المشَّاق، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ يوصيكم بأمَّهاتِكم ثلاثًا إنَّ اللَّهَ يوصيكم بآبائِكم)، فالقيام بحقوق الأمِّ المالية والصحية، والاجتماعية يُقدَّم على حقوق الأب.
توقيرهما والتذلل لهما
إنَّ المسلم مطالب بإظهار العزَّة إلّا عند والديه، فإنَّ الأصل أن يُظهر لهما التذلُّل بالكلام والتعامل باللين، وألا يستعلي على والديه بالعلم أو المال، بل عليه أن يُظهر فضل والديه عليه بالعلم والخبرة والحكمة، قال -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرً).
برهما عند كبرهما
قال -تعالى-: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، أمر الله -تعالى- الأبناء بملازمة آبائهم وتفقد أحوالهم ولم يحدِّد وقتاً لذلك لا في شبابهم أو عجزهم، لكنَّ ذلك يتأكد في حال حاجتهم وعجزهم أكثر، فعلى الأبناء أن يبقوا على ملازمة آبائهم في كلِّ وقتٍ في الدنيا حتى يكسبوا برَّ والديهم.
فإذا تقدم الوالدان في العمر فهنا يحتاجان إلى رعايةٍ أكثر واهتمامٍ أكبر حتى ولو كانا من أصحاب المال، فالكبير بالسنِّ يحتاج إلى من يَقضي له مشاغله خارج البيت، ويحتاج إلى من يُحدِّثه، وعلى الابن أن يُظهر لهما أهمية خبرتهما في الحياة، فبرِّ الوالدين أهمَّ وأوجب في حال تقدمهما في العمر.
الدعاء لهما
الدعاء للوالدين عبادة يتقرَّب بها الابن لله -تعالى-، فيدعو لوالديه بالإيمان والتقوى، وحسن الخاتمة، حتى بعد وفاتهما، وقد بيَّن النبي -صلى الله عيله وسلم- ثمرة دعاء الابن لوالديه فقال: ( يَتَّبع الرجلَ من الحسنات أمثالُ الجبال، فيقول أنَّا هذا؟ فيقال باستغفار ولدك لك).