المدرسة الرمزية في الشعر العربي الحديث
المدرسة الرمزية في الشعر العربي الحديث
تُعد الرمزية إحدى المدارس الأدبية التي شكلت ثورةً في تاريخ الأدب من حيث الشكل والمضمون والغاية، وتم استلهامها من أعمال الفلاسفة الأوروبيين في العصر الحديث، وكان لها صدىً كبيرًا على الشعراء العرب المعاصرين، وأحدثت تحولًا كبيرًا في مفهوم القصيدة الشعرية العربية، فمن المعروف أنّ القصائد الشعرية العربية، تعتمد على الجانب الوجداني للشاعر، لكن أصبحت القصائد الشعرية أكثر تعقيدًا لاعتمادها على الرموز.
أصبحت هذه الرموز لاحقًا تُعبر عن تجربة الشاعر التي تبدو غامضةً؛ بسبب كثرة الإيحاءات والصور والدلالات المبهمة، والتي يتركها الشاعر دون أيّ توضيح لمتلقي القصيدة، كما يُقصد بالرمز لغةً في المعاجم العربية أنّه تصويت خفي باللسان كالهمس، أو تحريك الشفتين بكلام غير مفهوم.
كما وُرد في القرآن الكريم سورة آل عمران، بمعنى ما خَفي من الكلام، إذ يقول: (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)، أمّا اصطلاحًا فهي مفردة راسخة الدلالة في الثقافة الغربية منذ قرون، وعُرفت في الثقافة اليونانية، والإغريقية، وكان يُقصد بها الشيء الذي يعني شيئًا آخرًا.
يصعب التحديد الدقيق لمصطلح الرمزية في الأدب العربي ؛ بسبب الاهتمام الكبير الذي يُوليه الشعراء والأدباء للألفاظ، ويُمكن القول أنّ المدرسة الرمزية في الشعر العربي الحديث؛ هي مدرسة اعتمدت على استخدام ألفاظ للإشارة إلى فكرة ما، ويُشترط وجود رابط بين الرمز والمرموز إليه.
نشأة المدرسة الرمزية في الشعر العربي الحديث
إنّ نشأة المدرسة الرمزية تجربة تبلورت مع حركة النهضة العربية، وكانت الفلسفة الجمالية للشعر الرمزي الحديث تختلف جوهريًا عن المدارس الشعرية الأخرى؛ لاعتمادها على التجربة الخاصة للشاعر، متمتعًا بالحرية في استخدام الألفاظ، فالشاعر مُخولًا له أن يضع معاييرًا جماليةً خاصةً به.
كان هذا التجديد شاملًا لمختلف جوانب الشعر العربي الحديث، فاهتم الشعراء بالتجديد من الناحية اللفظية، واعتماد أساليب جديدة تتماشى مع روح العصر، وأدى ارتباط الشعراء المعاصرين بالأحداث التي عاصروها إلى التفاعل الكبير معها، ويظهر الغموض كأول صفة اتصف بها الشعر العربي الحديث، وهي نتيجة لاستخدام الرموز في الشعر.
كما أنّ الشعر الحديث يعتمد على التجربة اللامحدودة، ويتصف بالتعقيد الذي يجعل من القصائد بحاجة إلى تفكيك، وتأويل، ويُمكن القول إنّ التجديد في الشعر العربي الحديث من خلال استخدام الرموز، أدى إلى نحت مفهوم جديد للشعر العربي قائم على التحرر من المعايير الجمالية للشعر العربي القديم، وترجع بدايات ظهور الرمزية في الشعر العربي إلى قصائد جبران خليل جبران.
يرى نقاد آخرون أنّ ميخائيل نُعيمة، وإيليا أبو ماضي، كانا من المساهمين المبكرين في إدخال التوظيفات الرمزية على الشعر العربي، لكن يغلب الترجيح بأنّ جبران خليل جبران، هو مؤسس المدرسة الرمزية في الشعر العربي الحديث؛ لاستخدامه التعابير المستحدثة في الشعر، كالذات المجنحة وحقل القلب، والاعتماد على الحركة الحوارية على شكل قصص رمزية، مستوحاة من الحضارات القديمة مثل الحضارة اليونانية.
خصائص المدرسة الرمزية في الشعر العربي الحديث
تميزت المدرسة الرمزية في الشعر العربي الحديث بالعديد من الخصائص، أهمها ما يأتي:
- إثراء القصائد الشعرية
يعود السبب في ذلك إلى ارتباطها بالفروع المعرفية المختلف؛ كعلوم تاريخ الديانات، والأنثروبولوجيا، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلوم اللغات، والفلسفة.
- الوحدة العضوية
تعني أن تنمو القصيدة بشكل متكامل، وطبيعي، مثل الكائن العضوي، وتُعد الوحدة العضوية من أهم خصائص المدرسة الرمزية في الشعر العربي الحديث.
- توظيف حدس القارئ لتفسير الشعر
تهدف هذه الخاصية إلى إعطاء فرصة للقارئ لتقييم القصيدة، فالحدس عملية نفسية لتفسير النغم الرمزي؛ لأنّ الرمزية تُؤثر في التفسير، وهذا يفتح مجال أمام تجدد نص القصيدة واستمراريته.
