بحث عن البيع في الفقه
تعريف البيع
يطلق البيع لغةً على المبادلة، وعلى ذلك فهو شرعًا مبادلة مال بمال أو نقل ملك بعوض، وعرّف بعض الفقهاء البيع بأنّه تمليك المال بالمال بقصد كسب الرزق، وقيل إنّه عقد معاوضة مالية تفيد ملك العين والمنفعة بلا وقت محدد بل على التأبيد .
حكمه ودليل مشروعيته
ثبتت مشروعيّة البيع في الإسلام بالقرآن الكريم والسنّة النبويّة والإجماع أيضاً، قال الله -تعالى- في محكم الكتاب العزيز: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، أمّا من السّنّة النّبويّة فقد باشر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عملية البيع والشراء بنفسه.
كما أنّ النبيّ رأى الناس يتعاملون مع بعضهم بالبيع والشراء فلم ينكر عليهم ذلك، ممّا يدل على مشروعيّته، وقد أجمع أئمة الإسلام على مشروعيّة البيع بكونه أحد أسباب التمليك. أما حكم البيع في الأصل فهو الإباحة، لكن قد تعتريه ما يعتري الأحكام التكليفية الأخرى من تحريم أو كراهةٍ أو وجوبٍ أو استحباب بحسب بعض المعطيات.
أركان البيع
ركن الشيء أي الجزء منه، أو ما يتحقق الأمر به، أو ما لا يتم الشيء إلا به، وأما ما يعدّ عند الجمهور من المالكيّة والشافعيّة والحنابلة من أركان البيع فهي:
- الصيغة
وهي الإيجاب والقبول.
- العاقدان
وهما البائع والمشتري.
- المحل
ويعني الشيء المعقود عليه للبيع وثمنه.
والركن عندهم ما توقّف عليه وجود الشيء وتصوّره، أمّا الحنفيّة فيرون أنّ الركن في عقد البيع وغيره هو الصيغة فقط، فالعاقدان ومحلّ العقد ممّا تستلزمه الصيغة وليست من الأركان، أمّا بعض الفقهاء المعاصرين فقد استحسنوا إطلاق لفظ "مقوّمات العقد" على مجموع الصيغة والعاقدَين ومحل العقد لاتّفاقهم على عدم قيام العقد دونها.
شروط البيع
لكُلٍّ من الصيغة والعاقدَين والمحل شروطٌ لا بدّ من تحقّقها لتحقق الوجود الشرعيّ له، والشرط هو إلزام أحد الطرفين المتعاقدين للآخر في العقد بما فيه منفعة، وهو أمرٌ أباحته الشريعة الإسلامية؛ لأنّ الشروط في الأصل تحتمل الصحة إلا ما أبطلته الشريعة أو نهت عنه من شروط، ونذكر فيما يأتي شروط البيع؛ وتنقسم هذه الشروط من حيث تعلقها إلى:
- شروط متعلقة بالعاقدين
أن يكون العاقدان مميّزين بالغين، وهذان الشرطان اتفق عليهما الجمهور، وأضاف الحنفية اشتراط الطواعية والاختيار.
- شروط متعلقة بالصيغة
أهمّها أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد وأن يكونا متطابقين.
- شروط متعلقة بالمعقود عليه
أن يكون مالًا يباح الانتفاع به شرعًا غير نجس، وموجود حقيقة ومقدور تسليمه فعلًا.
أقسام البيع
تنقسم أشكال البيع إلى قسمين، وهي على النحو الآتي:
أقسام البيع من حيث المبيع
أقسام البيع من حيث المبيع هي:
- البيع المطلق
وهو أشهر أنواع البيوع وأكثرها رواجًا؛ فهو يعني مبادلة عين بمال، وهذه الصورة للبيع هي أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكره.
- بيع السلم
هو بيع بأجل يكون وصف المبيع فيه منضبطًا، ووقت التسليم محدد على الأغلب، كأن يشتري القمح المزروع ويستلمه عند الحصاد. فإذا كان المبيع مما ينضبط بالوصف، ويغلب على الظن وجوده في وقت التسليم، فتبايعا على أن يوفر له المبيع في موعده، فهذا هو بيع السلم، وهو جائز بالكتاب والسنة وعلى ذلك عامة علماء المسلمين.
