القصائد التي نظمها لسان الدين بن الخطيب
قصيدة بُشْرَى يَقُومُ لَهَا الزَّمَانُ خَطِيباً
بُشْرَى يَقُومُ لَهَا الزَّمَانُ خَطِيباً
- وَتَأَرَّجُ الآفَاقُ مِنْهَا طِيبَا
هَذَا طُلُوعُ فُتُوحِكَ الغُرِّ الَّتِي
- مَا كَانَ طَالِعُ سَعْدِهَا لِيَغِيْبَا
أَظْهَرْتَ دِينَ اللهِ فِي ثَغْرِ العِدَى
- وَقَهَرْتَ تِمْثالاً بِهِ وَصَلِيْبَا
وَذَعَرْتَ بِالْجَيْشِ اللُّهَامِ بِلاَدَهَا
- مك الفضا ملأ القلوب وجيبا
جيش يرى تعب المغاوز راحة
- وَالسَّهْلَ صَعْباً والْبَعيدَ قَرِيبا
شَرِفَتْ ثُغُور الدِّينِ مِنْهُ بِغُصَّةٍ
- وَلَقِينَ مِنْهُ حَوَادِثاً وخُطُوبَا
وَمَتَى سَرَتْ لِلْمُسْلِمِينَ سَرِيَّةٌ
- أَبْدَى لَهَا التَّحْذِيرَ وَالتَّأْلِيبَا
حَتَّى إِذا اسْتَشْرَى وَاَعْضَلَ دَاؤُهُ
- شَكَتِ الثُّغُورُ بِهِ فكُنْتَ طَبِيبَا
وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بُرْءَ زَمَانَةٍ
- لَمْ تَعْدُ مِيقَاتاً لَهَا مَكْتُوبَا
لِلَّهِ يَوْمُ الفَتْحِ مِنْهُ فَإِنَّهُ
- يَوْمٌ عَلَى الكُفَّارِ كَانَ عَصِيبَا
فَتْحٌ تَفَتَّحَتِ المُنَى عَنْ زَهْرِهِ
- وَافْتَرَّ الدَّهْرُ عَنْهُ شَنِيبَا
حَفَّتْ بِهِ رَايَاتُكَ الحُمْرُ الَّتِي
- قَادَتْ إِلَيْهِ قَبَائِلاً وَشُعُوبَا
وَتَعَلَّقَتْ بُهْمُ الرِّجَالِ بِسُوْرِهِ
- فَتُخَالُ فِي شُرُفَاتِهِ يَعْسُوبَا
وَحَنَتْ بِهِ عُوجُ الْقِسِيِّ ضُلُوعَهَا
- تَغْتَالُ فِيهِ جَوَانحاً وَقُلُوبَا
فَكَأّنَّمَا قُزَحٌ حَنَتْ أَقْوَاسَهُ
- أَيْدِي الغَمَامِ وَأَمْطَرَتْ شُؤْبُوبَا
وَرَأَى المَنِيَّةَ رَبُّهُ وَهَفَا إِلَى
- طَلَبِ الأَمَانِ فَقِيلَ لاَ تَثْرِيبَا
وَإِذَا امْرُؤٌ أَلْقَى إِلَيْكَ قِيَادَهُ
- وَرَجَاكَ أَدْرَكَ حِلْمَكَ المَوْهُوبَا
مِنْ بَعْدِ مَا قَعَدَتْ بِهِ أَنْصَارُهُ
- رَهَباً وَأَبْصَرَ وَعْدَهُمْ مَكْذُوبَا
وَتَبَلْبَلَتْ بِاللَّيْلِ أَلْسُنُ نَارِهِ
- تَصِلُ الصُّرَاخَ فَمَا لَقِينَ مُجيبَا
لَوْ أَنَّهُمْ جَاشوا إِلَيْكَ وَجَمَّعُوا
- أَقْصَى تُخُومِهِمُ صَباً وَجَنُوبَا
غَادَرْتَهُمْ صَرْعَى عَلَى عَفْرِ الثَّرَى
- وَمَلأْتَ أَرْضَهُمُ بُكاً وَنَحِيبَا
وَتَرَكْتَ كُلَّ مُثَقَّفٍ مُتَقَصِّداً
- فِيهِمْ وَكُلَّ مُهَنَّدٍ مَخْضُوبَا
بِعِصَابَةٍ يَمَنِيَّةٍ مَهْمَا انْتَمَتْ
- فِي العُرْبِ كَانَ لَهَا الحُسَامُ نَسِيبَا
