بحث حول المفضليات
المفضليات
هي مجموعة شعرية تعتبر من أعظم المجموعات الشعرية في الأدب العربي ، وأقدم مجموعة صُنِعَت في اختيار الشعر العربي، وسُمِّيَت المُفضَّليات بهذا الاسم نسبةً إلى جامعها المفضل الضبي راوي الكوفة الثقة، وتشتمل مئة وست وعشرين قصيدةً أُضيفَ إليها أربع قصائد وُجِدَت في بعض النسخ، وتُعَد المفضليات مجموعة مِن عيون الشعر في الأدب العربي، امتازت عن غيرها من القصائد بقيمتها الأدبية والفنيّة ونظمها الذي فاق قصائد أخرى بجودته.
أصحاب المفضليات
اختلف أصحاب المفضليات في زمن كتابة قصائدهم، فمعظم شعرائها جاهليون وبعضهم مخضرمون وإسلاميون، وزِّعَتْ على سبعة وستين شاعرًا منهم سبعة وأربعون جاهليًّا وعلى رأسهم المرقش الأكبر والأصغر والحارث بن حلّزة وعلقمة بن عبدة والشنفرى وبشر بن أبي خزام، وتأبط شرًا وعوف بن عطية وأبو قيس بن الأسلت الأنصاري والميِّب، وبينهم امرأة من بني حنيفة ومجهول من اليهود وعبد المسيح بن عسلة الشيباني وجابر بن حنى التغلبي.
سبب جمعها
يُقال بأنَّ محمد بن عبد الله "النفس الزكية" قام بثورة على الخليفة العبَّاسيِّ أبي جعفر المنصور ، والتي عاونه عليها أخوه إبراهيم، وكان المفضَّل الضَّبي مُشتَرِكًا فيها، ولكن ما لبثت الثَّورة حتى أُخمِدَتْ من خلال مقتل محمد بن عبد الله، فخاب مسعاها وأُلقِيَ القبض على المفضَّل الضَّبي، ثمَّ عفا عنه مع إلزامه على تعليم المهدي ابن الخليفة وتأديبه، فوقع اختياره على تلك القصائد التي سُمِيَت المفضَّليات، وفي روايةٍ أخرى أنَّ المفضَّل قد خبَّأ إبراهيم بن عبد الله في بيته، وفي فترة مكوثه عنده اختار مجموعة قصائد من الكتب التي تضمنتها مكتبة المفضَّل، وعرضها عليه وعلى إثرها جمع المفضَّل كتابه المفضليات.
أهميّة المفضليات وقيمتها
يمكننا القول أنَّ المفضليات هي تلك المرآة التي تعكس صورة العرب وحياتهم قديمًا في تفكيرهم وعاداتهم وتقاليدهم وما خاضوه من حروب، فهي وصف دقيق للحياة الجاهلية وما فيها، وهي من أقدم المجموعات الشعرية التي وصلتنا، فحفظت لنا ثلَّة من درر الشعر العربيّ ، كما لقت المفضليات رواجًا واسعًا لدى الباحثين والدَّارسين فقاموا بتداولها وتدارسها، حتى أنَّ الكثير من القضايا اللغوية قامت على استدلالات بتلك القصائد؛ وذلك لجودتها اللغوية ولتأصّلها وموثوقيتها وما جاء فيها من مفردات أصيلة.
وتُعَد المفضَّليات من المراجع المهمة في دراسة الشعر العربي لما تحمله من قامة فنية شعرية جيدة السبك والنظم، ومما قاله شوقي ضيف في قيمة المفضليَّات: "ولو لم يصل من الشعر الجاهلي سوى هذه المجموعة الموثّقة لأمكن وصف تقاليده وصفًا دقيقًا، فقد مثَّلت جوانب الحياة الجاهلية ، ودارت مع الأيام والأحداث وعلاقات القبائل بعضها ببعض وبملوك الحيرة والغساسنة، وانطبعت في كثير منها البيئة الجغرافية، وقد جاء فيها غير قليل من الكلمات المندثرة التي لم ترد في المعاجم اللغوية على كثرة ما أثبتت من الألفاظ المهجورة مما يرفع الثقة بها ويؤكدها".
واهتم بشرحها عدد من العلماء، منهم: (أبو محمد القاسم بن محمد بن بشار الأنباري -وهو أقدم شرح عُرِفَ- وأبو جعفر بن محمد ابن إسماعيل النحوي المصري المعروف بابن النحاس، وأبو علي أحمد بن محمد المرزوق، وأبو زكريا يحيى بن علي بن الخطيب التبريزي، وأبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الميداني صاحب مجمع الأمثال).
أشهر قصائد المفضليات
ما قاله تأبَّطَ شرًا:
يا عيدُ ما لَكَ مِن شَوقٍ وَإيراقِ
:::وَمَرِّ طَيفٍ عَلى الأَهوالِ طَرّاقِ
يَسري عَلى الأَينِ وَالحَيّاتِ مُحتَفِياً
- نَفسي فِداؤُكَ مِن سارٍ عَلى ساقِ
طَيفِ اِبنَةِ الحُرِّ إِذ كُنّا نُواصِلُها
- ثُمَّ اِجتُنِنتَ بُها بَعدَ التِفِرّاقِ
ومنها ما قاله الشنفرى :
أَلا أَمُّ عَمرو أَجمَعَت فَاِستَقَلَّتِ
:::وَما وَدَّعَت جيرانَها إِذ تَوَلَّتِ
وَقَد سَبَقَتنا أُمُّ عَمرو بِأَمرِها
:::وَكَانَت بِأَعناقِ المَطِيَّ أَظَلَّتِ
بِعَينَيَّ ما أَمسَت فَباتَت فَأَصبحَتَ
:::فَقَضَّت أُموراً فَاِستَقَلَّت فَوَلَّتِ
فَوَا كَبِدا عَلى أُمَيمَةَ بَعدَما
:::طَمِعتُ فَهَبها نِعمَةَ العَيشِ زَلَّتِ
وما قاله المثقب العبدي:
أَلا إِنَّ هِنداً أَمسِ رَثَّ جَديدُها
:::وَضَنَّت وَما كانَ المَتاعُ يَؤودُها
فَلَو أَنَّها مِن قَبلُ جادَت لَنا بِهِ
:::عَلى العَهدِ إِذ تَصطادُني وَأَصيدُها
وَلَكِنَّها مِمّا تَميطُ بِوُدِّها
:::بَشاشَةُ أَدنى خُلَّةٍ تَستَفيدُها
وما قاله المُرَقِّش الأكبر:
يا ذاتَ أَجْوارِنا قُومِي فَحَيِّينا
:::وإِنْ سَقَيْتِ كِرامَ النَّاسِ فاسْقينا
وإِنْ دَعَوْتِ إلى جُلَّى ومَكْرُمَةٍ
:::يوماً سَراَةَ خِيارِ الناسِ فادْعِينا
شُعْثٌ مَقادِمُنا نُهْبى مَراجِلُنا
:::نأسُو بأَمْوالِنا آثارَ أَيْدِينا
المُطْعِمُونَ إذا هبَّتْ شآمِيَّةٌ
:::وخَيْرُ نادٍ رآهُ النَّاس نادِينا