بحث عن توحيد الربوبية
توحيد الربوبية
يُشير مصطلح توحيد الربوبية في العقيدة الإسلامية إلى معنى إفراد الله عز وجل بأفعاله، فهو الإيمان بأنّ الله -تعالى- هو وحده الرازق المُدبر المُحيي المُميت الضار النافع، وأنّه -سبحانه- بيده كلّ شيءٍ؛ فالرزق مثلاً وإنزال المطر بيده وحده، فتوحيد الربوبية إقرار بأن الله -تعالى- خالق كل شيء، وهو صاحب الرزق والتدبير.
توحيد الربوبية عند المشركين
أقرّ مشركو مكة بتوحيد الربوبية على الرغم من عدم إتيانهم بمقتضيات الإيمان الكامل، قال -تعالى- في مُحكم التنزيل: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)، لكنّ توحيد الربوبية عند مشركي مكة لا يعني أنه كان توحيداً كاملاً، بل كانت تصدر منهم أمور وأفعال تقدح فيه، وتخل به، ومنها: اعتقادهم أنّ ثمّة من يعلم الغيب غير الله، وكذلك نسبتهم إنزال المطر إلى النجوم، ولم ينكر أحد من بني آدم توحيد الربوبية، كما لم يقل أحد من الناس أن ثمة خالقين متساويين في الكون إلّا ما نُقِل عن فرعون من ادعائه الألوهية دون الله، على الرغم من إيمانه في نفسه بأنّ الله -تعالى- هو الخالق المُدبر، وأمّا المجوس فقد أنكروا توحيد الربوبية عندما اعتقدوا بالتشريك، حيث إنهم يؤمنون بأن في الكون إلهين؛ إله الظلمة، وإله النور، وهم مع ذلك الشرك لا يرون أن آلهتهم متساوية؛ فالنور عندهم خير من الظلمة؛ لأن النور يضيء وفيه خير، بينما الظلمة لا تضيء وفيها شر.
أدلة توحيد الربوبية
من الأدلة على توحيد الربوبية دليل وجود الخلق؛ فيستحيل أن يوجد مخلوق من العدم دون وجود خالق له، ومن الأدلّة على توحيد الربوبية الآيات المعجزة في الكون، فما أبدعه الله في الكون من الآيات يدل على وجود رب خالق مدبر لتلك الأشياء المنتظمة، كما تقرّ الفطرة السليمة بوجود رب للكون، تلتجئ إليه الخلائق، وترجوه، وتستشعر رهبته، كما يدل على توحيد الربوبية ما أيّد الله به أنبياءه من المعجزات الخارقة للعادة، والتي تدل دلالةً قاطعة على وجود الله المرسِل لتلك المعجزات، كما يدل على هذا التوحيد عدم إنكار أحد من الناس لربوبية الله، حتى المشركين والمكابرين، كما لم ينكر ربوبية الله إبليس، ومن أنكر الربوبية إنّما أنكرها مكابرةً، وأخيراً دلالة الشرع، حيث أنزل الخالق على رسله شرائع تحقق السعادة والصلاح للبشر، ومنها: القرآن الكريم، الذي تحدّى الله به الإنس والجن على أن يأتوا بسورةٍ من مثله.
الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية
إن من الفروق التي ذكرها علماء العقيدة الإسلامية بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية أن توحيد الألوهية معناه اللغوي من التألُّه وهو التعبّد، بينما الربوبية معناها مشتقٌّ من الرب، فيُقال: رب كل شيء؛ أي مالكه، وبينما يتعلق توحيد الربوبية بأفعال الله -تعالى- مثل: الخلق، والتدبير، والرزق، والضر، والنفع، فالله -سبحانه وتعالى- مختصٌّ بتلك الأفعال، ولا يستطيع غيره أن يقوم بها، بينما نجد توحيد الألوهية متعلقاً بأفعال العباد وتعبّدهم لله، بحيث يوجّهون أفعالهم لله -تعالى- ولا يصرفونها إلى الأصنام أو غيرها، وقد يكون توحيد الألوهية ظاهراً متعلقاً بالعبادات الظاهرة، مثل: الصلاة، والحج، وسائر العبادات، كما يُمكن أن يكون توحيد الألوهية متعلّقاً بالأفعال الباطنة، مثل: الرجاء، والاستغاثة، والتوكّل.
توحيد الألوهية هو توحيدٌ عملي؛ لأنه يتعلق بأفعال العباد، كما يُعدّ شرطاً لصحة دخول الإنسان في الإسلام، بينما يدل توحيد الربوبية على العلم والمُعتقد بأنّ الله هو الخالق المُدبّر دون أن يتعلق بالسلوك والفعل، وأجمع علماء الأمّة على أنّ توحيد الربوبية لا يكفي للحكم على الشخص بالإسلام، إذ لا بد من تحقّق توحيد الألوهية بإفراد الله تعالى بالعبادة، واجتناب الشِّرك حتى يُحكَم على المرء بالإسلام، ويستلزم توحيد الربوبية توحيد الألوهية؛ لأنّ الإيمان بأنّ الله -تعالى- هو الخالق الرازق المُدبر يدلّ على أنّه مستحقٌّ لإفراد العبادة له وحده، فكيف يُعبَد من كان لا يملك لنفسه الضر أو النفع، وكيف يُعبَد من كان مفتقراً إلى غيره، بينما يكون توحيد الألوهية متضمّناً لتوحيد الربوبية، فلا يفرد العبد ربه بالعبادة ما لم يكن مؤمناً بأنّ الله تعالى هو الخالق والرازق.