ألْبَسْتَ مَلْكَ الرُّوْمِ عَاراً بَاقِياً
- وَكَسَوْتَ غَمّاً وَجْهَهُ وَقُطُوبَا
فَاسْتَقْبِلِ المُلْكَ المُؤَيَّدَ خَالِداً
- والدَّهْرَ غَضَّاً والزَّمَانَ قَشِيْبَا
قصيدة هِيَ أَسْعَدُ مَا دُونَهُنَّ حِجَابُ
هِيَ أَسْعَدُ مَا دُونَهُنَّ حِجَابُ
- لا يَنْقَضِي عَدٌّ لَهَا وَحِسَابُ
وَبَشائِر ٌتَصِلُ النُّفُوسَ كَأَنَّمَا
- بَيْنَ النُّفُوسِ وَبَيْنَهَا أَنْسَابُ
تَأْتِي عَلَى قَدَرٍ فَيَخْلُفُ بَعْضُهَا
- بَعْضَاً كَمَا خَلَفَ السَّحَابَ سَحَابُ
أَمَّا الفُتُوحُ فَقَدْ تَجَلَّى وَاضِحٌ
- مِنْ صُبْحِهَا الأجلى وفتح باب
وسوق بشائرها بكل تحية
- شدق لها الأَقْتَادُ وَالأَقْتَابُ
حَتَّى إِذَا شَمَلَ البِلاَدَ وَأَهْلَهَا
- فَعَلاَ لَهُمْ قِدْحٌ وَعَزَّ جَنَابُ
طَلَعَتْ عَلَى الأَعْقَابِ أَعْذَبَ مَوْقِعَاً
- مِنْها وَلأْلاَءُ السُّيُوفِ عَذَابُ
فَارْتَاحَ دَوْحُ المُلْكِ عَنْ فَزْعِ الْعُلَى
- وَازْدَادَ فِي أُفُقِ الجَلاَلِ شِهَابُ
وَاسْتَلَّ مِنْ أَجْفَانِ خَزْرَجَ صَارم
- خضعت إليه مفارق ورقاب
وهدت إليه أسنّة وأسرّة
- وَمَوَاكِبٌ وَكَتَائِبٌ وَكِتَابُ
فَاسْعَدْ أَمِيرَ المُسْلِمِيْنَ بِطَالِعِ
- يُنْمَى إِلَيْهِ الحَرْبُ وَالْمِحْرَابُ
وَاشْدُدْ بهِ لأَخِيهِ أَزْرَاً وَارْتَقِبْ
- مِنْهُمْ أُسُوداً وَالأَسِنَّةُ غَابُ
فَإِذَا تَسَعَّرَتِ الوَغَى وَتَنَكَّرَتْ
- بُهْمُ الرِّجَالِ دَعَوْتَهُمْ فَأَجَابُوا
وَرَمَيْتَهَا مِنْهُمْ بِكلِّ مُجَرِّبٍ
- ذَلَّتْ لَهُ الأَقْرَانُ وَهْيَ صِعَابُ
هُنِّيْتَهَا نُعْمَى لَدَيْكَ جَليلَةً
- لا يَسْتَقِلُّ بِشُكْرِهَا إِطْنَابُ
لِلَّهِ مِنْكَ مُؤيَّدٌ ذُو عَزْمَةٍ
- رَاضٍ وَأَيَّامُ الزَّمَانِ غِضَابُ
مِنْ آلِ نَصْرٍ مِنْ ذُؤَابَةِ خَزْرَجٍ
- قَوْمٌ هُمُ الأَنْصَارُ والأَصْحَابُ
آثَارُكَ الغُرُّ كَرام كوَاكب
- تَأْبَى الكَواكِبُ أَنْ يَضِّلَّ رِكَابُ
فَإِذَا هَمَمْتَ بَلَغْتَ كُلَّ مُمَنَّعٍ
- وَإِذَا رَأَيْتَ الرَّأْيَ فَهْوَ صَوَابُ
قصيدة أَأَبْصَرْتَ مِنِّي فِي الْمَصَانِعِ قُبَّةً
أَأَبْصَرْتَ مِنِّي فِي الْمَصَانِعِ قُبَّةً
- تَأَنَّقَ فِيَّ السَّعْدُ مِنْ كُلِّ جَانِبِ
فَتُتْلَى سُطُورُ الْكَتْبِ فَوْقِيَ دَائِماً
- وَتُعْرَضُ مِنْ تَحْتِي سُطُورُ الْكَتَائِبِ
وَفِي سَاحَتِي مَسْعىً لِطَالِبِ رَحْمَةٍ
