بحث عن الحب في الله
مفهوم الحب في الله
الحب في الله : هو الحرص على التقرُّب من أهل الإيمان والصّلاح وحُبّهم بسبب صدق إيمانهم وطاعتهم لله -تعالى-، وبُغض من يعادي الله ورسوله، وقد جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه-: (قالَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- لأبي ذرٍّ يا أبا ذرٍّ، أيُّ عُرى الإيمانِ أوثقُ؟ قالَ: اللَّهُ ورسولُه أعلم، قالَ: الموالاةُ في اللَّهِ والحبُّ في اللَّهِ والبغضُ في اللَّهِ). ويكون الحب في الله من أجل الله -تعالى- بالتقرّب والتودّد لمن يُحبّ الله ويحرص على طاعته وذكره وعمل ما يُرضيه.
شروط الحب في الله
يجب أن تكون المحبة في الله خاليةً من الرّياء والأهدف الدنيويّة، وأساس الحب في الله هو القرب منه -سبحانه- وحبّ الخير والحثّ عليه، ولا يجب أن تكون العلاقات بين الناس قائمةً فقط على الهوى، فذلك مما نهى الله عنه، قال -سبحانه-: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). ويُشترط أيضاً أن تُقدَّم محبة الله ورسوله عمّا سواه عند التعارض، وقد أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن ولَدِهِ ووالِدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ).
صفات المتحابين في الله
يتأثّر الأصدقاء ببعضهم البعض، ويحرص المسلم على الانتباه لصفات أصحابه عند اختيارهم، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (الرجلُ على دينِ خليلِه فلْينظر أحدُكم من يخالِلْ)، ويتّصف المُتحابّون في الله بصفاتٍ عدّة، فيما يأتي بيان بعض هذه الصفات:
- الخشية من الله -تعالى-، والمواظبة على العبادات، وفعل الخيرات، والابتعاد عن ارتكاب الذنوب والمعاصي، وقد ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (لا تصاحبْ إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقيٌّ).
- التحلِّي بالأخلاق الحميدة، والاتّسام بحسن السيرة وسلامة العقل والطِباع.
- موالاة أهل الذكر والطاعة ، ومعاداة أعداء الله -تعالى-، وإظهار ذلك بالفعل أو القول، لقوله -تعالى-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ).
- قوة الإيمان التي تنعكس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب كل أنواع الضّلال.
- الإحسان والعطف والعدل مع غير المسلمين دون الخضوع لهم امتثالاً لأمره -تعالى-: (عَسَى اللَّـهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّـهُ قَدِيرٌ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
حقوق المتحابّين في الله على بعضهم
تستلزم المحبّة في الله على المتحابّين فيه العديد من الحقوق، وبيان بعضها فيما يأتي:
- التعاهد فيما بينهم على حُبّ كل ما يُحبّه الله ورسوله، والابتعاد عن كل ما يُغضب الله ورسوله.
- مساندة ومناصرة بعضهم البعض، وذلك بسدِّ الحاجات الماديّة والمعنويّة وبذل المال في ذلك.
- كفِّ النفس عن التدخّل بالخصوصيات، والابتعاد عن الأسئلة التي قد تجلب الحرج لصاحبها.
- التناصح والتراحم فيما بينهم، والوقوف بجانب بعضهم في السّراءِ والضّراءِ.
- التسامح والعفو عن الأخطاء والهفوات، وتصحيحها، والحرص على سترها، والحث على الخير والصلاح.
- الإحسان؛ وذلك بالحرص على الدعاء لبعضهم بالخير، وحسن الظن فيما بينهم، والتجمّل بالكلام الطيب.
- الصدق والإخلاص، والوفاء لبعضهم حتى لو فرّقهم الموت.
- التواضع والتخفيف فيما بينهم بعدم تحميل النفس فوق طاقتها.
ما يُعين على المحبّة في الله
هناك عدّة أمورٍ تُعين على الحبِّ في الله، منها ما ورد في كتاب الله، وأخرى في السنة النبويّة ، ومنها:
- مقابلة الإساءة بالإحسان امتثالاً لقوله -تعالى-: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
- إفشاء السلام، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ).
- اظهار مشاعر الحبِّ في الله بين المتحابّين فيه -سبحانه-، فقد صحّ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (إذا أحبَّ الرَّجلُ أخاهُ فليخبِرْ أنَّه يحبُّهُ).
- حثّ النبي -عليه السلام- على تقديم الهدية بهدف المحبّة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (تهادَوْا تحابُّوا).
فضل الحب في الله
إنّ للحب في الله فضائل كثيرة، منها ما يأتي:
- تحصل محبة الله -تعالى- للمتحابّين فيه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أنَّ رَجُلًا زارَ أخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فأرْصَدَ اللَّهُ له علَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أتَى عليه، قالَ: أيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ: أُرِيدُ أخًا لي في هذِه القَرْيَةِ، قالَ: هلْ لكَ عليه مِن نِعْمَةٍ تَرُبُّها؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ: فإنِّي رَسولُ اللهِ إلَيْكَ، بأنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّكَ كما أحْبَبْتَهُ فِيهِ).
- يُظلّل الله -تعالى- يوم القيامة المُتحابّين فيه بظلّه يوم لا ظلّ إلا ظِلّه، وقد ورد ذلك عن رسول الله -عليه السلام- عندما قال: (إنَّ اللَّهَ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: أيْنَ المُتَحابُّونَ بجَلالِي، اليومَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي).
- الفوز برضا الله -تعالى-، ودخول جنّته، وقد بيّن ذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا).
- يؤلّف الله -تعالى- بين قلوب عباده المُتحابين فيه، ويُبعد عنهم أمراض النفوس من غلٍ، وحقدٍ، وغيره، وقد بيّن الله ذلك في قوله -تعالى-: (وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم مِن غِلٍّ إِخوانًا عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلينَ)، وفي قوله: (وَأَلَّفَ بَينَ قُلوبِهِم لَو أَنفَقتَ ما فِي الأَرضِ جَميعًا ما أَلَّفتَ بَينَ قُلوبِهِم وَلـكِنَّ اللَّـهَ أَلَّفَ بَينَهُم إِنَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ).
- لا يتخلّى المُتحابّون في الله عن بعضهم البعض يوم القيامة، قال -تعالى-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).
- يُحشر المرء مع من أحبّ، وأساس الحب في الله حبّ الله ورسوله، وقد ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: (بيْنَما أنَا والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَارِجَانِ مِنَ المَسْجِدِ، فَلَقِيَنَا رَجُلٌ عِنْدَ سُدَّةِ المَسْجِدِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما أعْدَدْتَ لَهَا؟ فَكَأنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ، ثُمَّ قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، ما أعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صِيَامٍ، ولَا صَلَاةٍ، ولَا صَدَقَةٍ، ولَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، قالَ: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ).
- اختصّ الله -تعالى- عباده المُتحابّين فيه بأنّ لهم منابر من نور يوم القيامة ، فعن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ المتحابُّونَ في جلالي لَهُم مَنابرُ مِن نورٍ يغبطُهُمُ النَّبيُّونَ والشُّهداءُ).