الموضوعات الشعرية الجديدة في العصر العباسي الثاني
الموضوعات الشعرية الجديدة في العصر العباسي الثاني
شهد العصر العباسي الثاني ظهور موضوعات شعرية جديدة غير مألوفة في السياق الشعري العربي، فنتيجة للظروف السياسية والاجتماعية المحيطة بالشاعر ظهرت موضوعات تلبي هذه الظروف، وتعبر عنها، فالشاعر والأديب ليسا مفصولين عن بيئتهما فلا بد لها من أن يعبرا عن حاجات العصر الذي يعيشان فيه.
ولابد من الإشارة إلى أنّ العصر العباسي عصر طويل، لذا نجد أن غير قليل من النقاد والدارسين قسموا هذا العصر إلى فترات، فنرى الدكتور شوقي ضيف يقسم هذا العصر إلى قسمين، تبعًا للأحداث السياسية، فكان العصر العباسي الأول عصر القوة والازدهار السياسي أما العصر العباسي الثاني فهو يمثل فترة التراجع العسكري والضعف السياسي.
وقد ظهر في هذا العصر مجموعة من الموضوعات الشعرية الجديدة، التي لم يكن لها وجود مسبق في الشعر العربي، فقد تميز كل موضوع بخصائص وعواطف وإيقاع موسيقي مخصوص، والمتأمل في هذه الموضوعات يجد أنها تعكس روح ذلك العصر، وتعبر عن النسق الثقافي، والوضع الحضاري القائم فيها.
شعر التهاني في الأعياد والمواليد
يعد شعر التهاني من الموضوعات الجديدة التي ولجت أبواب الشعر العربي فقد كان هذا الموضوع يتغنى بالمناسبات والأعياد الدينية عند المسلمين وغيرهم من أصحاب الملل الأخرى، فقد كان جو التسامح منتشرًا، وكان المجتمع العباسي يتألف من غير قليل من الأجناس من عرب وفرس، وسريان، وزنج، وغيرهم، إذ كانوا يعيشون معًا ويفرحون لأفراح وأعياد بعضهم لا سيما في الفطر والأضحى و النيروز .
ولم تقتصر التهاني عند حدود الأعياد فحسب بل كانت تزجى وتقدم في حوادث الولادة، فكان الشاعر إذا سمع أن أحد رجال الدولة أو وزرائها قد أنجب طفلاً سارع في نظم قصيدة تهنئه كسبًا لود هذه الشخصية البارزة أو تكسبًا للعطاء، فكان المجتمع العباسي مجتمعًا مستقرًا تسوده العلاقات الاجتماعية الوديّة.
شعر الوصف
ظهر شعر الوصف نتيجة تنوع وتجدد البيئة التي يعيش بها الإنسان العربي، فقد كان هذا الموضوع موجودًا في الشعر القديم في ثنايا القصائد الطويلة، لكنه لم يكن موضوعًا قائمًا بذاته، وإنما كان فرعًا من فروع القصيدة الجاهلية، وفي العصر العباسي نجد أنّ شعر الوصف شكل موضوعًا قائمًا بذاته، وقد سار في عدد من الاتجاهات.
فلعل أولها شعر وصف الطبيعة فقد كان يتمثل في وصف البساتين والحدائق والرياض والزهور، ووصف الأنهار مثل دجلة والفرات، والملاحظ أن لوحة الصحراء في شعر هذه المرحلة قد غابت، ومرد ذلك إلى تمدن البيئة العباسية، وقد أدى هذا التمدن إلى تشييد مبانٍ وقصور فارهة، مما ساهم في ظهور اتجاه شعري اختص بوصف القصور العباسية والتغني بعمرانها.
وقد ظهر أيضًا شعر وصف الأطعمة والحديث عن طعمها ومكوناتها، فقد كان العرب يعيشون حياة مرفهة توافر فيها كافة الأطايب من مأكولات ومشروبات، وقد تعددت الأطباق وأنواع الطعام ودخل على العرب أطعمة فارسية وهندية ورومية، فتحدثوا عنها في شعرهم، ووصفوا لذة مذاقها وإعجابهم فيها، وهم بذلك نقلوا لنا بشكل غير مباشر ملمحًا اجتماعيًا من ملامح عصرهم.
ولم يقتصر شعر الوصف عند هذا الحد، فقد وصف العرب الألعاب التي كانوا يمارسونها، فقد انتشرت الأندية ومحال الترفيه والمتعة التي وفرت كتبًا وألعابًا للتسلية، فمن هذه اللعب التي أقبل عليها العرب وأعجبوا بها لعبة الشطرنجن فوصفوا الشطرنج وأحجارها، ورقعة اللعب، معبرين فيها عن متعتهم وهم يمارسونها، ومتفاخرين بالذي يتقنها.
الشعر التعليمي
يعد الشعر التعليمي من أبرز الموضوعات الشعرية إلى نُظمت في العصر العباسي واستمر أثرها إلى اليوم، ونقصد بالشعر التعليمي أن يتم تدريس المادة العلمية على هيئة أبيات شعرية تختزل المعلومات والمعارف المراد تعليمها، بغية التسهيل في الحفظ على الطلبة، فالشعر يتم حفظه أسرع من النثر، وقد سميت هذه المقطوعات الشعرية بالمتون.
وقد كانت هذه المتون غير مخصوصة على علم دون آخر، فقد تم نظم متون شعرية في الفقه، وأخرى في أحكام التجويد، ومن ذلك ما نظمه علي بن الجهم قصيدته التعليمية التي تقع في ثلاثمئة بيت، وفيها يؤرخ للتاريخ البشري منذ نشأة سيدنا آدم وأمنا حواء حتى العصر الذي يعيش فيه، وأيضًا نجد أن ابن دريد ينظم قصيدة في تعليم النحو ويطرح فيها مسائل لغوية.