- وَمَأَمَنُ مُرْتَاعِ وَمَوْقِفُ تَائِبِ
فَقُلْ فِي إِنِّي لِلْمُؤَمِّلِ كَعْبَةٌ
- وَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَبْرِزْتُ فِي زِيِّ كَاعِبِ
أَنَا الْغَادَةُ الْحَسْنَاءُ يُغْنِي جَمَالُهَا
- عَنِ الدُّرِّ مِنْ فَوْقِ الطُّلَى وَالتَّرَائِبِ
وَمَا الْحْسْنُ إِلاَّ مَا يَكْونُ طَبيعَةً
- بِلاَ جُهْدِ مُحْتَالٍ وَلاَ كَسْبِ كَاسِبِ
وَمِنْ آيِتِي أَنَّي عَلَى حَالِ عِزَّتِي
- قَعَدْتُ بِبَابِ الْمُلْكِ مَقْعَدَ حَاجِبِ
أَدُلُّ عَلَى مَا حَازَهُ مِنْ جَلاَلِةٍ
- وَكَمْ شَاهِدٍ أَبْدَي مَحَاسِنَ غَائِبِ
فَدَامَ جَمِيعَ الشَّمْلِ فِي ظِلِّ نِعْمَةٍ
- مِنَ اللهِ مَشْمٌولاً بِحُسْنِ الْعَوَاقِبِ
قصيدة وَلَيْلَةِ أُنْسٍ بَاحَ مِنَّا بهَا الهَوَى
وَلَيْلَةِ أُنْسٍ بَاحَ مِنَّا بهَا الهَوَى
- فَهُزَّتْ لِتَرْجِيعِ الثَّقِيلِ المَنَاكبُ
بِعُودٍ تَرَى وَقْعَ الأَنَامِلِ فَوْقَهُ
- كَمَا اجْتَهَدْتَ فِي نَسْجِهِنْ العَنَاكِبُ
حَشَدْنَا جُمُوعَ اللَّحْنِ مِنْهُ فَأَقْبَلَتْ
- كَتَائِبَ تَقْفُوْ إِثْرَهُنَّ كَتَائِبُ
وَدَارَتْ بِنَا الأَقْدَاحُ حَتَّى كَأَنَّنَا
- بُدُورٌ وَكَاسَاتُ المُدَامِ كَوَاكِبُ
يُظَلِّلُنَا بِالْغَيْمِ نَدٌّ وَعَنْبَرٌ
- وَتنْضَحُنَا بِالطِّيْبِ سُحْتٌ سَوَاكِبُ
إلَى مِثْلِ هَذَا الأُنْسِ يَرْكَبُ جَالِسٌ
- جَنيباً لِلُقْيَاهُ وَيَجْلِسُ رَاكِبُ
قصيدة أجلُّكَ أَنْ يُلِمَّ بِكَ الْعِتَابُ
أجلُّكَ أَنْ يُلِمَّ بِكَ الْعِتَابُ
- وَوُدَّكَ لاَ يُدَاخِلُهُ ارْتِيَابُ
وَأسْتَعْدِي عُلاَكَ عَلَى اخْتِصَارٍ
- إِذَا مَا عَادَ لِي مِنْكَ الْجَوَابُ
وَلْلإِنْصَافِ قُسْطَاسٌ قَوِيمٌ
- يَبِينُ بِهِ مِنَ الْخَطَأَ الصَّوَابُ
أَيُطنِبُ فِي مَعَانِيهَا الْمَعَالِي
- بِرَبْعِكُمُ وَيُخْتَصَرُ الْكِتَابُ
وَمَنْ يُعْطي الْجَزِيلَ بِلاَ حِسَابٍ
- يَكُونُ لَهُ عَلَى لَفْظٍ حِسَابُ
قصيدة جَوَانِحنَا نَحْوَ اللِّقَاءِ جَوَانِحٌ
جَوَانِحنَا نَحْوَ اللِّقَاءِ جَوَانِحٌ
- وَمِقْدَارُ مَا بَيْنَ الدَّيَارِ قَرِيبُ
وَتَمْضِي اللَّيَالِي وَالتَّزَاوُرُ مُعْوِزٌ
- عَلَى الرَّغمِ مِنَّا إِنَّ ذَا لَغَرِيبُ
فديتك عجلها العشي زيارة
- ولو مثل مارد اللحاظ مريب
وَإِنَّ لِقَاءً جَلَّ عَنْ ضَرْبِ مَوْعِدٍ
- لأَكْرَمُ مَا يُهْدِي الأَرِيبَ أرِيبُ