بحث عن الصبر
تعريف الصبر
يعد الصبر من العبادات القليلة التي يثاب صاحبها ثواباً من دون عد ولا حساب ، لقوله -تعالى-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب)، وهي عبادةٌ يحتاجها المسلم في كل أحواله من شدّة ورخاء، ويُثاب على ذلك كله.
والصبر في اللغة: حبس النفس، فمن منع نفسه عن التَسخّط فهذا هو الصبر، ومن منع نفسه عن الكلام فهو صابر، وهكذا في باقي الأمور، والصبر في الاصطلاح يأتي بالمعاني التالية:
- من أخلاق النفس التي تمنع صاحبها عن فعل ما لا يحمد عاقبته في الدنيا والاخرة.
- عدم الشكوى لغير الله -تعالى-.
- التحكم بالنفس وحبسها عند حدود الله -تعالى-.
أقسام الصبر
إن الصبر أمرٌ واحدٌ وخلقٌ واحدٌ، إلّا أنه يُطبق على أمورٍ مختلفةٍ، يمكن تصنيفها على النحو التالي:
الصبر على طاعة الله
ويقصد به: أن يحفز المسلم نفسه على فعل الطاعات والعبادات لله -تعالى-؛ من صلاة وصيام وغيرها، فقد يضعف إيمان المسلم وتضعف نفسه عن أداء الطاعات ويتمكن الهوى منه، فهنا تظهر أهمية الصبر بأن يُلزم المسلم نفسه حتى تؤدي ما عليها من حقوق الله -تعالى- عليها، قال -تعالى-: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا).
والصبر على الطاعة إذا تركه المسلم فَقد فاته خيرٌ كثيرٌ، لأنه يبتعد عن خُلقٍ مهمٍ من الأخلاق الإسلامية، وبدون الصبر على الطاعة تتمكن منه المعاصي والآثام، لذا فإن العلاج هو ما ثبت في الآية الكريمة: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ)، وهو أن يكتسب خلق الصبر، ويصطبر على الطاعة؛ بأن يجاهد نفسه ويحبس نفسه على القربات ولو كرهت ذلك.
الصبر عن المعصية
إن المسلم في كلّ لحظةٍ قد تُعرض عليه المعاصي والآثام، وقد تكون هذه المعاصي قريبةً منه، أو يسهل أن يرتكبها في السر، فهنا يظهر النوع الثاني من الصبر، وهو أن يمنع المسلم نفسه من الوقوع في الآثام، ويحبس نفسه عن ارتكاب المعاصي، ويكون ذلك بما يأتي:
- يُذكر نفسه بثواب طاعةً الله -تعالى- خوفاً من عقابه وطمعاً بجنته.
- يُخوف نفسه من عقاب الله -تعالى- له في الدنيا والآخرة إن لم يصبر عن المعصية.
- الامتناع عن المعاصي في السر امتحان لقوة إيمان العبد.
الصبر على البلاء
إن المسلم ما دام على قيد الحياة فإنه معرض لشتى أنواع الابتلاءات ؛ من المرض، والفقر، وفقد الأحبة، وغيرها من أنواع المصائب؛ كالفشل في العمل أو الزواج، وهنا يظهر النوع الثالث من أنواع الصبر؛ هو الصبر على أقدار الله المؤلمة في ظاهرها.
ويُقصد به أن يمنع المسلم نفسه من التَسخّط على ما أصابه، أو الاعتراض على قدر الله -تعالى-، فعند البلاء قد يتحدث المسلم بالكلمة فيسخط الله -تعالى- عليه بها، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ).
وعلى المسلم أن يعلم أن البلاء لا بد أن يصيبه في الحياة الدنيا، وأن الله -تعالى- قد ابتلى الأنبياء والرسل وهم خير الخلق، وعلى المسلم أن يعلم أنه قد ترتفع درجته في الجنة بهذا البلاء ويكون صبره على البلاء أفضل عند الله -تعالى- من كثيرٍ من نوافل الطاعات، وعلى المسلم أن يعلم أنه إذا صبر واحتسب أجره عند الله -تعالى- فإن عاقبة البلاء هي مغفرة الذنوب.
مراتب الصبر
وهي مراتب يعرف المسلم بها منزلة الصبر في نفسه، وكم هو ملتزمٌ بعبادة الصبر بأنواعها السابقة، وهي كما ياتي:
- صابر، وهي أعمَُ المراتب.
- المصّطبر، الذي يُعلِم نفسه الصبر.
- المتصبّر، الذي يصبرلكن مع المشقة.
- الصّبور، وهو الذي يصبر صبراً أشد من غيره.
- الصًّبّار، الذي عظم مقدار الصبر عنده.
فضائل الصبر
إن الصبر من العبادات الشاقة على النفس، لذا كان للصبر فضائل كثيرة تُعين الصابر على التحلي بهذا الخلق، وسنذكر فضائل الصبر فيما يأتي:
- فوز الصابر بمعية الله -تعالى-، وهذا من قوله -عز وجل-: (وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
- الصبر مع التقوى يعد صاحبه من أهل الإمامة في الدين لقوله -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ).
- عاقبة الصبر لمن صبر هي خيرٌ من الجزع والتّسخّط والاعتراض، قال -تعالى-: (وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ).
- المسلم بالصبر يدفع كيد الأعداء، فقد قال -تعالى-: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا).
- الصابر ينال محبة الله -تعالى-، فقد قال -تعالى-: (وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).
- عاقبة الصبر هي الفوز بالجنة لقوله -تعالى-: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ).
الوسائل المُعينة على الصبر
على المسلم أن يسعى لتقوية عبادة الصبر في نفسه، فيحرص على الأخذ بالأسباب التي تزيد من احتماله لهذه العبادة؛ ومن هذه الوسائل ما نذكره فيما يأتي:
- يكف نظره عما يضعف صبره
فإن النظر سببٌ في أن يفقد المسلم طاقته على الصبر والتحمل.
- يُكثر على نفسه من المباحات
التي تشغله عن الحرام، وتقوي عبادة الصبر في نفسه.
- يذكر الموت
يُوطن المسلم نفسه على أنه راحلٌ عن هذه الدنيا في أيّ لحظةٍ، فلا يكون مقصراً في عبادة الصبر ولا مرتكباً لما يسخط الله -تعالى- عليه.
- يعلم المسلم أن عاقبة الصبر فيها مغفرة للذنوب
ورفعٌلإ للدرجات، وتكثيرٌ للحسنات، وأن ما يناله من الصبر أضعاف ما فاته من خير الدنيا.