- الربا
الربا هو مبادلة مال بمال مقابل زمن ، وسيأتي الحديث حوله في عنوان البيوع المنهي عنها.
- بيع المقايضة
وهو شكلٌ يقتضي مبادلة عين بعين، ولا وجود للنقود في هذا النوع من البيوع؛ وبشكل أبسط هو مبادلة سلعة بسلعة.
أنواع البيع من حيث الثمن
أقسام البيع من حيث الثمن هي:
- بيع المساومة
وهذا النوع خلاف المعهود يقتضي اقتراح المشتري سعرًا على البائع، لا تحديد البائع لسعر ابتداءً كما هو الأشهر، ويفعل المشتري ذلك ليشتري السلعة المعروضة ويكون بينهما نقاش حتى يتّفقا على البيع أو عدمه، وهو نوع جائز بشروطه.
- بيع المزايدة
وهذا البيع يقتضي التنافس بين من يودّون شراء السلعة المعروضة، فيعرضها البائع بسعر ما، ثم يبدأ الراغبون في الشراء بالزيادة على بعضهم في المبلغ حتى يظفر بها من يدفع الثمن الأعلى.
- بيع الأمانة
وقد سمي هذا البيع بذلك لكونه يعتمد على أمانة البائع في التصريح برأس المال وثمن السلعة كما هي عليه و بصدق، وبعد أن يصرّح بثمنها الأصلي قد يطلب ربحًا؛ ويُسمى هذا بيع المرابحة، وقد يبيعها بنفس ثمنها فلا يربح فيها ولا يخسر، وهذا النوع يُسمى بيع التولية، وقد يعرض ثمنها ويطلب ما هو أقل منه فيبيع سلعته بخسارة، وهذا النوع يُسمى بيع الخسارة أو الوضيعة.
- البيع بالرقم
وهو وضع السعر على السلع وبيع السلع بهذا السعر المسجل عليها، وهو ما نسميه السلعة المسعّرة، وهي ما لا نحتاج سؤال البائع عن سعرها، وهذا الشكل جائز كون الثمن معلوم لا جهالة فيه.
- الإشراك في المبيع
يعني أن يشترك المشتري مع غيره في ثمن سلعةٍ ما، ويأخذ منها بقدر نصيبه ودفعه في ثمنها.
البيوع المنهي عنها
أباح الإسلام البيع لكنّه حرم منه الصور التي تقتضي الظلم أو الغبن أو جلب البغض والمشاحنة بين الناس، وهو مما لا يرضاه الإسلام، وأبرز صور البيوع المحرمة هي:
- بيع الملامسة
وهو البيع الذي يقتضي قول البائع: أيّ سلعة لمستها فهي بكذا، كأن يقول لك: أي قميص لمسته فهو بعشرة دنانير، وهذا الشكل محرم وفاسد للجهالة الحاصلة فيه.
- بيع النجش
وهو البيع الذي يقتضي أن يأتي أحدهم ويزيد في ثمن السلعة أمام المشتري فقط بقصد رفع ثمنها، وهذا محرّم لأنه من باب الخداع.
- بيع الرجل على بيع أخيه
كأن يتفق أحدهم مع مشترٍ على شراء سلعة معينة منه بثمن معين، ثم يغير رأيه عند وجود من يدفع له ثمنًا أعلى، أو أن يتفق أحدهم على شراء سلعة من بائع، فيأتي ثالثٌ يعرض عليه السلعة من عنده بثمن أقل، وهو محرّم لأنه باب كبير للمشاحنة والبغضاء.
- البيع بعد النداء الثاني لصلاة الجمعة لمن وجبت عليه الصلاة.
ما لا يجوز بيعه
يُقصد بذلك وجود سلع يحرُم التجارة بها والكسب منها، وأبرز ما لا يجوز بيعه هو:
- الخمر
فهي محرمة والتجارة بها كذلك.
- الميتة والخنزير
كما أن أكلها محرم فبيعها والاتجار بها كذلك.
- الكلاب
ثبت في السنة النبوية الشريفة أن ثمن الكلب منهي عنه.
- الثمر قبل بدو صلاحه أو الزرع قبل اشتداد حبّه
يحرم بيع الثمار قبل نضوجها أو ظهورها لكون ذلك من باب الجهالة، فلا يعلم أحد إن كانت ستنمو أصلا وهل ستكون صالحة أم لا.