كيفية طواف الإفاضة
كيفية طواف الإفاضة
يتشابه طواف الإفاضة مع طواف القدوم ، وتكون نيّة الحاجّ بطواف الإفاضة الزّيارة، إلّا أنّ الحاجّ لا يرمل في طواف الإفاضة، بمعنى أنّه لا يُسرع في مشيه وكأنّه يجري، لِما رواه ابن عباس -رضي الله عنه-: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يَرمُلْ في السَّبْعِ الذي أفاض فيه)، ويتحلّل من إحرامه ويلبس ثيابه المعتادة، بخلاف طواف القدوم الذي يرمل فيه ويكون مُحرماً، وكيفيّة الطّواف تكون بالوقوف عند الحجر الأسود في كلّ شوط والإشارة إليه أو تقبيله، بالإضافة إلى الطواف حول الكعبة سبع مرات، فالأمر في طواف الإفاضة مثله مثل طواف القدوم، وللحاجّ أن يطوف من أيّ طابق أراد طالما هو داخل المسجد، والأفضل أن يكون جانب الكعبة إن استطاع.
ويحرص الحاجّ على الطهارة في البدن والثّوب، وتأمين ملابس إحرامه إن كان مُحرماً بحيث يأمن على عورته ألّا تنكشف، ويسنّ للحاجّ إذا أراد أن يطوف ويسعى بعد طوافه؛ كطواف القدوم، وطواف الزّيارة، وطواف العمرة، أن يكشف كتفه الأيمن ويستر كتفه الأيسر في جميع أشواط الطّواف، وهو ما يعرف بالاضطباع.
وتفصيل كيفية طواف المُحرم كما يأتي:
- يبدأ طوافه من الحجر الأسود ويجعله على يساره.
- يتوجه نحو الحجر الأسود ويستلمه إن تيسّر له ويقبّله ثلاث مرّات ، أمّا إن كان استلامه عسيراً فلا يفعل، لأنّه سنّة وقد يؤدي إلى إيذاء الطائفين، وفي هذه الحالة يُشير إليه بيده، وفي ذلك قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لعمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه-: (يا عُمَرُ، إنَّك رجُلٌ قويٌّ، لا تُزاحِمْ على الحَجَرِ فتُؤذِيَ الضعيفَ، إنْ وجَدتَ خَلْوَةً فاسْتَلِمْه، وإلَّا فاستقبِلْه فهَلِّلْ وكبِّرْ)، والإشارة إلى الحجر الأسود تكون برفع الكفّ إلى ما يوازي المنكبين، وجعل باطن اليد باتّجاه الحجر الأسود.
- إن أراد الطائف السّعي بعد الطّواف فإنّه يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، والرّمل هو المشي بخطوات سريعة متقاربة، ويُكمل باقي الأشواط دون رمل، ويحرص في طوافه على التزام الأدب وتعظيم المكان، وخفض الصّوت حتى لو كان يدعو الله -تعالى- ويذكره، وإن أردا يقرأ القرآن الكريم، كما يلتزم بغضّ البصر، ويجعل الحَطيم ضمن طوافه لكن لا يدخله، وهو مكان عند الكعبة يحيط به جدار دائريّ.
- إذا وصل إلى الرّكن اليمانيّ يستلمه أو يضع يده عليه فقط دون أن يقبّله كالحجر الأسود، ويستمرّ في طوافه وصولاً إلى الحجر الأسود، ويكون بذلك قد أتمّ شوطاً واحداً، ويُكرّر حتى يُنهى السّبعة أشواط، وكلّها ركن عند جمهور العلماء، وعند الحنفيّة إن أدّى أكثرها فهو الرّكن، وما تبقّى واجب ينجبر تركه بدم.
- يتّجه بعد الانتهاء من الطّواف إلى مقام إبراهيم -عليه السّلام- ، ويجعل المقام أمامه ويُصلّي خلفه ركعتي الطّواف، وإن كان المكان مزدحماً يؤديهما في المكان الذي يراه مناسباً دون أن يؤذي أحداً، ويقرأ في الرّكعة الأولى منهما سورة الكافرون، وفي الثانية سورة الإخلاص، اقتداءً برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ويدعو بعد الصّلاة بما شاء.
حكم طواف الإفاضة
يعدّ طواف الإفاضة بأشواطه السبعة ركن عند جمهور العلماء، فإن ترك الحاجّ واحداً منها كان الطّواف باطلاً، وعليه بطل الحجّ، واعتبر الحنفيّة أنّ الرّكن من الطّواف هو أربعة أشواط من أصل سبعة، والباقي من السبعة هو واجب وليس ركن، فإن أدّى الحاجّ أربعة أشواط فقد حصّل الرّكن، ذلك أنّ الطواف بأربعة هو طواف لأكثر الأشواط، وحكم الأكثر يشمل الكلّ.