- العمق والتعقيد المعنوي
والهدف من العمق هو إنتاج شعر يتميز بالعظمة، لكنه قد يُضفي الغموض والتعقيد، وهذا الأمر تُخفف من حدته الموسيقى الشعرية الرمزية المتناغمة في ثنايا الألفاظ.
- هندسة الصورة وجمالياتها
تكثر الصورة الشعرية في الشعر الرمزي بفرعيها الحسي والمعنوي، ورغم أنّها تُوحي بالغموض، لكن المدرسة الرمزية أكدت على ضرورة توظيف الصورة؛ لما تحدثه من أصداء عميقة في نفوس المتلقين.
اتجاهات المدرسة الرمزية في الشعر العربي الحديث وأنواعها
ظهرت العديد من الاتجاهات في المدرسة الرمزية في الشعر العربي الحديث أهمها ما يأتي:
الاتجاه الفلسفي الغيبي
ترتبط نشأة هذا الاتجاه بفلسفة أفلاطون المثالية، خاصةً في محاورة السفسطائي والبارمنيد، كما ظهرت بشكل واضح في فلسفة كانط، وهيغل، والمثالية الألمانية، ويُعد هذا التيار أساس المدرسة الرمزية؛ لأنّه يقول بأنّ العالم المادي الذي يقع تحت حواسنا ليس إلا صورةً لعالم آخر.
كما أنّه قابل للتبدل والفساد، ولا يُمكن فهم حقيقية وجوهر الوجود إلا من من خلال توظيف الرمز، وكان لهذا الاتجاه أصداء كبيرة في العالم الغربي والعربي، ويُعد تمثيلًا للجانب الذاتي، ومن أهم الأمثلة على هذا الاتجاه قصيدة محمود درويش " تأملات سريعة في مدينة قديمة وجميلة"، إذ يقول فيها:
- أيها البحر المحاصرْ
- بين إسبانيا وصورْ
- ها هي الأرض تدورْ
- فلماذا لا تعود الآن من حيث أتيتْ؟
- آه، مَنْ يُنْقِذُ هذا البحرَ
- دَقَّتْ ساعة البحرِ
- تراخي البحرُ
الاتجاه السيكولوجي نجو العقل الباطن
ظهر هذا الاتجاه كرد فعل على الاتجاه الفلسفي الغيبي؛ وذلك لأنّه لم يتمكن من تقديم فهم لحقيقة الوجود من خلال الرموز، فحاولوا توظيف علم النفس، لفهم الحقائق الغامضة، فالعالم الخارجي ليس سوى صور ورموز للعالم الداخلي، وتعود نشأة هذا التيار إلى تقدم العلوم الإنسانية في أوروبا.
من أهم الأمثلة على توظيف الاتجاه السيكولوجي في في المدرسة الرمزية في الشعر العربي الحديث، قصيدة "إرادة الحياة" لأبي القاسم الشابي التي يظهر فيها، تأثره بفلسفة نيتشه وتمسكه بالإرادة، إذ يقول فيها:
إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ
- فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ
ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي
- ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ
الاتجاه الأدائي اللغوي
اعتمد هذا الاتجاه على الموسيقى الشعرية والنغم، وترجع نشأته إلى الموسيقار الألماني فاغنر الذي لُقب بسيد العناصر لأدائه، وظهر بشكل واضح في قصائد بودلير، وتُعد مهمة الشعراء بالنسبة للاتجاه الأدائي اللغوي هي انتزاع الخصائص الأدائية من الموسيقى، وتوظيفها في الشعر.
من الأمثلة على الاتجاه الأدائي في اللغوي في الشعر العربي المعاصر ديوان أراح أشباح للشاعر علي محمود طه.
أثر المذهب الرمزي في الشعر العربي الحديث
هنالك العديد من آثار المذهب الرمزي على الشعر العربي الحديث، أهمها ما يأتي:
- التخلص من التكلف والابتعاد عن التعقيد.
- ظهور أساليب جديدة في الشعر العربي، مواكبةً لروح العصر.
- انفتاح الأدب العربي عامةً والشعر العربي بخاصة على الثقافة الأوروبية.
رُوّاد المدرسة الرمزية في الشعر العربي الحديث
يُعد جبران خليل جبران ، المؤسس الأول للمدرسة الرمزية العربية، وهنالك رواد آخرون منهم ما يأتي:
- غادة السمان.
- إيليا أبو ماضي.
- ميخائيل نعيمة.
- سميح القاسم.
- محمود درويش.
- علي محمود طه.
- أبو القاسم الشابي.
نستنتج مما سبق أنّ الرمزية من أهم وأقدم المدارس الغربّية في الشعر، التي تعود نشأتها إلى الحضارة اليونانية، وكان لها أثر كبير على أوروبا في العصر الحديث، ونتيجةً لانفتاح الشعراء العرب على الحضارة الغربية تأثروا بهذه الحركة، فكانت حركة تجديد في الشعر العربي المعاصر، تهدف إلى توظيف الرموز لإثراء القصائد بالدلالات المتعددة.