بحث عن المحكم والمتشابه في القرآن الكريم
بحث عن المحكم والمتشابه في القرآن الكريم
إنّ المحكم والمتشابه في القرآن الكريم هو مبحث متعلق بدلالات الألفاظ على المعاني، وهو منهج خاص ب علماء الحنفية ، إذ هم الذين قسموا النصوص باعتبار الخفاء والوضوح إلى قسمين اثنين هما: الواضح والخفي، وجعلوا الواضح في أربعة أنواع؛ الظاهر، والنص، والمفسر والمحكم، وجعلوا الخفي في أربعة أنواع؛ الخفي، والمشكل، والمجمل، والمتشابه.
وأما الجمهور ، فيقسمون الدلالة إلى ثلاثة أنواع؛ النص، والظاهر، والمجمل؛ فالنص والظاهر عندهم في مقابل الظاهر، والنص، والمفسر، والمحكم عند الحنفية، والمجمل عندهم في مقابل الخفي، والمشكل، والمجمل عند الحنفية، ويشترك الجمهور والحنفية في المتشابه.
تعريف المحكم والمتشابه عند الحنفية
تعريف المحكم
المحكم عند علماء الأصول الحنفية هو: "اللفظ الذي دلّ بصيغته على معناه دلالة واضحة قطعية، فهو مقصود أصالة، وسيق الكلام لأجله، ولا يحتمل تأويلًا إن كان خاصًّا، ولا يحتمل تخصيصًا إن كان عامًّا، ولا يحتمل نسخًا فهو في غاية الوضوح في إفادة المعنى"،فكما يتضح من التعريف أنّ اللفظ المحكم عند الحنفية هو اللفظ الذي يكون في غاية الوضوح، ومن صفاته بحسب التعريف ما يأتي:
- يدل على معناه دلالة واحدة واضحة قطعية.
- مقصود من سياق النص قصداً أصلياً لا قصداً تبعياً؛ أي إن النص جيء به من أجل بيانه تحديداً.
- لا يحتمل التأويل لعدة معاني.
- لا يحتمل أن يخصص فيما لو كان اللفظ من ألفاظ العموم.
- لا يحتمل النسخ البتة.
تعريف المتشابه
أما المتشابه عند أصوليّ الحنفية فهو: "اللفظ الذي لا تدل صيغته على المراد منه ولا توجد قرائن خارجية تبينه، واستأثر الشارع بعلمه فلم يفسره"،فهو من الألفاظ التي في غاية الإبهام، ولا تدل بذاتها على معناها، وكذلك فلا توجد قرائن خارجية عنها تدل إلى معناها لتقطع بها، وقد سميت بالمتشابهة؛ لأن فيها تشابهاً وهو الالتباس.
وسبب الغموض في هذا اللفظ يعود إلى قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).
والإشكال وقع في مكان الوقف في الآية الكريمة؛ فمن العلماء من يرى ضرورة الوقف على قول الله -تعالى-: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ)، ولا يجوز وصلها بما بعدها، وبناءً عليه فالواو التي بعد لفظ الجلالة تكون استئنافية، ومن العلماء من يرى أن الوقف يكون على قول الله -تعالى-: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) وتكون الواو بهذه الحالة واو العطف.
وبناء على كون الواو عاطفة على هذا الرأي يكون الراسخون في العلم يعلمون المقصود من المتشابه في القرآن الكريم، وأما من وقف على لفظ الجلالة وجعل الواو استئنافية فيكون علم المتشابه علماً خاصاً بالله -تعالى- لا يعلمه إلا هو سبحانه، وهو مما استأثر الله -تعالى- به عنده من العلوم.
أمثلة على ألفاظ المحكم في القرآن الكريم
كثرت الأمثلة على الألفاظ المحكمة في القرآن الكريم ومن ذلك:
- الحقائق المتعلقة بصفات الله -تعالى-
مثل قوله: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)،أو قوله -تعالى-: (وَاللَّـهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)،فهذه صفات لله -تعالى- وهي لا تحتمل معنى آخر ولا يدخلها النسخ ولا يمكن تخصيصها.
- بعض الأحكام الفقهية الجزئية
مثل النهي عن الزواج بأمهات المؤمنين أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّـهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا)،فلا يجوز الزواج من أمهات المؤمنين البتة، ولا يحتمل هذا الحكم تخصيصاً ولا نسخاً.
أمثلة على ألفاظ المتشابه في القرآن الكريم
قلّت الأمثلة على الألفاظ المتشابهة في القرآن الكريم وانحصرت في بعض مسائل الاعتقاد وفي الحروف المقطعة من فواتح السور القرآنية، ولا يأتي المتشابه في الأحكام الفقهية العملية؛ لأنّها تحتاج إلى تفصيل وبيان لقيام حياة الناس قياماً تاماً، ومن أمثلة المتشابه ما يأتي:
- الحروف المقطعة في فواتح السور
مثل: (آلم) و(حم) و(كهيعص) وغيرها من الحروف المقطعة التي تأتي في بداية بعض السور القرآنية الكريمة.
- صفات الله -تعالى- التي ذكرت في القرآن الكريم
كالوجه في قوله -تعالى-: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، والعين في قوله -تعالى-: (وَلِتُصنَعَ عَلى عَيني)،واليد في قوله -تعالى-: (يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)،وغيرها من صفات الله -تعالى-، فهي من الألفاظ المتشابهة التي يؤمن المسلم بها ويسلم الأمر فيها إلى الله -تعالى-، فالعبرة فيها بقول الله -تعالى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).