واستدلّ الجمهور على قول الله -تعالى-: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)، وبما روته عائشة أمّ المؤمنين -رضيَ الله عنها- فقالت: (حَجَجْنَا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأفَضْنَا يَومَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فأرَادَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منها ما يُرِيدُ الرَّجُلُ مِن أهْلِهِ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّهَا حَائِضٌ، قالَ: حَابِسَتُنَا هي؟ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أفَاضَتْ يَومَ النَّحْرِ، قالَ: اخْرُجُوا)، فدلّ على أنّ الطّواف مانعٌ لإتمام الحجّ لِمن لم يأتِ به، ممّا يجعله ركناً، ومن لم يأت به لا يسقط عنه وعليه القيام به، وإن عاد إلى بلده عليه أن يرجع إلى مكّة ويؤدّيه ولو كان ذلك بعد فترة من الزّمن، ولا يسقط عن صاحبه إلّا بأدائه.
وقت طواف الإفاضة
يوجد لطواف الإفاضة وقتان؛ وقت فضيلة، ووقت جواز، أمّا وقت الفضيلة فهو وقت الضحى من يوم النّحر بعد الانتهاء من المناسك المفروضة في هذا اليوم من الرّمي، والنحر، والحلق، وقد فعله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر -رضيَ الله عنهما-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَفَاضَ يَومَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بمِنًى)، والأفضل أن لا يُؤخره عن أيّام التشريق إلّا بعذر، أمّا وقت الجواز فتعدّدت الأقوال بين المذاهب فيما يتعلّق به على النحو الآتي:
- الحنفيّة: يبدأ وقت طواف الإفاضة من فجر يوم النّحر إلى آخر العمر بعد الوقوف بعرفة، وإذا لم يقف بعرفة لا يصحّ حجّه لأنّه مبنيّ عليه، وعليه أن يطوف في أشهر الحجّ وهي: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجّة، وإن أدّى الوقوف بعرفة في ذي الحجّة وانتهى الشهر دون أن يطوف طواف الإفاضة فعليه أن يطوفه في أحد هذه الأشهر من السنوات القادمة.
- المالكيّة: يبدأ وقته من يوم النّحر إلى نهاية ذي الحجّة، فإن فاته الوقت كان الحجّ صحيحاً لكن عليه دم.
- الشافعية: يبدأ وقته بعد منتصف ليلة النّحر ولا نهاية لوقته، والأفضل هو يوم النّحر، لكن إن أخره تبقى النّساء مُحرّمات عليه إلى أن يُؤديه.
- الحنابلة: يبدأ وقته من نصف ليلة يوم النّحر لِمن وقف بعرفة، ومن لم يقف بعرفة فلا يصحّ طواف الإفاضة منه، ولا حدّ لنهاية وقته، ولا يُشترط أداؤه في أشهر الحجّ كما هو عند الحنفيّة.
تسمية طواف الإفاضة
سُمي طواف الإفاضة بهذا الاسم لأنّه يأتي في ترتيب مناسك الحجّ بعد الإفاضة من منى إلى مكّة، وله العديد من الأسماء أيضاً منها: طواف الزّيارة؛ لأنّ الحاجّ يأتي لمكة من أجل زيارة البيت الحرام، حيث يأتي من منى ويعود إليها بعد الانتهاء منه، ويُسمّى بطواف الصّدَر؛ لأنّه يُؤدّى بعد الرّجوع من منى، وطواف الصّدر يُطلق أيضاً على طواف الوداع، ومن أسمائه طواف الواجب، وطواف الرّكن، وطواف الفرض بحسب حكمه.
وعليه فإن طواف الإفاضة له عدّة أسماء، ولفظ الإفاضة مأخوذ من الماء، فالماء يفيض ويندفع وكذلك الحجّاج يندفعون من مزدلفة إلى منى، ومن منى إلى مكّة لأجل طواف الإفاضة، ولا تكون الإفاضة إلّا عن تفرّق بعد جمع.
الخلاصة
يعدّ طواف الإفاضة ركناً من أركان الحج ، ولا يصحّ الحجّ إلّا بأدائه كلّه أو بعضه، ويلتزم الحاج بما فيه من الآداب والشروط، مع الحرص على أدائه بوقته، سواء كان وقت الفضيلة أم وقت الجواز، وقد تعدّدت الأقوال بين المذاهب في وقت بدايته ووقت انتهائه، ولطواف الإفاضة أسماء عديدة؛ كطواف الزّيارة، وطواف الصّدَر، وغيرها من الأسماء، أمّا تسميته بالإفاضة فهي من إفاضة الماء واندفاعها، فكما تندفع الماء يندفع الحجّاج لأدائه.