المدرسة الكلاسيكية في الأنثروبولوجيا
المدرسة الكلاسيكية في الأنثروبولوجيا
تعد المدرسة الكلاسيكية من مدارس علم الأثروبولوجيا التي تزامن تشكلها مع نشأة علم الأنثروبولوجيا، ويمكن القول أن علم الأنثروبولوجيا تشكل في البداية من خلال تيارات كلاسيكية متعددة، إلا أن الأنثروبولوجيا عامةً تصنف على أنها من العلوم حديثة العهد، تفرع من علم الاجتماع، وعده المؤرخون أنه فرع من علم الاجتماع المقارن، لأنه يدرس الإنسان وخصائصه في مختلف الحضارات والعصور، ويستخلص العلماء الفروقات بينها.
النظريات الكلاسيكية في الأنثروبولوجيا
سبق وأن أشرنا إلى أن المدرسة الكلاسيكية في الأنثروبولوجيا تتكون من مجموعة من النظريات، وهذه النظريات هي كالآتي:
نظرية الاتصال الثقافي أو المثاقفة
يُعد مصطلح التثاقف من المصطلحات الرئيسية في الأنثروبولوجيا الكلاسيكية، ونتيجةً لذلك سُميت أولى هذه النظريات بهذا الاسم، وعُرفت لجنة مجلس البحث الاجتماعي عام 1935م على أنّها عملية تشمل مجموعة من الظواهر الناجمة عن الاحتكاك المباشر والمتواصل بين جماعات مختلفة من البشر، الذين ينتمون لبنى ثقافية مختلفة، ونتيجةً لهذا الاحتكاك والتفاعل يطرأ تغير في النماذج الأصلية لهذه الثقافات.
بالمعنى الأدق هو تأثر الثقافات ببعضها البض، وأطلق العلماء مصطلحًا آخرًا وهو المناقلة الثقافية، "Transculturation" ومن أهم الإسهامات في هذا المجال بحوث علماء الأنثروبولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو المثال الأبرز الذي يعبر عن التثاقف لأنه طبيهة الدولة تتكون من مجموعة من الثقافات، وطرأت تغيرات عليه، ويُعد الانفتاح ضرورةً وشرطًا أساسيّا لتحقيق التثاقف.
النظرية التطورية الجديدة
وهي نظرية ظهرت في النصف الأول من القرن العشرين، تهدف إلى دراسة التطور الحاصل على الإنسان من عدة جوانب وعبْر المراحل الزمنية المختلفة، ومن أهم العلماء الذين أسسوا لهذه النظرية عالم الآثار الإنجليزي جوردان تشايلد، ودعت النظرية التطورية إلى الأخذ بالنظم الأوروبية كمقياس للتطور، وانقسم التيار التطوري إلى مجموعة من التيارات الفرعية، وهي الآتية:
- المدرسة الأولى
أخذت بالتتابع في التطور، واستندت إلى مبدأ الوحدة السيكولوجية للإنسان.
- المدرسة الثانية
استندت إلى المنهج المقارن، حيث تدرس التطور من خلال عقد مقارنات بين النظم الثقافية المختلفة.
- المدرسة الثالثة
اعتمد علماؤها على الآثار والبقايا التي الموجودة في البقعة الجغرافية التي يسكنها شعب معين، وشغل مفهوم البقايا حيزًا كبيرًا في النظرية التطورية في الإنثروبولوجيا، وهذه البقايا دليل على وجود الإنسان في عصور قديمة، ودليل على أنه يتطور مع مرور الوقت.
النظرية الماركسية
وتعد من أشهر النظريات الكلاسيكية أسّسها رواد التيار الماركسي الفيلسوفان كارل ماركس، وفريدريك إنجلز، وتنقسم الفلسفة الماركسية إلى قسمين وهما المادية الجدلية، والتي طُبّق من خلالها قوانين الجدل على الطبيعة، أما القسم الآخر فهو المادية التاريخية، وعرفت لاحقًا بنظرية التطور الاجتماعي، التي تنص على أن البشرية تمر في خمسة مراحل، وهي كالآتي:
- المشاعية الأولى
هي المرحلة البدائية التي يسودها الشيوع، وتنتفي فيها الملكية الخاصة، ولا يوجد طبقات، فالإنسان في هذه المرحلة يبذل مجهودًا كبيرًا في تأمين قوت يومه.
- العبودية
في هذه المرحلة يصبح الإنتاج فائضًا فيتشكل فائض القيمة، وتصبح طبيعة المجتمع البشري طبقات مختلفة.
- الإقطاع
في هذه المرحلة ينقسم المجتمع إلى طبقة ملاك الأراضي وما عليها من الإقطاعيين، أما الطبقة الأخرى فهي العاملين فيها وهم الفلاحون.
- الرأسمالية
هي المرحلة التي تتسم بتطور التكنولوجي، وتتمرطز فيها الثروة في أيدي أصحاب رؤوس الأموال وملاك المصانع، والطبقة العامل هي التي تشعر بالاغتراب عن واقعها، وتعرف بالبروليتاريا.
- الاشتراكية
في هذه المرحلة تُمارس الطبقة العاملة نضالها من أجل استرداد حقوقها، وتنتهي بحصولها على السلطة، ونتيجةً لثورة البروليتاريا تتشكل الشيوعية وهي نمط حداثي من الشيوعية البدائية، وتنعدم الطبقات والدولة، ويتشكل ما يُعرف بمؤسسة التسيير الذاتي.
النظرية المعرفية
وعرفت لاحقًا بالنظرية البائية وهي إحدى النظريات الكلاسيكية التي كانت رد على التيار الماركسي، وتبجث النظرية المعرفية في أنساق الفكر، وطرق تفكير الناس، وأسليب إدراك الأشياء، ومن هذا المنطلق يرى رواد هذه النظرية أنّ دراسة المجتمع وتطوره لا تكون إلا من خلال دراسة الإنسان، وليس من خلال أساليب الإنتاج كما ذهب إليه الماركسيون.
ومن أهم رواد هذه النظرية الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو الذي أدخل مصطلح الإبيستمية "Episteme"، وهي كلمة مأخوذة عن اللغة اليونانية تُشير إلى المعرفة، وهدفت دراسة فوكو إلى معرفة أنساق الفكر الإنساني عبْر المراحل المختلفة من التاريخ، والتي شكلت الصورة النهائي للإنسان المعاصر.